قبل أيام، أصدرت المعارضة بياناً شاملاً تطرّقت خلاله إلى مواصفات رئيس الجمهورية، والمرحلة السياسية الجديدة التي تتطلّع إليها في العهد المقبل مع ما يجب تطبيقه من مشاريع سياسيّة سياديّة ودستوريّة، فكان بمثابة ورقة سياسيّة، تتضمّن ورشة عمل لبناء ما يُشبه "الجمهورية الجديدة" شكلاً ومضموناً، ومبنيّة على اتفاق الطائف.
بيان المعارضة تطرّق إلى نقاط جوهرية، منها مصير سلاح "حزب الله"، اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة، تطبيق القرارات الدولية، تنفيذ سلة الإصلاحات، استقلالية القضاء، استكمال التدقيق الجنائي وتعميمه على الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة، وكشف كل الجرائم المالية وغير المالية ذات الصلة بالانهيار والفساد ومحاسبة المسؤولين عنها، بالإضافة إلى غيرها من النقاط.
نظرياً، تشكّل هذه الطروحات معبراً نحو دولة مؤسسات حقيقية، والمعارضة تخوض مواجهة وجودية بوجه تحالف محور الممانعة؛ والتيار "الوطني الحر" قد لا يكون بعيداً من هذا المحور نتيجة التقاطع الرئاسي الآنيّ! لكن تطبيق هذه البنود على أرض الواقع لن يكون سهلاً، لأنّها بمثابة إعلان حلّ "دويلة حزب الله" مقابل قيام الدولة والشرعية، وإنهاء الفساد الذي يقوم عليه جزء كبير من المنظومة السياسية.
المعارضة: ورشة عمل موسّعة
عضو تكتّل "الجمهورية القوية" النائب سعيد الأسمر يُشير إلى أن "الأولوية تتمثّل بانتخاب رئيسٍ للجمهورية. ولكن بعد إنجاز الاستحقاق، فإن المطلوب الشروع نحو حوار في بعبدا حول العديد من الملفات، في طليعتها سلاح "حزب الله"، ثمّ يُصبح على مجلس النواب البدء بإقرار القوانين الإصلاحيّة المذكورة".
وفي حديث لـ"النهار"، يتطرّق الأسمر إلى بنودٍ جاء على ذكرها البيان، منها قانون اللامركزية المالية. وللإشارة، فإنها المرّة الأولى التي تطرح المعارضة هذا المبدأ، ليقول إن "المطالبات تركّزت في وقت سابق على اللامركزيّة الإداريّة، لكنّها وحدها غير كافية، والمطلوب تكاملها مع تلك المالية لتحقيق الإنماء".
ويستطرد في هذا السياق: "فلتجبِ كلّ منطقة ضرائبها، ولتقُم بالإصلاحات والمشاريع التنموية التي تنقصها، بعيداً من المركزيّة الماليّة، التي أثبتت فشلها في مختلف الملفات، ومنها على صعيد المثال لا الحصر ملفي الكهرباء والأشغال العامة". ويستذكر مشروع كهرباء زحلة كمشروع لامركزيّ ماليّ، ويُقارنه بواقع حال الكهرباء في لبنان عامةً.
إلى ذلك، فإن بيان المعارضة لم يُغفل مسألتي القضاء والجيش، فشدّد على وجوب تحمّل الجهتين مسؤوليتهما. وفي هذا الإطار، يلفت الأسمر إلى أن القضاء مسيّس، وتمييع قضية انفجار المرفأ والتعامي عن الجرائم التي تحصل، وآخرها عين إبل، يؤكّد هذا الواقع، مُذكّراً كيف هدّد وفيق صفا القاضي طارق البيطار.
أما في مسألة الجيش، فيعتبر الأسمر أن "الجيش هو المؤسّسة الوحيدة التي تستمرّ بحماية اللبنانيين، ولكن قد يكون ثمّة "إيد أو إجر" في المؤسّسة العسكريّة، وهذا ما لاحظناه في الكحالة وكيفية التعامل مع ما حصل، وبالتالي المطلوب "شدشدة" الجيش".
ويختم الأسمر حديثه ليقول إن "المعارضة تطرح ورشة عمل موسّعة، وتخوض معركة وجوديّة بوجه "حزب الله"، وسقف هذه المواجهة السياسيّة والقضائيّة سيرتفع أكثر في المرحلة المقبلة للوصول إلى الأهداف المطروحة في البيان، ليبقى البلد"، وفق تعبيره.
كيف سيكون شكل المواجهة لتطبيق هذه البنود؟
مراقبون سياسيون أثنوا على مضمون بيان المعارضة، واعتبروه بمثابة مشروع سياسيّ كامل يسعى إلى تطبيقه كلّ طرف مؤمن بمشروع البلد بعيداً عن المشاريع الإقليمية المدمّرة. لكنّهم في الوقت نفسه وصفوه بـ"النظريّ المثاليّ"، سائلين عن القدرة على تطبيق بنوده في ظلّ التركيبة السياسية الحالية.
وفي حديث لـ"النهار"، تلفت مصادر سيادية إلى أن "طريقة تطبيق بنود البيان أهمّ من البنود نفسها. فالمعارضة أعلنت نيّتها المواجهة على هذا الأساس، لكنها لم تُعلن تفاصيل المواجهة وأشكالها، التي قد تتّخذ أشكالاً عدّة، والتي ستتعرّض لمقاومة شرسة من قبل "حزب الله" وحلفائه الذين سيرفضون هذا المشروع لانّه يُعاكس رؤيتهم".
وعن شكل هذه المواجهة تسأل "النهار"، لتجيب المصادر بأن "الخطوة الأولى التي تتخذها المعارضة في هذا السياق تتمثّل بالإصرار على انتخاب رئيس جمهورية سياديّ وإصلاحيّ، والتأكيد على عدم وصول أيّ مرشّح تابع لـ"حزب الله"، أو يدور في فلكه، كيلا يُعيد تجربة ميشال عون، مع العلم أن وصول رئيسٍ يُحاكي تطلّعاتها سيُسهّل تشكيل الحكومات وتوقيع القوانين المطلوبة لتنفيذ المشاريع".
وتشدّد على وجوب مُشاركة فريق المعارضة في السلطة بالعهد المقبل ليكون قادراً على فرض مشاريعه في مجلس الوزراء، من خلال تقديم مشاريع قوانين مرتبطة بالبنود، ومُعارضة كلّ ما هو مُخالف لها، والمُشاركة في التعيينات العسكرية والإدارية والقضائية، وذلك بعد تنظيم تحالف واسع مع الأطراف التي تلتقي معها على مشروعها، لأنّها وحدها غير قادرة على الإنجاز.
وتتوقّف المصادر عند عدد من النقاط الجدليّة المذكورة في البيان، وتؤكّد على وجوب معالجتها بطريقة لا تترك نتائج عكسيّة، كاللامركزيّة الماليّة الموسّعة، التي قد تؤدّي - إن ساء تطبيقها - إلى الإمعان في تهميش مناطق، بما يُعزّز الأفكار الانفصاليّة التقسيميّة، وتؤكّد على أهمية تقوية موقع الجيش، من دون تصادمه مع "حزب الله" عسكرياً، لتفادي سيناريوهات دمويّة شهدها لبنان سابقاً.
وتختم حديثها بالإشارة إلى أن "البيان نظريّ حتى السّاعة، ولا يتبنّاه سوى 31 نائباً، لكن الأنظار ستكون شاخصة باتّجاه المعارضة وكيفيّة تعاطيها مع مختلف الملفات في العهد المقبل، انطلاقاً من بنود البيان، وما إن كانوا قادرين على جمع المزيد من الأطراف حول مشروعهم، وإلّا بقي حبراً على ورق".