النهار

بكركي دقّت ناقوس الخطر... المطران مطر لـ"النهار": الحوار قد لا يكون دستوريّاً لكنه ليس خطيئة عُظمى
جو لحود
المصدر: "النهار"
بكركي دقّت ناقوس الخطر... المطران مطر لـ"النهار": الحوار قد لا يكون دستوريّاً لكنه ليس خطيئة عُظمى
البطريرك الراعي وأساقفة في بكركي. (أرشيف "النهار").
A+   A-
مَن يراجع عظات البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ومَن يتابع البيانات المتتالية والدورية الصادرة عن مجمع الأساقفة الموارنة، يُدرك تماماً أن الكنيسة المارونيّة لم تنتهج الحياد في كلّ ما يتعلّق بالملف الرئاسيّ والشغور المُميت الذي يكبّل أيّ نوع من التقدّم المُمكن، لا رئاسيّاً فحسب بل وطنيّاً أيضاً، إذ إنّه يترك نتائجه السلبيّة على مختلف مفاصل الدولة اللبنانية وعلى حياة المواطن اللبنانيّ اليومية بكلّ ما للكلمة من معنى.
 
وعدم وقوف الكنيسة المارونيّة على الحياد ليس حدثاً مستجدّاً أو وليد الأيام الأخيرة. فالكنيسة ناصرت الحقّ في هذا الملف منذ ما قبل بداية الشّغور، ورفعت الصّوت قبل نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، داعية إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء المهل الدستوريّة.
 
وفي كلّ مرة كانت الكنيسة ترفع صوتها، كان البعض يعتبره نشازاً، فيما يعتبره البعض الآخر صوتاً ملائكيّاً. لكن النظرة إلى صوت الكنيسة تبدّلت مع تطوّر مواقفها وتنوّعها عملاً بمبدأ الواقعيّة،  ومحاولة إيجاد المخارج، بدل التفنّن في التعطيل عبر استخدام أدواته المتعدّدة، التي يتقنها بعض أهل السياسة في لبنان بشكل احترافيّ.
 
واللافت، إنّما غير المستغرب، في الأيّام الأخيرة، حديثُ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلال عظة الأحد الفائت عن أهمّية الحوار كأحد الحلول الممكنة لوضع حدّ للشّغور المتمادي من دون أيّ رأفة بحال البلاد والعباد.
 
واللافت أيضاً في حديث الراعي أنّه جاء مباشرة بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حوار مفتوح من سبعة أيام، تليه جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهوريّة؛ وذلك قبيل الموعد المحدّد لعودة الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان الذي من المنتظر - أقلّه حتى الساعة - أن يعقد جلسات العمل الحواريّة التي سبق وتحدّث عنها.
 
أما عدم استغراب مضمون عظة البطريرك المارونيّ فنابع من شعاره البطريركي "شركة ومحبة"، الذي رفعه منذ تولّيه السدّة البطريركيّة، والذي إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على ضرورة التواصل والحوار بين مختلف اللبنانيين وفي مختلف الظروف.
 
على هذا الصعيد، وبعد جملة ردود فعل مؤيّدة ومعارضة لكلام البطريرك الراعي، أكدّ المطران بولس مطر في حديث مع "النهار" أنّ "محاولات البطريرك الراعي إيجاد حلول تضع حداَ للشغور الرئاسي ليست جديدة على الإطلاق، فالصوت البطريركي الذي يدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية انطلق قبل سنة ونصف السنة من اليوم. لذلك لا يمكن توجيه الملامة إلى الكنيسة المارونية وبطريركها بأيّ شكل من الأشكال".
 
وأضاف "قد لا يكون الحوار هو المادة التي ينصّ عليها الدّستور، فالأخير واضح لجهة ضرورة الذهاب إلى المجلس النيابي وعقد دورات متتالية ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية، لكن الواقع يدفعنا إلى طرح السّؤال الآتي:
 
"هل يُمكن لأيّ طرف من الأطراف السياسيّة في لبنان أن يجمع تحت قبّة البرلمان 86 نائباً (النصاب القانوني) فيتمكّنوا من انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهنا نقول إنه بناء على الإجابة المعروفة عن السؤال المطروح أعلاه، لا بدّ من التعاطي بواقعيّة مع الشغور الرئاسيّ السّائد. ومن هنا، قد يكون الحوار هو أحد المخارج الممكنة؛ وعلى الرّغم من عدم دستوريّته فلا يمكن اعتباره خطيئة عظمى".
 
ويُشير المطران مطر إلى أن "المعطيات المتوافرة أخيراً، والمتمثّلة بدعوة لودريان إلى عقد لقاء تمهيدي يسبق العملية الانتخابية، وفي دعوة الرئيس بري إلى حوار يسبق أيضاً الذهاب إلى جلسات انتخابية متتالية، علماَ بأن الدّعوة إلى جلسات متتالية بحاجة إلى توضيح؛ فالفرق شاسع بين جلسات متتالية ودورات انتخابية متتابعة، تُشير بشكل أو بآخر إلى أن القرار بفتح باب الحوار تحضيراً لانتخاب رئيس للجمهورية قد اتخذ من دون العودة إلى الفريق السياسيّ الآخر في لبنان". 
 
ويُشير مطر إلى "ضرورة مراجعة عظة البطريرك الراعي بدقة، إذ إنّه قال (الحوار المدعوّون إليه نوّاب الأمّة، إذا حصل على الرّغم من التجاذبات بين القبول والرفض، إنّما يقتضي أوّلًا المجيء إليه بدون أحكام مسبقة)، وهنا إشارة واضحة إلى عدم تحميل كلام الراعي نوعاً من الحتميّة في ما يخصّ الحوار".
 
وانطلاقاً من هنا، "قد تكون الكنيسة المارونيّة خلال هذ الفترة متأثرة بالانتخابات الباباوية الأخيرة، أي التي تمّ خلالها انتخاب البابا فرنسيس حبراً أعظم، إذ إنه في خلال هذه الانتخابات قرّر الكرادلة الانصراف إلى 5 أيام من المشاورات حول ما آلت إليه أوضاع الكنيسة قبل إطلاقهم العمليّة الانتخابيّة على طريق تصاعد الدّخان الأبيض".
 
في المُحصّلة، يبقى الحوار المنتظر بغضّ النظر عن طبيعته، والمشاركين فيه، والدّاعين إليه، فضلاً عن مكان انعقاده، رهينة مواقف القوى السياسية اللبنانيَّة التي ستبدو أكثر وضوحاً وفقاً للمعلومات في بداية النصف الثاني من شهر أيلول الجاري.

اقرأ في النهار Premium