"ممنوع المرض في لبنان"... عبارة لطالما ردّدها اللبنانيون خلال مختلف المراحل التي مرّ بها لبنان، وذلك نظراً لغياب نظام ضمان صحيّ عام وشامل يؤمّن للمواطن ما يحتاج من الأدوية والعلاجات كما يضمن له إمكانيّة دخول المستشفى من دون أيّ عائق أو محاولة تسوّل عند النافذين من أهل السياسة والاقتصاد وغيرهم.
ومع بداية الأزمة الحاليّة التي عرّت مختلف القطاعات وأظهرت الفوضى العارمة في معظمها على حقيقتها، ظهر القطاع الطبيّ في لبنان واحداً من أكثر القطاعات تضرّراً، فبات المواطن اللبنانيّ رهينة للدولار الطبيّ، المستشفيات الخاصة، شركات الأدوية، الصيدليات وغيرها من الأطراف المعنيّة مباشرة بصحة المواطن وبتأمين العلاج له عند تعرّضه لأي وعكة صحيّة.
ومن ضمن الانهيارات الكثيرة التي شهدَها القطاع الطبيّ خلال مرحلة الأزمة المستمرة، لا يمكن صرف النظر أبداً عن المصابين بالأمراض المستعصية، لاسيّما مرضى السرطان، إذ تحوّلت صور تظاهراتهم ورفعهم الصوت للمطالبة بتأمين العلاجات الخاصة بهم إلى أيقونة تمثَل الوجع اللبناني بمختلف أبعاده وأشكاله.
في هذا السياق، أعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض أمس أن مجلس الوزراء اتّخذ قراراً بالاستمرار فى دعم أدوية الأمراض المستعصية.
وقال إنه تم إقرار مبلغ ثلاثين مليون دولار إضافة إلى ألف وخمسمئة مليار ليرة لهذه الغاية. وتعليقاً على ما أقرته الحكومة في ما يتعلّق بدعم الدواء، أكّد الأبيض في حديث مع "النهار"، أن "المبلغ الذي تم إقراره يعود إلى تأمين الأدوية المدعومة، وأدوية الأمراض المستعصية لجميع اللبنانيين (مرضى وزارة الصحة، الضمان الاجتماعي، تعاونيّة موظفي الدولة، قوى الأمن الداخلي والجيش)".
وفي ما يخص آلية الاستفادة من الأدوية المدعومة التي سيشملها هذا المبلغ، فـ"إننا سنستمر في اعتماد الآلية التي سبق ووضعتها وزارة الصحة، والتي تنص على استحصال المريض على رقم صحي موحّد، بالإضافة إلى الالتزام بمنصة أمان، إذ إننا من خلال هذه الخطوات تمكّنا بشكل أو بآخر من ضبط مختلف عمليات التهريب".
وأشار الأبيض إلى أن "المبلغ الذي أقرّته الحكومة لتأمين الدعم للأدوية المستعصية قد يكفي لفترة 3 أشهر. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى مجموعة خطوات تمّ اتخاذها تساعد على إطالة الفترة الزمنية للاستفادة من أموال دعم الدواء". والخطوات متمثّلة بـ"رفع الدعم عن بعض الأدوية، وبالتالي أصبحت كمية الدّعم أقلّ، بالإضافة إلى موضوع ترشيد الدواء، الذي يعتمده معظم الأطباء في لبنان، أي إنّهم لا يقدمون على وصف سوى الدواء الأساسي والإلزامي".
من هنا "يمكن القول إن إمكانيّة دعم أدوية الأمراض المستعصية عبر الأموال التي تمّ إقرارها أمس قد تستمر لفترة أطول".
ويرى الأبيض أن "الإشكاليات التي طرأت على موضوع استيراد الأدوية على أنواعها في لبنان مرتبطة مباشرة بعامل الثقة، إذ إن الشركات التي لها مبالغ كبيرة لدى الجهات المستوردة في لبنان تتردد في بعض الأحيان في الاستمرار بتزويدنا بالدواء؛ لذلك يُمكن اعتبار ما أقرّته الحكومة في الأمس عاملاً من عوامل الثقة التي تدفع الشركات الأجنبية إلى تزويدنا بالدواء من دون أيّ تأخير او تردّد".
وعن الفترة التي تلي الـ3 أشهر المقبلة، يقول وزير الصحّة: "للأسف، لا يمكن لنا في لبنان خلال هذه المرحلة الصعبة من وضع أهداف طويلة الأمد، أو اعتماد حلول طويلة الأمد. لذلك، بعد انتهاء أموال الدعم الحاليّة، سنبحث من جديد عن الآلية الممكنة للاستحصال على الأموال اللازمة، علماً بأننا نتمنّى أن تشهد البلاد حلولاً سياسية في الأشهر المقبلة، ممّا يدفع نحو إيجاد مخارج لمختلف المواضيع العالقة".