فرضت الحركة الديبلوماسية الناشطة لموفدين سعوديين ولقاءاتهم المرتقبة مع مسؤولين فرنسيين في باريس مواكبة للقاء يُعقد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في نيودلهي على هامش قمة العشرين إيقاعها على المواقف السياسية في لبنان. إذ غابت المواقف السياسية على نحو شبه كلّي ربّما باستثناء الموقف الذي تم توزيعه لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في أثناء لقائه المنسّقة الخاصّة للأمم المتّحدة في لبنان السفيرة يوانا فرونتيسكا من "عدم تشاؤمه، في ظل عوامل إيجابية بدأت تجول أخيراً في أفق لبنان، بموازاة غيوم الاقتراحات غير الدستورية التي تحوم حول الانتخابات الرئاسية والتي باتت إلى زوال".
وقد التزم الجميع الصمت إلى درجة غياب أي ردود فعل على الكلمة النارية التي ألقاها الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ابّان استقباله البطريرك الماروني بشارة الراعي في المختارة لا سيّما على ضوء توقّع وصول الموفد الفرنسي الوزير السابق جان إيف لودريان إلى بيروت مطلع الأسبوع المقبل. وتقول مصادر سياسية إنّ كلّ القوى السياسية حدّدت مواقفها استباقيّاً ولا شيء جديداً تضيفه في الواقع سوى في إطار المناكفات الجارية وهي حكماً ستنتظر ما سيحمله لودريان والذي سيكون خلاصة اجتماعات باريس ونيودلهي من أجل أن تبني على الشيء الجديد المقتضى. وذلك علماً أنّ سجالات الأسبوع الماضي انتهت إلى تلاقٍ متجدّد لمواقف القوى المسيحية بمن فيهم أخيراً "التيّار الوطني الحر" الذي تحفّظ بدوره على الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النوّاب نبيه بري ورفضه حزب القوّات اللبنانيّة وحزب الكتائب لاعتباره مخالفاً للدستور الذي ينصّ على الدعوة فقط لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية من دون شروط مسبقة.
إلّا أنّ هذا الصمت السياسي لم يفرض هدوءاً في المقابل على السّاحة الداخلية مع انفجار جديد للاشتباكات في مخيم عين الحلوة. وفيما يخشى أن ملف الاشتباكات بات جرحاً نازفاً له أهداف لا تتعلّق بالتنافس على السّلطة فحسب، فإنّ الانعكاسات الكارثية لهذه الاشتباكات على المخيّم كما على مدينة صيدا وجوارها اضطرّت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الاتّصال بالرّئيس الفلسطيني محمود عباس مشدّداً "على أولوية وقف الأعمال العسكرية والتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمعالجة التوترات القائمة".
وقال رئيس الحكومة: "إنّ ما يحصل لا يخدم على الإطلاق القضية الفلسطينية ويشكلإساءة بالغة إلى الدولة اللبنانية بشكل عام وخاصّة إلى مدينة صيدا التي تحتضن الأخوة الفلسطينيين، والمطلوب في المقابل أن يتعاطوا مع الدولة اللبنانية وفق قوانينها وأنظمتها والحفاظ على سلامة مواطنيها". فيما أصدرت قيادة الجيش بياناً أفادت فيه "أنّها تعمل على اتخاذ التدابير المناسبة والقيام بالاتصالات اللازمة لوقف هذه الاشتباكات التي تُعرّض حياة المواطنين الأبرياء للخطر، وتدعو جميع الأطراف المعنيّين في المخيم إلى وقف إطلاق النار حفاظًا على مصلحة أبنائهم وقضيتهم، وصوناً لأرواح السكّان في المناطق المجاورة". فيما أصدر رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة بياناً دعا فيه إلى وقف الاشتباكات في عين الحلوة فوراً.
وكانت تواصلت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة بين حركة "فتح" والمجموعات المسلحة متواصلة، ما أدّى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى ثلاثة، بينهم واحد من حركة "فتح" وآخر من "الشباب المسلم"، فيما قُتل مدني نتيجة رصاص طائش في منطقة الغازية المجاورة لمخيم عين الحلوة. وقد أُصيب العشرات بجروح داخل المخيم وخارجه نتيجة الرّصاص الطائش وانفجار القذائف الصاروخية، ولا سيّما في حسبة صيدا، فيما انفجرت قذيفة أخرى في منطقة سيروب في ضاحية صيدا الشرقيّة. وبعد الظهر ذكرت معلومات أنّ سفير فلسطين أشرف دبور عمل مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك على ”اتفاق حاسم على وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة".
وأعلنت الهيئة في بيان، أنّها انقسمت إلى وفدين دخلا إلى المخيّم، وفد توجّه إلى منطقة البركسات حيث عقد اجتماعاً مع حركة فتح وقيادة الأمن الوطني، وآخر توجّه إلى مقرّ عصبة الأنصار الإسلامية، حيث عقد اجتماعاً مع القوى الإسلامية، وتجري الاتّصالات بين الطرفين ومع باقي القوى لتثبيت وقف إطلاق النار ومنع أي خرق له".
وكذلك دخلت فصائل فلسطينية على خط وقف النار.
وسلّطت الأحداث الأمنية في مخيّم عين الحلوة الضوء على المخاوف الكبيرة التي كان أثارها قائد الجيش العماد جوزاف عون قبل يومين من مواجهة الأسوأ على الحدود اللبنانية السورية التي تشهد تدفّقاً للنازحين السوريين إلى لبنان على نحو بات يُثير قلقاً أمنيّاً فعليّاً وليس اجتماعيّاً أو اقتصاديّاً فحسب في وقت تتفكّك المؤسّسات اللبنانية. إذ باتت التساؤلات تكبر إزاء التدفّق الكبير للاجئين السوريين على خلفية الأزمة الاقتصادية في سوريا.
وفي هذا السياق تحدّثت معلومات ليلاً أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي أعطيا توجيهاتهما لبلدية صيدا بوقف العمل ببناء المخيم عند مدخل صيدا ابتداءً من صباح اليوم بعدما أثار ذلك مخاوف من خلفيّات توطينيّة لإقامة هذه الخيم. وبدأت تتصاعد أصوات محذّرة من هذا الاتجاه.
وهو ما أشار إليه المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان حيث توقّف بقلق أمام الهجرة غير الشرعية التي تتدفّق على لبنان عبر مسالك غير شرعية. ودعا المجلس إلى "وقف الاقتتال بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد في مخيّم عين الحلوة، مؤكّداً أنّ هذا الاقتتال يسيء للقضيّة الفلسطينيّة كما دعا إلى إنهاء الفراغ الرئاسي. على مستوى آخر، قرّر المجلس بإجماع الحاضرين تعديل مدّة ولاية مفتي الجمهورية حتى بلوغه سن السادسة والسبعين، كما قرّر تعديل مدّة ولاية مفتيي المناطق حتى بلوغهم سن الثانية والسبعين.