عادت الاشتباكات بين "فتح" والإسلاميين المتشدّدين إلى مخيّم عين الحلوة بعد توقّف شهر ونيّف، وما من إشارة إلى توقّفها قريباً، بالرغم من الهدنة الهشّة التي تمّ الاتفاق عليها، والتي تُخرق بشكل متكرّر، وذلك بسبب غياب الحلول السياسيّة الجذريّة.
إلى ذلك، ثمّة جملة من الأسئلة تُطرح: فما هي الأهداف الحقيقيّة لهذه المعارك؟ وما هي الحلول التي قد تنفّس الاحتقان؟ وماذا يُريد كلّ طرف؟ ومن أين تستمدّ الفصائل قوتها وسلاحها؟ وهل من أيدٍ خفيّة مرتبطة بـ"حزب الله" وحركة "حماس"؟ وهل يُمكن أن ينسحب الاشتباك على مخيمّات أخرى؟
سلاح نوعيّ... ما مصدره؟
في هذا السياق، يُشير مراقبون عالمون بواقع الحال في المخيّم إلى أن الإسلاميين المتشدّدين يدورون في فلك "حماس"، وثمّة معلومات وإشارات إلى أن الحركة تمدّهم بالسلاح النوعيّ، الذي لا يُمكن أن يتوافر لديهم من دون دعم خارجيّ، وبكميّات من الذخيرة تمكّنهم من القتال لأيّام طويلة. وحسب مصادر محليّة، فإنّ السلاح يُنقل بوساطة سيّارات إسعاف تابعة لجمعيّة محليّة تُدعى "الشفاء".
ويلفت مراقبون إلى نقطة مهمّة، ويقولون إنّ المعارك تدور في "حي التعمير" بشكل خاص، حيث يتمركز الإسلاميون وعناصر من "حماس". وفي محيط المنطقة ثمّة عناصر تابعة لـ"سرايا المقاومة"، مع العلم بأن لا معلومات مؤكّدة حول مشاركة "السرايا" في المعارك. لكن ثمّة معلومات مؤكّدة تُفيد بمشاركة متطرّفين إسلاميين كانوا في سوريا وآخرين لبنانيين.
أما عن علاقة "حزب الله" بالمعارك الحاصلة وموقفه منها، فيُشير مراقبون إلى أن "حزب الله" يتعامل بازدواجية. ففي حين يتحالف مع "حماس"، ويدعم ما يخدم مصالحها، ويُهاجم "فتح" من خلال إعلامه، ويرغب في تحجيم نفوذها في المخيّمات، يُبدي قلقه من تعاظم دور الحركات الإسلامية المتطرّفة نسبةً إلى أجنداتها الخارجيّة التي تُشكّل خطراً عليه.
مصادر حركة "فتح" في داخل مخيّم عين الحلوة تستبعد مشاركة "سرايا المقاومة" في الاشتباكات، لكنّها تؤكّد مشاركة لبنانيين في المعارك، وفي عملية اغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي، حيث كان بينهم 4 لبنانيين من مخلّفات المجموعات الإرهابية في طرابلس والضنية، وأحدهم هو ابن "أبو هريرة"، الذي كان ينتمي إلى مجموعة شاكر العبسي في نهر البارد، وقتل في شارع المئتين في طرابلس.
أما بالنسبة إلى السلاح المستخدم، فتكشف المصادر عن سلاح نوعيّ يستخدمه الإسلاميّون المتشدّدون. وهذا السّلاح لا يُمكن أن يتوافر لديهم لولا الدّعم الخارجيّ؛ والإشارات تتّجه نحو "حماس". ثم إن الإسلاميين يمتلكون كميات كبيرة من الذخائر تجعلهم يوازون "فتح"، ويتابعون القتال لأيّام وبزخم، مع العلم بأن "فتح" مدعومة من السلطة الفلسطينيّة.
وعن إمكانية حسم "فتح" المعارك في المخيّم، فإن الموضوع مرتبط بجملة من الاعتبارات، أولها سياسيّ معنيّ برفع الغطاء سياسياً عن الإسلاميين وإطلاق يد "فتح"، وثانياً تحضير الحركة عسكرياً لمعركة طويلة. وتُذكّر مصادر "فتح" بمعركة نهر البارد التي قادها الجيش، واستمرّت قرابة مئة يوم، وتؤكّد تقدّمها ميدانياً، ولكن بشكل محدود.
مصادر منظمة التحرير الفلسطينية لا تستبعد مشاركة "حزب الله" في المعارك بواسطة "سرايا المقاومة"، لكنها تقول إن لا دلائل ملموسة حول ذلك. لكن المصادر تلفت إلى مواقف قيادات مقرّبة من "حزب الله" كالشيخ ماهر حمّود الذي دعم الإسلاميين المتطرّفين، وهاجم "فتح"، وكإعلام "حزب الله" الذي شنّ هجوماً على الحركة أيضاً.
هل تحسم "فتح" المعركة؟
في حديث لـ"النهار"، تؤكّد المصادر قدرة "فتح" على حسم المعركة في المخيّم، من دون أن تحدّد فترة زمنية لفعل ذلك، وتقول إن "الحركة كانت تنوي مراراً إحكام سيطرتها على المخيّم. لكن الحكومة اللبنانية كانت تضغط على "فتح" للتوقف، ثم إن "حزب الله" يقوم بدور في ذلك أيضاً. لكن متى تحقق الغطاء السياسيّ للحركة فإنها مستعدّة للحسم".
وتتقاطع مصادر "فتح" و"منظمة التحرير" مع المراقبين، وجميعهم يتوقعون عودة الاشتباكات في غضون ساعات أو أيام قليلة، وانهيار الهدنة، لأنّها لا ترتكز على أسس سياسية ثابتة؛ فالشرط الأول لوقف إطلاق النار مرتبط بتسليم المطلوبين باغتيال اللواء العرموشي، وهذا ما لم يحصل. ويتخوّف مراقبون من انسحاب المشهد على مخيّمات أخرى، كالبرج الشمالي حيث لـ"حماس" حضور قويّ.
"مشروع عابر للحدود"
أما عن الأسباب السياسية خلف هذه المعارك، فيقول مراقبون إن "حماس" تُريد السيطرة على القرار في المخيّم بواسطة الإسلاميين الذين يدورون في فلكها، أو في أسوأ الأحوال خلق حالة توازن مع "فتح" المسيطرة حالياً، ثمّ إن "حماس" تُريد ضرب الأمن الوطني الفلسطيني لأنها تعتبره أداة بيد السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ولا ترتاح إليه.
ووفق المراقبين، فإن "فتح" تخوض معركة الحفاظ على الشرعية الفلسطينية في المخيّم، وفي الآن عينه تخوض معركة نيابة عن الجيش اللبناني الذي يُفضّل بقاء "فتح"، والقضاء على الإسلاميين المتشدّدين. وقد يكون ثمّة تسهيلات يقوم بها الجيش في هذا الصدد، بل قد يتدخّل أيضاً لمنع تكرار سيناريوهات سابقة حصلت في الضنية وعكّار مرتبطة بهؤلاء الإسلاميين.
لا ينفصل ما يحصل في عين الحلوة عمّا يحصل في فلسطين، وفي الضفة الغربية بشكل خاص، حيث تُحاول حركة "حماس" فرض أمر واقع جديد خلاصته حضورها بقوّة عديداً وعتاداً، وخوض المعارك المسلحّة، ومزاحمة القرار الفلسطيني الرسمي المتمثّل بالسلطة الفلسطينية، وهو مشروع مرتبط بوحدة الساحات الذي تُطبّقه إيران، وإحدى ساحاته لبنان.