فارغة من أيّ مضمون. هكذا يُمكن وصف زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الحالية إلى بيروت. أن يطرح أمام النواب معادلة "إمّا الحوار أو خطرٌ وجوديّ على لبنان"، فهذا يشير أولاً إلى عمق التعقيدات التي تواجهها مبادرته، ولو أنّه حاول احتذاء تحذير 1989 ومعادلة "الضاهر أو الفوضى". وثانياً، يُظهر، محاكاةً لدعوة الرئيس نبيه بري وتسويقاً لحوار الممانعة، وكأنّه - لا سمح الله - بات عضواً في كتلة "التنمية والتحرير"، وموفداً للرئيس برّي.
جولاته على القيادات، ولقاءاته مع النواب والمسؤولين، تضمّنت تركيزاً على أربع نقاط: الأولى، تسويقُ حوار - إن حصل ولو في الشكل- يشكّل انتصاراً لفريق الممانعة. الثانية، إغلاق أذنيه عن مطالب المعارضة، وحديثه عن أن "الرئيس المقبل لن يكون من الأسماء التي طرحها الأفرقاء، أي لا فرنجية ولا أزعور"، لن يطمئنها. الثالثة، إعطاء ضمانات وتعهدات بإجراء دورات متتالية، وبعدم تعطيل النصاب لانتخاب رئيس شرط انعقاد الحوار، علماً بأن الفريق الذي يتعهّد باسمه، تاريخُه حافلٌ بنقض التعهدات والاتفاقات. والنقطة الرابعة، الترويج لأن المملكة العربية السعودية مؤيّدة لهذا الحوار.
تعميم هذا المناخ يطرح سؤالاً إن كان الموفد الفرنسي يتقصّد الإيحاء بأن هناك تسوية وُضعت على نار حامية، وما إن كان الجانب السعودي مؤيّداً لهكذا حوارات فعلاً! وهو بحسب المعلومات، موقفه ثابت لجهة احترام الدستور واتفاق الطائف، ولعدم وصول رئيس يشكّل تحدياً لهذا الفريق أو ذاك. فموقف المملكة، أمس واليوم، على حاله، لجهة انتخاب رئيس من خارج الاصطفافات، لأنّ رئيساً كهذا يستطيع أن يؤمّن الوفاق بين اللبنانيين، والالتزام بوثيقة الوفاق الوطني، وبسقف بيان اللجنة الخماسية.
من هنا، وفيما تتوجّه الأنظار إلى ما سيصدر عن الاجتماع السنّي اليوم، فإنّ الاهتمام ينصبّ على كواليس المعارضة، وعلى إمكانية أن أن تطرأ تعديلات على موقفها. من هنا، تؤكّد "القوات اللبنانية" واستطراداً المعارضة، على موقفها الرافض لحوار برّي – "حزب الله"، ولا تبدّل في موقف "القوات" ولا المعارضة بمعزل عن أيّ تطوّر آخر أو أيّ موقف آخر.
ويرتكز هذا الموقف على الدستور الذي يقول بإجراء الانتخابات الرئاسية في البرلمان، في جلسة واحدة، وبدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس. وهذا يعني رسالةً واضحة وصريحة من كلّ أطراف المعارضة مفادها أن "تكريس عرف جديد من خلال تحويل الحوار إلى وسيلة إلزامية لانتخاب رئيس للجمهورية أمرٌ مرفوض رفضاً قاطعاً، وهذا الأمر لن يحصل ولن يتحقق؛ فحوارٌ كهذا خروج عن اتفاق الطائف".
وبالنسبة إلى "القوات"، "إن كان هناك من خطر وجوديّ على لبنان فسببه الممانعة بحدّ ذاتها، بمشروعها وممارساتها وعقيدتها. ومن أجل أن يتغلّب لبنان على هذا الخطر الوجوديّ، عليه أن يتخلّص من سياسات الممانعة ومشروعها. وما لم يتخلّص منها، فسيبقى في أزمة وجودية".
وتلفت "القوات" الانتباه لمن يحذّر من الخطر الوجودي بأنّ "الأزمة الوجودية على لبنان تتمثل أيضاً بعدم تطبيق الدستور وتكريس أعراف مخالفة له وإطاحة منطق الدولة لصالح مشروع الدويلة. وبالتالي، الخطر الوجوديّ متأتٍ من هنا. وأيّ مساهمة بالذهاب إلى حوارات أو إلى مواضيع مخالفة للدستور ستكون مساهمة في هذه الحرب الوجودية".
"القوات" لا تحاول فرض مشيئتها على الآخرين، وتقول: "من يُرِد الذهاب إلى الحوار فليذهب. نحن لا نمنع أحداً. لكن بما يعنينا، فلن نذهب إلى حوار يصوّر فيه الداعي إليه وكأنه انتصار لمشروع الممانعة، علماً بأنه داعٍ غير حياديّ، ولا يقف على مسافة واحدة من الأزمة، بل هو رأس حربة في تكريس رئاسة الجمهورية ضمن الخط الممانع وإبقاء لبنان ضمن حالة الانهيار".
وتضيف: "فليلتئم الحوار بمن حضر، و"منشدّ ع إيدن بالدعوة بمن حضر"، لكن على برّي وفريق الممانعة أن يتعهدوا بأنه إن انعقد هذا الحوار "بمن حضر"، فيجب الالتزام بالدّعوة إلى جلسة انتخابية واحدة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس الجمهورية. أمّا نحن فلا نريد أن نكون غطاء لمخالفة الدستور. فليشارك من يشارك، ونحن نشارك في الشق الثاني المتعلّق بالانتخاب".
"القوات" تجدّد التأكيد أن لا الرئيس بري، ولا لودريان، ولا غيرهما يستطيعون إجبارها أو إلزام المعارضة على ما هم يرفضونه. وفي ما خصّ الموقف السعودي، أو الموقف السنيّ وغيرها من القوى السياسية، فتؤكد "القوات" بما يعنيها: موقفنا غير قابل للتراجع ولا للنقاش".