النهار

"المحاسبة" يرفض مزايدة البريد: استهتار في إعداد دفتر الشروط و5 ملايين دولار ضرر متوقع على الخزينة العامة
المصدر: "النهار"
"المحاسبة" يرفض مزايدة البريد: استهتار في إعداد دفتر الشروط
و5 ملايين دولار ضرر متوقع على الخزينة العامة
ديوان المحاسبة.
A+   A-
لم يشذّ قرار ديوان المحاسبة الرافض لمزايدة أعمال تشغيل القطاع البريدي في لبنان، عن الكثير من قرارات سابقة تصدر عنه يرفض فيها مزايدات أو مناقصات أو تعاقدات تشوبها المخالفات القانونية وتنبعث منها روائح الفساد كالمعتاد.

ليس ما خلص اليه الديوان بمخالفة فحسب، أو عدم احترام مندرجات القانون العام، بل فضيحة مالية، أسوأ ما فيها ليس الهدر الكبير المتوقع للمال العام، بل الجرأة التي لا يزال، في زمن انكشاف عورات الدولة وإفلاسها، يملكها ممتهنو إقتناص الفرص والعقود، ومعهم داعموهم في الوسطين السياسي والإداري.

قررت الغرفة القضائية في ديوان المحاسبة برئاسة القاضي عبد الرضى ناصر والمستشارين محمد الحاج وجوزف الكسرواني عدم الموافقة على المزايدة العائدة لأعمال تشغيل القطاع البريدي في لبنان، وأوصى وزارة الاتصالات بوجوب الأخذ بالملاحظات، خصوصا لجهة ضرورة وضع دراسة تحليلية للمشاريع والصفقات المنوي تلزيمها، والتقيد بالمبادئ الواردة في المادة الأولى من قانون الشراء العام لاعتبارها من الانتظام القانوني العام، وصوغ دفاتر الشروط بطريقة واضحة موضوعية علمية خالية من الغموض والاخطاء على انواعها. كما أوصى باعتماد استراتيجية ثابتة عند اختيار المؤهلات المطلوبة بما يتناسب مع حجم المهام ونوعها والاعمال المطلوبة، ما يكفل تنفيذ الصفقات العمومية والمشاريع بالكفاية والجودة المطلوبتين، واعطاء مهل كافية للعارضين لتقديم عروضهم قياسا على نوعية واهمية وتعقيدات الصفقات والمشاريع المنوي تنفيذها، والعمل من دون ابطاء على اطلاق مزايدة جديدة تراعى فيها جميع الملاحظات والتوصيات المبينة اعلاه.

وإذ سأل الديوان عن مؤهلات الشركة الفائزة لتنفيذ الاعمال المطلوبة وتحقيق الاهداف المرجوة، أشار التقرير الى الاخطاء والتناقضات والاستهتار في إعداد دفتر الشروط، وسأل: "هل يبقى هكذا دفتر صالحا لتلزيم مرفق اقتصادي مهم ضمن مزايدة عالمية كمرفق البريد؟".

وكانت مزايدة تلزيم الخدمات والمنتجات البريدية، رست مرتين على العارض الوحيد، شركة "Merit invest - Colis Privé"، وهي تحالف شركتين، الأولى لبنانية والثانية فرنسية لديها رخصة توزيع بريد، وليس لديها مكاتب بريدية. التحالف فاز في جولة مزايدة الاولى التي ألغيت بناء على توصية هيئة الشراء العام، على خلفية عدم مطابقة العرض لدفتر الشروط. وفي الجولة الثانية عُدّل دفتر الشروط ليتناسب ومعايير الشركة، التي عادت وفازت بالمزايدة.
وبناء على نتائج المزايدة الثانية، لجأت شركة "غانا بوست" إلى قضاء العجلة في الشورى تطلب منع فض العروض، نظراً الى عدم جواز قِصر مدة التحضير التي حددتها وزارة الاتصالات بـ35 يوما، وهو ما اعتبرته الشركة وهيئة الشراء العام مدة غير كافية قياسا إلى صعوبة الشروط المطلوبة، والتي تستلزم 3 أشهر على الأقل لإعدادها.

وفي القرار الذي أصدره الديوان أنه ورد اليه كتاب وزير الاتصالات رقم 1/1990 تاریخ 9/8/2023 الذي يحيل بموجبه الملف المتعلق بالموضوع المشار اليه اعلاه وذلك لاجراء الرقابة الادارية المسبقة بشأنه عملاً بأحكام المادة /34/ من المرسوم الاشتراعي الرقم 83/82 وتعديلاته، ويستفاد من المستندات الموجودة في الملف الآتي:

- ان الموضوع المعروض متعلق بتلزيم اعمال تشغيل قطاع البريد لفترة تعاقدية مدتها تسعة اعوام. المزايدة الأولى جرت بتاريخ 16/2/2023، بعدما تم الاعلان عنها بتاريخ 18/10/2022 على الموقع الالكتروني لهيئة الشراء العام وحُددت مهلة تقديم العروض بثلاثة اشهر جرى تمديدها لاحقا بحيث اصبح آخر موعد لتقديم العروض عند الساعة التاسعة صباحا من تاريخ 16/2/2023 بدلا من الساعة العاشرة صباحا من تاريخ 24/1/2023.

وتبين من كتاب رئيس هيئة الشراء العام انه بتاريخ 16/2/2023 تقدمت شركة "غانا بوست" لتسليم عرضها للمزايدة الأولى، إلا ان الجهة الشارية لم تتسلم العرض لوروده بعد الساعة التاسعة وهي آخر مهلة لتقديم العروض، ولم تتسلم الجهة الشارية عروضاً اخرى.

وبعدما بينت الدراسة الحاضرة الضرر المتوقع على الخزينة العامة والبالغ نحو 5 ملايين دولار تقريبا نتيجة تغيير مخطط تقاسم الارباح وطريقة احتساب حصة الادارة، يُطرح التساؤل: ماذا كان الدافع وراء تغيير مخطط تقاسم الأرباح؟ ووفق أي دراسة؟ وهل قامت الادارة بإعداد دراسة تقارن فيها النتائج المالية لكل من هذين المخططين لاختيار الأفضل؟ كل هذه الأسئلة تحتاج الى اجابات واضحة من الادارة كي يبنى على الشيء مقتضاه.

مصادر متابعة لقرار ديوان المحاسبة أكدت أن المطلوب وضع دفتر شروط جديد والاعلان عن مزايدة جديدة بمعايير ومهل موضوعية، لا كما أتت في السابق حيث يشوبها الكثير من العيوب والمغالطات والاستنسابية، والاهم أن تعطى الشركات ومن بينها شركات دولية وعالمية فترة أطول للتحضير، خصوصا أنها مزايدة ذات طابع دولي.

وأشارت المصادر الى أن مزايدة البريد أجريت مرتين، وتم تعديل دفتر الشروط وعلامات النجاح في الدورة الثانية للمزايدة، وهنا تكمن الخطورة، ليصبح على قياس الشركة الفائزة، في حين أن وزارة الاتصالات أرسلت الى الديوان آخر مزايدة من دون ان تتضمن نتائج الاولى، لافتة الى أنه تم خرق مبدأ اساسي بالقانون يقضي بأنه قبل اي عملية تلزيم يجب اجراء دراسة تحليلية وهذا ما لم يطبّق في ملف المزايدة.


اقرأ في النهار Premium