النهار

مقتل إلياس الحصروني وسرديّة الأحداث المتنقّلة بين قرى الشريط الحدوديّ المسيحيّ والجيران
اسكندر خشاشو
المصدر: "النهار"
مقتل إلياس الحصروني وسرديّة الأحداث المتنقّلة بين قرى الشريط الحدوديّ المسيحيّ والجيران
إضاءة شموع لراحة نفس الياس الحصروني في عين الرمانة (حسن عسل).
A+   A-

عادت قرى الشريط الحدودي المسيحية إلى الواجهة من جديد بعد حوادث متنقّلة عدّة، في اليومين الماضيين، تلت حالة من التصعيد الشعبيّ والسياسيّ عقب اكتشاف أنّ وفاة القياديّ في "القوات اللبنانية" الياس الحصروني كانت اغتيالاً مدبّراً، وفق اتّهام رئيس حزب "القوات اللبنانية" الذي لم تنفه جهات رسمية بشكل واضح، يوضح ملابسات الحادثة والفيديوهات التي أظهرت عملية الخطف، ولم يبدّده التحقيق الذي لا يُعرف أين أصبح. 

كثُر الحديث في اليومين الماضيين عن حواجز أمنية قامت بها مجموعات حزبية بين عين إبل وبنت جبيل، عندما ادّعى شبّان من بنت جبيل أنّ مجموعة من عين إبل لحقت بهم إلى قرية رميش، وأقدمت على ضربهم والاعتداء عليهم وأخذ هوياتهم، وأعقبتها بنشر أسماء الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعيّ، لتليها إقامة شبّان حاجزاً بين بنت جبيل وعين إبل أوقف بعضاً من سكان البلدة أثناء توجّههم إلى وظائفهم وطلب هوياتهم، قبل أن ينسحبوا منه سريعاً، وبدا الحادث ردّاً على الحادث الأوّل.

يورد شبان ناشطون في القرى الحدودية أنّه "يجري تضخيم الأمور في الإعلام لمصالح سياسية وشعبوية، والتوتر حصل بعد قضية مقتل الحصروني، لأنّ الطريقة مؤذية وغريبة، وهذه القرى منذ ما بعد الانسحاب الإسرائيليّ لم تشهد أيّ عملية اغتيال فكيف اليوم، بعد زمن طويل من التآلف تأتي عملية محترفة بهذا الشكل أدّت إلى مخاوف من قبل الأهالي".

ويورد هؤلاء الناشطون أنّ "المدارس الإرسالية فتحت أبوابها في رميش وعين إبل، وأغلبية طلابها من القرى المجاورة بدأوا عامهم الدراسيّ بشكل طبيعي وعادي، والتعاطي بين السكان لم يتغيّر، والعلاقات الاجتماعية لم تتأثر ولن تتأثر حتّى بعد الحادث، والحوادث الصغيرة التي تحدث هنا وهناك ظرفية، وسيتمّ تخطّيها، وهي في الأصل كانت تحدث ويتمّ تطويقها، كالحادث الذي وقع منذ أشهر في رميش بين أحد الأهالي وجمعية أخضر بلا حدود".

يقول منسّق منطقة "بنت جبيل" في "القوات اللبنانية" جوزف سليمان، إنّ "حوادث اليومين الماضيين ليست موجهة حزبياً، وهي ربما قرارات عشوائية من بعض الشباب المتحمّس من هنا وهناك".

 

ويعيد التأكيد في حديثه لـ"النهار" أنّ "ما عكّر صفو العلاقات بين هذه القرى والجوار هو عملية اغتيال الحصروني وما تبعها من ترويج على وسائل التواصل تعطي حجّة للقتلة للإفلات من جريمتهم، في مقابل أنّ جريمة ضخمة حدثت في المنطقة شارك فيها أكثر من 10 إلى 12 شخصاً و5 آليات بطريقة محترفة لا يتقنها إلّا بعض الأحزاب المعروفة، وتمّ اغتيال شخص بقي أكثر من 20 سنة موظفاً في شركة كهرباء بنت جبيل وعمل على التآلف بين القرى، وهذا أمر من دون شكّ يطرح تساؤلات ومخاوف كبيرة".

ويكشف أنّ "الأحزاب والشخصيات في عين إبل اجتمعت أمس في البلدية ورفضت أيّ تعاط فردي أو شخصي مع أيّ حدث ولو استفزازياً، وتسليم المهمة للقوى الأمنية"، لافتاً إلى أنّ "بطء حركة القوى الأمنية دفع الجميع للتوجه إلى الجيش وأخذ وعد بالتحرّك السريع عند أيّ شبهة".

ويتحدّث سليمان عن استفزازات زادت في الأيام الأخيرة عبر دخول سيارات بزجاج داكن إلى القرى وفيها شبان يقومون بحركات غير أخلاقية، محذّراً من أنّ استمرارها سيفاقم الأوضاع.

ويشدّد على أنّ "العلاقات بين القرى المسيحية وجيرانها لا تزال جيدة، وهناك أكثر من 500 طالب في عين إبل ومثلهم في مدارس رميش وجامعة الكسليك"، آملاً أن تبقى الأمور تحت السيطرة. ويؤكّد ضرورة التوصّل إلى "حقيقة مقتل الحصروني ولكن ربما الأمر سيطول ولا يمكننا البقاء في حالة توتر".

من جهته، يرفض رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزّي الحديث عن أيّ إشكالات أو حواجز أو مظاهر مسلحة أو استفزازية بين القرى الجنوبية واضعاً الأمر ضمن ما يسمّيه "شائعات التواصل الاجتماعي".

وبعكس ما يظهر على وسائل الاجتماعي فالشبان الناشطون في القرى المسيحية أيضاً، لا يرغبون في أيّ توتير للأجواء بين القرى، وخصوصاً أنّ عدد سكان هذه القرى يقلّ عاماً بعد عام بسبب النزوح الداخلي أو الهجرة، وتصبح بعض القرى في الشتاء قرى أشباح باستثناء بلدة رميش التي يعيش فيها معظم سكانها صيفاً وشتاءً، وأيّ توتير بالطبع سيؤثّر على الحضور أكثر نظراً إلى الواقع الديموغرافي في المنطقة.

ويشددون على أنّ التفاعل الاجتماعي لم يتأثر أبداً، وخصوصاً في وجود المدارس في هذه القرى فيبني أبناء هذه قرى صداقات من الطفولة تتجاوز الانقسام السياسي.

يدرك "حزب الله" وجمهوره التوجه السياسي لأبناء هذه القرى، وهو جزء من التوجه السياسي العام في البلد، وأبناء هذه القرى هم نسيج من طوائفهم الموزعة الانتماءات على الأحزاب المسيحية بغضّ النظر عن غلبة هذا الحزب أو ذاك، ولا وجود سياسيّاً يُذكر لـ"حزب الله" في هذه القرى. وفي سردية الأوساط المقربة من الحزب أنّ "أبناء قرى عين إبل ورميش كانوا أوّل من يستقبل ويزفّ رفات مقاتلي "حزب الله" في عزّ الحرب السورية قبل الوصول إلى قراهم، وهذه السيرة نريد أن تعود قريباً".

وتؤكّد أوساط متابعة أنّ أنجع طريقة لعدم تفاقم أيّ خلافات وتطويقها وقطع الطريق على أيّ استثمار سياسي يكون بكشف حقيقة ما جرى مع الحصروني وإكمال التحقيقات بجدية، لأنّ ما تسرّب عن توقّف التحقيقات سيؤثر من دون شكّ، وسيخلق نوعاً من ردّات الفعل من الشباب المتحمّس، يمكن أن يؤدّي إلى ردود فعل مقابلة.

 

 

اقرأ في النهار Premium