ثمّة أمران واضحان وثابتان حتى الآن، بعد جولتين من الاشتباكات العنيفة والمدمرة، بين مسلّحي حركة فتح ومسلحي العناصر الإسلامية المتشددة في داخل مخيم عين الحلوة في صيدا.
الثابت الإيجابي الأول، على ضوء الجولة الثالثة التي قامت بها "النهار" أمس في داخل المخيم منذ اندلاع الاشتباكات، هو التزام وتقيّد جميع المسلحين بقرار وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه مساء يوم الجمعة في الـ15 من أيلول الفائت.
والثابت الإيجابي الثاني هو تعزيز وتفعيل مهمات ودور القوة الفلسطينية الم
شتركة، ورفدها بكوادر وعناصر من مختلف القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية، من حركة فتح بالدرحة الأولى، ثم من فصائل منظمة التحرير الفلسطينة: الجبهتين الشعبية والديموقراطة، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة النضال وحزب الشعب، وحركتَي حماس والجهاد الإسلامي، وعصبة الأنصار الإسلامية، وأنصار الله، والحركة الإسلامية المجاهدة؛ ويكثّف قائدها اللواء محمود العجوري لقاءاته بضبّاط وعناصر القوة تمهيداً لتنفيذ الخطة التي أوكلت إليها، والمتعلّقة بإقامة حواجز ونقاط مراقبه بين محاور الاقتتال وصولاً إلى الانتشار عند مداخل تجمع مدارس الأونروا بعد انسحاب المسلّحين منها، وكيفية توقيف المطلوبين؛ وهذا الأمر يبقى تحقيقه معقّداً، وبغاية الصعوبة.
اندلعت الجولة الأولى من الاشتباكات في 30 تموز الفائت، عقب اغتيال مسؤول قوات الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم اللواء محمد العرموشي (أبو أشرف) مع أربعة من مرافقيه، واستمرّت طوال خمسة أيامٍ وليالٍ. وتجدّدت الجولة الثانية مساء يوم الخميس في الـ7 من أيلول الجاري، واستمرت بعنف وضراوة أكثر من الأولى لغاية يوم الجمعة في الـ15 من الجاري، وذلك على خلفيّة عدم توقيف أو تسليم المطلوبين الثمانية بتهمة اغتيال العرموشي ومرافقيه، والذين أعلنت عن أسمائهم لجنة التحقيق الخاصة بالحادثة، وجميعهم ينتمون إلى جماعات من الشباب المسلم المتشدّدة، وبينهم لبنانيون من أتباع الشيخ أحمد الأسير، الذي لا يزال موقوفاً في سجن رومية منذ أحداث عبرا بين مناصريه والجيش اللبناني.
والتزم طرفا الاقتتال في المخيم بقرار تثبيت وقف إطلاق النار، نتيجةً للمساعي التي بذلها الرئيس نبيه بري مع الجهات الفلسطينية واللبنانية المسؤولة عن الوضع في المخيم وفي البلد بشكل عام، خصوصاً مع ممثلي حركتي فتح وحماس، عزام الأحمد وموسى أبو مرزوق، والتي جاءت تتويجاً للقاءات والاتصالات والجهود التي بذلتها أكثر من جهة فلسطينيّة ولبنانيّة، كانت دائماً تتوافق وتؤكّد على وقف إطلاق النار وضرورة تسليم المتّهمين بحادثة اغتيال العرموشي ومرافقيه ومقتل عبد فرهود من دون أن تلقى آذاناً صاغية.
مآسي وهواجس وفقدان ثقة
كثيرة هي الثوابت والمظاهر السلبيّة التي لا تزال تؤثر وتهيمن على مجمل مفاصل الحياة في المخيّم وما خلفته الاشتباكات، بدءاً من حالة الاستنفار والتأهّب العلنية والخفيّة لمسلّحي الطرفين على معظم المحاور التي شهدت أعنف الاشتباكات والقصف المدفعي وبقاء الدشم والسواتر مروراً بأعداد القتلى والجرحى، وأغلبيتهم من حركة فتح.
يتكشف حجم الدمار الكبير والخراب يوماً بعد يوم في العديد من المنازل والأبنية السكنية والمحالّ التجارية المتلاصقة والمكتظة في داخل أحياء وشوارع وأزقة المخيم، وفي شبكات الكهرباء والمياه وألواح الطاقة الشمسية ومنشآت الأونروا، خصوصاً التربوية، التي دُمّر واحترق بعضها بالكامل، أو تصدّع، في وقت قُدّر عدد النازحين (الأنروا) بنحو 4 آلاف نازح، يُقيمون في مراكز وتجمّعات بعضها تابع للأونروا في صيدا وسبلين، والبعض الآخر في منازل مستأجرة في صيدا وضواحيها، وفق ما عبّر أحمد القيم، الذي قال "منزلي لم يعد صالحاً للسكن بعد أن تصدّع بالكامل في حي حطين. همّي الوحيد مع زوجتي عدم ضياع عام دراسي على ابننا البالغ 14 عاماً، لذلك استأجرت منزلاً صغيراً في القرية، لأنني مقتنع بأن العام الدراسي في المخيم لن يبدأ في موعده، فمدارس الأونروا في المخيم بحاجة إلى إعادة بناء وترميم؛ هذا في حال عدم تجدّد الاشتباكات من جديد، وأغلبيّة النّاس فقدت ثقتها بكلّ المسؤولين".
بعد ترؤسه اجتماعاً مغلقاً لضباط القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية الذين سيشاركون في المهام الموكلة إلى القوة الفلسطينية المشتركة في أحد مقارّ حركة فتح في داخل المخيم (مقر القوة الرئيسي مقفل بسبب الأضرار التي لحقت به جراء تعرضه للقصف والرصاص في جولة الاشتباكات الأولى)، التقت "النهار" قائد القوة اللواء محمود العجوري "أبو غسان"، فقال: "بعد اتفاق القيادة السياسية وهيئة العمل الفلسطيني المشترك على تعزيز القوة الفلسطينية المشتركة، وتكليفها مراقبة تثبيت قرار وقف إطلاق النار والانتشار في الأماكن الساخنة التي حصلت فيها الاشتباكات وصولاً إلى توقيف المطلوبين بحادثة اغتيال اللواء أبو أشرف العرموشي ومرافقيه الأربعة ومقتل عبد فرهود، جرى اليوم عقد هذا الاجتماع مع الضباط الذين فرزتهم القوى والفصائل الفلسطينية في المخيم لتعزيز مهامّ القوة، وجرى البحث في وضع خطة للانتشار في داخل المخيم بهدف تثبيت قرار وقف إطلاق النار وإعادة الأمن والاستقرار إلى المخيم وجواره". وأكّد العجوري أنّ خطّة الانتشار ستتمّ على مراحل، وستبدأ خلال الـ48 ساعة المقبلة، في 3 نقاط أو أماكن هي الرأس الأحمر والطيري مع نقطة البراق؛ والخطوة الثانية ستتم بالتزامن مع انسحاب كلّ المسلّحين من مدارس الأونروا، وستنتشر عناصر القوة عند أبواب المدارس وليس في داخلها حتى تتمكّن وكالة الأونروا من تسلّمها وإعادة إصلاح وترميم الأضرار التي لحقت بها. وأمّا الخطوة الثالثة فستكون في حي حطين، حارة السينما، في حال وجدنا ضرورة لوضع نقطة لمنع الاحتكاك بين المسلّحين.
وكشف العجوري لـ"النهار" أن عدد ضباط وعناصر القوة المشتركة بعد تعزيزها بلغ 165 ضابطاً وعنصراً من كلّ الأطراف، وأن جميع القوى والفصائل أعربت عن استعداها لزيادة العدد عند الحاجة وإذا اقتضى الأمر.
موضوع توقيف المطلوبين
وحول توقيف المطلوبين بحادثة الاغتيال، أكد العجوري أن هذا الملف مفتوح، ومعالجته ستتم إما بالحوار والتفاوض وإما بالعمل العسكري. وهذا الأمر تقرره القيادة السياسية وهيئة العمل الفلسطيني المشترك، موضحاً أنه لمس من جميع الأطراف كل إيجابية لمنع عودة الاشتباكات ونزع فتيل التفجير من جديد، ومؤكّداً أن من حق الناس والأهالي أن يخافوا على حياتهم وحياة أولادهم، لأن المسلحين لا يزالون في الشوارع وفي داخل مواقعهم، قائلاً: "حتى الآن لا أستطيع دعوة الناس الذين نزحوا إلى العودة قبل إزالة المظاهر المسلّحة، وقبل تأكّدهم من وجود خطوات إيجابية في عملية انتشار القوة المشتركة وتوقيف المطلوبين وتسليمهم إلى القضاء اللبناني لمحاكمتهم ومعاقبة كلّ من تثبت مشاركته في حادثة اغتيال العرموشي ومرافقيه الأربعة عن سابق تصوّر وتصميم".
واستناداً إلى بعض المعلومات والمعطيات التي توفّرت لـ"النهار" من أكثر من مصدر مسؤول، يُمكن التأكيد أن لا مهلة زمنية محدّدة في موضوع توقيف أو تسليم المطلوبين، خلافاً لما صرّح به عضو اللجنة المركزية، وعضو اللجنة التنفيذية في حركة فتح، والمشرف على الساحة اللبنانية عزام الأحمد، قبل مغادرته بيروت إلى عمان، وتالياً لا عودة قريبة لتجدّد الاشتباكات بالأسلوب والطريقة العنيفة التي حصلت فيها خلال جولتي الاقتتال، وذلك لأكثر من سبب سياسيّ وأمني، وبسبب تلمّس جميع المسؤولين الفلسطينيين واللبنانيين المخاطر المحدقة التي يمكن أن تتولّد وتتوسّع في حال تجدّد الاشتباكات، إلا أنّ الحصار والخناق سيبقيان حول محيط ومداخل "حي الطوارئ" حيث يتحصّن الإسلاميون المتشدّدون.
ويُرجّح وجود المطلوبين في داخله، وأن هناك أكثر من خطة أو سيناريو لدى الأطراف الفلسطينية لمعالجة مشكلة المطلوبين، تتراوح بين إقناع البعض بتسليم أنفسهم طوعاً، أو بعمل أمني محدود، قد يؤدي إلى مقتل بعضهم، أو عبر تهريبهم أو هروب بعضهم ليلاً من المخيم إلى خارج المنطقة، والبعض الآخر يبقى متخفّياً وغائباً عن أنظار الجميع.
تصوير الزميل أحمد منتش
قائد القوة الفلسطينية المشتركة في مخيم عين الحلوة اللواء محمود العجوري "ابو غسان العجوري"
العجوري يترأس اجتماعاً لضباط القوة المشتركة في أحد مقار حركة فتح في المخيم.
مقر القوة المشتركة في المخيم مقفلاً بسبب تعرضه للقصف والرصاص خلال الاشتباكات.
دشم وسواتر لا تزال قائمة في محور الاشتباكات بين الطوارئ ومحلة التعمير التحتاني وبستان اليهودي (بستان القدس) وخط السكة.
أحد محاور الاشتباكات في محطة جلول، أضرار كبيرة وجسيمة.
عودة خجولة للحركة والحياة في الشارع التحتاني، رغم من عدم تعرضه للقصف.
النفايات لا تزال تتكدس على جانبي الطرق علماً لأن الأنروا بدأت بنقلها من أماكن المكبات، وشخص يبحث عن بعض المواد من البلاستيك والمعادن لبيعها.