همس سيترفع صوته في الآن القريب، قلق من انفجار أمني على صعيد النازحين السوريين "غير النازحين". يتصدّر هذا الهاجس لائحة مخاوف اللبنانيين، مع انتشار معلومات وأخبار مفادها تزايد أعداد السوريين في المناطق بشكل كبير حتى باتت الأرقام تفوق عدد السكّان اللبنانيين من جهة، وامتلاك هؤلاء النازحين كميات من السلاح والذخيرة، علماً أنّهم قد لا يكونوا فعلاً نازحين.
في الأسابيع القليلة الماضية، ارتفعت وتيرة دخول النازحين السوريين إلى لبنان بشكل كبير و"مخيف"، ما رسم علامات استفهام كثيرة حول النوايا المبيّتة وعلاقة النظام السوري، لأن ثمّة معلومات تتحدّث عن تقصّد إرساله مواطنيه إلى لبنان لسببين، الأول وهو التخفيف من عبئهم الاقتصادي على كاهله، والثاني لتحريكهم بهدف نشر الفوضى أمنياً لتصفية حسابات سياسية.
إن المشهد ليس عادياً، لأن أحداثاً أمنيةً حصلت في الأسابيع الأخيرة ترفع من منسوب القلق، منها توقيف سيارة تقل سوريين مسلّحين، وأخرى تتحدّث عن دخول إسلاميين متطرّفين إلى لبنان، وإلى المخيمات الفلسطينية ومشاركتهم في أحداث عين الحلوة بشكل خاص، ما يُشير إلى أن لبنان على فوهة بركان أمني خطير.
الجو الأمني يترافق مع جو سياسي اجتماعي غير مُريح أيضاً، فالحملات ضد النازحين السوريين تتأجّج والدعوات لإعادتهم إلى سوريا أو لفتح البحر أمامهم نحو أوروبا متواصلة، ونسبة الاحتقان ترتفع بين اللبنانيين والسوريين، وعلى المقلب الآخر، فإن مراقبين يتحدثون عن رغبة بشار الأسد بالعودة إلى لبنان أمنياً ومخابراتياً من خلال هؤلاء النازحين، وبالتالي فإن السلبيات تتفاقم.
اختراق للمناطق بزي ديني
بعض البلديات بدأ يتحرّك لتدارك الوضع في ظل غياب الحلول المركزية، وذلك من خلال حملات لجمع المعلومات عن النازحين، وتسيير دوريات أمنية للتأكّد من السيطرة على الوضع، وهذا ما كشفته مصادر بلدية في منطقة جبلية التي ستتخذ إجراءات أمنية بدءاً من الأسبوع المقبل، تقوم على توزيع استبيانات لمعرفة تفاصيل كل نازح وخلفياته السياسية، بالإضافة إلى دوريات وحواجز.
وفي حديث لـ"النهار"، تُشير المصادر إلى أن "عدد النازحين ارتفع من 2,200 إلى 4,800 نازح في البلدة بغضون أشهر قليلة، مقابل 20,000 مواطن، وتُحاول البلدية جمع معلومات عنهم، لأن ثمّة حركة مشبوهة مع توافد أعداد كبيرة، بعضهم يحمل أسماءً وهمية ويرتدي ملابس دينية، وقد ضُبطت كميات من السلاح بحوزة عددٍ منهم، ما دفع البلدية إلى التحرّك بشكل سريع".
وعن تفاصيل الإجراءات التي ستتخذها البلدية، تقول المصادر إن "ورقة استبيان ستُوزّع على كافة النازحين لمعرفة تفاصيل عنهم، بينها الانتماء السياسي وصلاتهم بالنظام السوري، وسيُمنع السوريون من التجوّل بعد الساعة السابعة مساءً بشكل تام، وستُحجز كل آلية تابعة لهم لا تحمل أوراقاً ثبوتية تؤكّد ملكيتها لهم، وسينتشر عناصر شرطة البلدية ويقيمون الحواجز والدوريات".
فوضى أمنية... واشتباك ومحو حدود!
الخبير العسكري والباحث في الشؤون الاستراتيجية رياض قهوجي يُحذّر من فوضى أمنية على المدى القريب، وسيناريوهات دموية قد تحصل على المدى البعيد، ويلفت إلى أن مجموعات كبيرة من النازحين دخلت إلى لبنان، ومعظمها ينتمي إلى فئة الشباب التي خدمت عسكرياً في سوريا، والمشكلة تكمن في عدم رصدهم ومعرفة تفاصيل إقامتهم في لبنان.
في حديث لـ"النهار"، يُشدّد على ضرورة معرفة كافة التفاصيل عن هؤلاء النازحين لمعرفة مخططاتهم، وعلى سبيل المثال، من الضروري معرفة ما إذا كانوا جميعهم ينتمون إلى مناطق محدّدة في سوريا، وما إذا كانوا جميعهم خدموا في ألوية وقطاعات محدّدة في الجيش السوري، وأين يقطنون اليوم في لبنان وما هي خلفياتهم الفكرية والسياسية.
عن دخول مسلّحين وانتشار السلاح في أوساط النازحين، يقول قهوجي إن دخول السوريين مسلّحين إلى لبنان ليس ضرورة، فالسلاح موجود وبكميات كبيرة، "وما في أكثر من تجّار السلاح بلبنان"، وشبكاتهم وعلاقاتهم تخوّلهم الحصول على السلاح والذخائر التي يحتاجونها، خصوصاً وأن التقارير الأمنية كشفت العثور على كميات من السلاح داخل بعض المخيّمات.
ويُضيف قهوجي: "لا يُمكن استبعاد دور المخابرات السورية في نشر الفوضى، وبظل وجود مليوني نازح، فمن الطبيعي الاستنتاج بأن بعضهم يُشكّل امتداداً للمخابرات السورية ويعمل إمّا لجمع المعلومات أو تنفيذ المشاريع الأمنية"، مُذكّراً بميشال سماحة وتفجير مسجدي التقوى والسلام، "وثمة أدلّة عديدة حول استمرار نشاط المخابرات السورية".
وبرأي قهوجي، فإن "لبنان يتجه نحو المزيد من الفوضى في حال لم يتم التعامل مع الملف بشكل راديكالي حاسم وسريع، وعلى المدى المتوسط والبعيد، قد تواجه البلاد سيناريو 1975 حينما تقاتل اللبنانيون مع الفلسطينيين، لكن تجدر الإشارة إلى أن أعداد الفلسطينيين كانت ضئيلة مقارنةً بأعداد اللبنانيين، فيما عدد النازحين يفوق عدد اللبنانيين في مناطق عدّة".
ويُحذّر قهوجي من أن "لبنان قد يشهد اشتباكات، لكن الأخطر يكمن في ربط الحرب السورية بالنزاع في لبنان في حال اندلاع المعارك، لأن عندها الجيش السوري سيتدخّل ما سيؤدي إلى محو الحدود بين لبنان وسوريا وإعادة رسم الخرائط بناء على توزيعات ديموغرافية جديدة، فتضمحل الهوية اللبنانية أكثر ممّا هو الحال اليوم".
ثمّة معطيات مقلقة تدعو لليقظة والانتباه لأن ما يحصل قد يحمل تداعيات دموية على المديين المتوسّط والبعيد، خصوصاً وأن النظام السوري عاد لينشط أمنياً، وبعض المراقبين يعتبرون أن لبشار الأسد هدف في لبنان وهو تصفية حسابات مع ساسة وشعب اتخذوا مواقف معارضة له وداعمة للشعب السوري طيلة فترة الحرب، وقد يرغب الأسد باستعادة قبضته الأمنية في لبنان، أو قلب الطاولة.