جورج كلّاس*
مَقام النبالة في مجلس حكّام "النهار".
قبل أن يفطم قلمه عن صناعة الحقيقة، كان الياس الديري "يزيّن" زاويته في "النهار" بحلاوات خبريّاته العسلية وأفكاره الإبداعية الممهورة بتوقيعه الجميل، والمروّسة بعبارات احترافية تنطبع بمهابته العابسة، تفرض على القارئ طقوسيّات خاصّة، وأن يتهيّب ويتحضّر لتناولها قراءةً وفهماً من العنوان الذي كان يتفنّن في صناعته وتنميقه واختصاره إلى آخر قفلة في المقال الذي كان يشغل بال المتوجّسين من كلامه والمزروعة المسلّات تحت إبطهم، وينشغل به المتذوّقون بالاستمتاع بمشهيّات أطباقه اللذَّة وأفكاره الفذّة، والمستمتعون بطعم الحرّية النظيفة، غير المغسولة أخبارها ولا المعسول كلامها.
كان سؤال المدينة، ماذا كتب زيّان في "النهار" اليوم؟ مَنْ لطش وعمّن طنّش وإلى متى؟ وكأنّ الناس العطاش إلى الخبر الجريء والحقيقة البكر كانوا ينتظرون مواقفه ولفظيات حكمه باسم القارئ، على المضلّلين والضالّين والفاسدين والمفسدين، ليرتاحوا إلى أنّ الحاكم لن يتهاون بحقّ، ويطمئنّوا إلى أنّ قلم "زيّان" يوفّر لهم الأمن الصحافي بعد أن قلّ الرجاء بملح السلطة.
من كان يلج مقام الياس الديري ليستخبر ويستفهم ليفهم، يدرك أيّ دائرة معارف لغوية كان يتفنّن باحتراف تقنياتها وتوليد عباراتها لإدخالها طوعاً إلى قاموس المصطلحات الصحافية ذات الحياة، فتشكّلتْ لنا من ذلك إضمامة مفردات، انتقاها من سلوكيّاتنا السياسية ويوميّاتنا الشعبية، بحلاوتها ومرارتها ليزيّن بها كتاباته ذات النكهة، ويدمغها بخاتم "النهار"، فرادة تعبير وجرأة مواقف وشهادة للحقّ.
* وزير الشباب والرياضة