النهار

الحملة الشرسة على الحرّيات وصلت إلى القضاة... السلطة تدير "الثورة المضادّة"
ديانا سكيني
المصدر: "النهار"
الحملة الشرسة على الحرّيات وصلت إلى القضاة... السلطة تدير "الثورة المضادّة"
تحرّك مُطالب بالإصلاح القضائي أمام قصر العدل (أرشيفية).
A+   A-
في الوقت الضائع المديد الذي يشهد على استعصاء الحلّ اللبناني لملء الفراغات الكثيرة في السلطة والانتظام المؤسّساتي، تجد بعض مراكز "تصريف الأعمال" ضالّتها في التضييق الممنهج على الحرّيات، وعلى فئة "إصلاحية" يسود ظنّ أنها تشهد انتكاسة بعد إخفاقات انتفاضة تشرين وما أنجبته، بما يشبه "الثورة المضادّة" التي تقوم بها السلطة الحالية.
 
بعد "الانتصار" الذي حققته نقابة المحامين في بيروت على المحامين المتمسكين بحقهم في التعبير الإعلامي في قضايا الشأن العام من دون الحاجة الى أذونات، وبالتالي ممارسة دورهم كمواطنين تغييريين الى جانب مهنتهم، فتح وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري ملف "نادي القضاة" وجمع كل البيانات التي أصدرها ورقياً، وفي قرص مدمج، وأمر هيئة التفتيش بالاستماع الى ممثلين عن هيئته الإدارية.
 
ومعروف أن النادي الذي أُسّس في عام 2018، يؤمن بحق القاضي في المساهمة من موقعه كمواطن في التعبير عن قضايا الشأن العام، وفي مقدمتها تحقيق استقلالية القضاء. وهنا كان بعض الجسم القضائي الداخلي ينتفض على هذه المجموعة "الإصلاحية"، وفي مقدمته مجلس القضاء الأعلى الذي قدّم منذ نشأة النادي أكثر من مطالعة تفيد بعدم قانونية الأخير لتعارض مهامه مع ما أنيط بالمجلس من أدوار. وهنا يُتناسى أن آليّة تعيين المجلس الأعلى للقضاء لا تتماشى تماماً مع منطق الاستقلالية التي يُنادى بها.

في مقاربة أحد المعنيين، أن خطوة خوري لا تتعلق حصراً بالبيان الأخير الصادر عن نادي القضاة والمتعلق بقرار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت حبيب رزق الله تكليف القاضي وائل صادق تولّي مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت لملء الشغور في المركز. ووجد النادي أن القرار المذكور لا يراعي الأقدمية والدرجة القضائية في حالات شغور مراكز قضائية.
 
ويرى المصدر المعني أن تجهيز خوري ملفاً شاملاً عن بيانات النادي يبيّت قراراً سياسياً بالإجهاز على دور النادي الذي لم تستسغه رؤوس الجسم القضائي في السنوات الماضية.
 
 
ويُذكر أن النادي هو أول تجربة عملية لنادي قضاة في لبنان، بعد تجربة "حلقة الدراسات القضائية" المقتضبة في أواخر ستينيات القرن الماضي.
أقام النادي ندوات علنية، وكان من أوائل النوى المجتمعية الداعمة لانتفاضة 17 تشرين، رافعاً شعار تحقيق استقلالية القضاء، لما للفصل بين السياسي والقضائي من أثر في تحقيق الإصلاح المبتغى.
 
ومع "نهبة العصر" التي تعرّض لها المودعون في لبنان، كانت له دعوات في التحقيق بالجرائم المالية، وشُهد لقضاة منضمّين إليه إصدار أحكام تنحاز الى الناس.
الفقه الذي ينطلق منه النادي، ينهل من حق التجمّع الذي تكفله المواثيق الدولية، وقد انضمّ الى تجمّعات قضائية دولية وعربية.
 
أمّا موجب التحفّظ فلا ينطبق سوى على الملفّ القضائي الذي يعالجه القاضي، ولا شأن له بالملفات الوطنية والقضايا العامة.
 
ما يتعرّض له النادي أثار الريبة لدى قضاة غير منضوين في النادي، وفق الأجواء المنقولة. وبالفعل بدا لافتاً أن ينصبّ التركيز على النيل من النادي بدل توجيه الجهود نحو مكافحة الفساد الذي يتسلّل الى قصور العدل، وبدل تأمين الخدمات البديهية فيها من بنى تحتية ومياه وكهرباء وقرطاسية!
 
النائب والقاضي السابق جورج عقيص يرى في حديث لـ"النهار" أن "هذه الحكومة هي من الأسوأ على مستوى الحريات من خلال ممارسات بعض الوزراء"، مذكراً وزير العدل الحالي بأنه "قاضٍ وكان مشاركاً فاعلاً في حلقات نقاشية، وبدا طليعياً في آرائه، فما الذي تبدّل حين أصبح وزيراً؟".
 
وينسحب التساؤل على رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود الذي يملك "تاريخاً من النضال القضائي، فكيف يقبل التعرّض لنادي القضاة في عهده؟".
لم يهضم كثيرون النادي حين أبعد عنه مسألة الانتماءات المناطقية، وركز على العصب الشاب. ويشهد عقيص لتجربته في السياق، مع ترؤسه لجنة إصلاحات قضائية يحضرها ممثل من النادي يقدّم دائماً أوراقاً علمية ودراسات ممنهجة مهنية.
 
وفي رأيه، إن "حرية تعبير القاضي تزعج كثيرين، علماً بأنها يجب أن تريح الجسم القضائي، فالقاضي الذي يوصف بأنه نصف إله لا يمكن تجريده من حقوقه كمواطن".
 
وراعى مشروع قانون استقلالية السلطة القضائية حرية حق التجمع للقضاة، ومن شأن إقراره وضع حد للجدل الدائر، علماً بأنه لا ينبغي النظر إلى نادي القضاء كأنه "لواء ثوري داخل الجسم القضائي"، وفق عقيص الذي يبدي تضامنه مع النادي، داعياً وزير العدل الى عدم التركيز على قمعه.

ويبقى أن "السلطة الحالية تقوم بالثورة المضادة على الثورة التي انتزعت مساحة كبيرة في التعبير وفتح الملفات"، مستغلة "فشل التجربة النيابية التي لم تخلق وهجاً رغم جدّية عدد من النواب التغييريين". ويخلص القاضي السابق الى أن "الدولة تدار اليوم بعقل بوليسي لشن الثورة المضادة في كل الميادين".

بعد ما شهدناه السبت الفائت من شيطنة ناشطين سلميين والانقضاض عليهم وضربهم في شوارع بيروت على مرأى من الأمن والعدسات، لا يستبعد عقيص أن يُتهم نادي القضاة بالترويج للمثلية لتسهيل الانقضاض عليه! إنه البعبع "التراند" لتسهيل القمع!

[email protected]
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium