مستوطنة إسرائيلية قُبالة سهل الخيام (نبيل اسماعيل).
أثارت عملية الاختراق التي قامت بها مجموعة من سرايا القدس الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي" في الجنوب، وتبني "حماس" إطلاق صواريخ من القليلة اليوم، المخاوف من تحويل الحدود اللبنانية الى ساحة عمليات للفسلطينيين وبالتالي زج لبنان في المعركة الدائرة في غزة.
مشهد فتح الحدود أمام عمليات عسكرية فلسطينية يذكّر اللبنانيين بتاريخ يعود الى أوائل السبعينيات حين وقّع لبنان على اتفاق القاهرة وفيه سماح السلطة اللبنانية للفسطينيين بالقيام بعمليات على إسرائيل انطلاقاً من الحدود اللبنانية، وهو ما عُرف بمرحلة "فتح لاند"، وجرّ الويلات على لبنان.
وبعد انكفاء الفلسطينيين الى المخيّمات والانسحاب الإسرائيلي وتسلم "حزب الله" زمام الأمور بشكل كامل، غابت العمليات الفلسطينية من لبنان، وإن حدثت بعض الخروقات البسيطة في فترات متباعدة زمنياً كإطلاق صاروخ من هنا أو من هناك يسقط أغلبها في الأراضي اللبنانية وهي صواريخ بدائية.
ولكن ما أثار المخاوف من جديد هو ما أعلن قبل أشهر قليلة عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة لقوى المقاومة، تنسّق العمليات "المقاومة" في ما بينها، وأتت بعد ساعات من لقاء جمع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.
ووفق ما سُرّب، إن هذه الغرفة سعى بتأسيسها قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني إسماعيل قاآني خلال زيارة قام بها للبنان، وتضمّ ضبّاطاً من "حزب الله" والحرس الثوري وفصائل فلسطينية متحالفة مع المحور كالجهاد الإسلامي وحماس تنسّق كافة العمليات العسكرية التي تجري.
وسبق هذا الإعلان إطلاق دفعة من الصواريخ على إسرائيل تبنّتها حركة "حماس" وهو ما استدعى رداً إسرائيلياً محدوداً، وألحق بتهديدات مباشرة باستهداف قادة "حماس" في لبنان، لتعود فجأة من بعدها وتفتح معارك طويلة في مخيم عين الحلوة حرّكت سكون المخيمات وخصوصاً الأكبر منها، في محاولة لتغيير موازين السيطرة داخل المخيّم، وكأن هناك أمراً ما يُحضر.
وبالفعل أكد رئيس المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة يحيى السنوار أن إطلاق صواريخ من لبنان بالإضافة الى طائرة مسيّرة أسقطها الإسرائيليون، كان بالتنسيق مع "حزب الله" والمقاومة في غزة.
وأمس أعلن عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وممثلها في لبنان إحسان عطايا لـ"النهار" أن العمليات العسكرية ضمن معركة "طوفان الأقصى" لن تتوقف، "ما دامت هناك إمكانية للوصول إلى فلسطين المحتلة انطلاقاً من الحدود اللبنانية".
وبما أن الحدود اللبنانية وخصوصاً في منطقة الجنوب تحت سيطرة محكمة لـ"حزب الله"، فيعدّ هو الآمر الناهي في هذا ولا أحد غيره يسمح أو لا يسمح بأي عملية، برزت تخوّفات كبيرة من توجيه رسائل معينة أو فتح الحدود بما يعيد "فتح لاند"، بحيث لا يمكن التصديق أن "الجهاد" تتحرّك منفردةً من دون علم أو تنسيق مع الحزب وهو شبيه بـ"غضب الأهالي" ضد دوريات "اليونيفيل" الذي يكون "غبّ الطلب" والذي يبدو أن الإسرائيلي فهمه فردّ على "حزب الله" بقصف أحد أبراج مراقبته ولم يقصف المخيمات الفلسطينية ومراكز الجهاد.
هذا الجو لا يؤيده مطلعون يؤكدون أن الظروف اليوم مختلفة عن سبعينيات القرن الماضي، لكنهم يجمعون على أن الحدود تحت السيطرة الكاملة لـ"حزب الله" وأن قراراً كقرار فتح جبهة بحاجة الى تغطية إيرانية.
وفي هذا الإطار يرى النائب السابق فارس سعيد أن قرار الحرب أو فتح الجبهة في لبنان هو قرار إيراني، وهو مستبعد حتى اللحظة، فلا إيران مقتنعة بالدخول في الحرب ولا أميركا تؤيّد فتح حرب بالواسطة مع إيران.
وعن تحويل الجنوب الى "فتح لاند" جديد بعد العمليات الأخيرة للفصائل الفلسطينية يرى سعيد في حديث لـ"النهار"، "أن الأمر غير قابل للتنفيذ، وهناك احتيال يجري في هذه الأوقات، ولو أرادت إيران الحرب لفتحت الجبهة من دون احتيال وبطريقة مباشرة".
ويضيف: "يتحجّجون بقواعد اشتباك، وهو غير منطقي، فأيّ قواعد اشتباك بين عدوّين؟"، مشيراً الى أن "ما يجري من عمليات في الجنوب حتى الساعة هو من أجل عدم الدخول في الحرب".
ويختم: "كله اليوم يعتمد على الردّ الإسرائيلي في غزة، فإذا بالغت إسرائيل في ردودها وذهبت بعيداً يمكن في حينها أن تُفتح جبهات متعددة عليها وحينها يدخل "حزب الله" من دون واسطة في هذه المواجهة".
ما قاله سعيد يؤيّده فيه النائب السابق العميد وهبة قاطيشا الذي يؤكد عدم إمكانية عودة ما كان يُعرف بـ"فتح لاند"، مشيراً الى أنه "في المرة السابقة كان للفصائل الفلسطينة دعم شعبي في لبنان، وتمتّعت بدعم سياسي هائل أدى الى فتح الجنوب أمام العمليات وهذا غير متوفر في أيامنا هذه بل عكس ذلك فليس هناك أي احتضان لهذا الأمر".
ويقول لـ"النهار": "ما يجري في الجنوب يمكن وضعه في إطار "رفع العتب" أو التضامن مع غزة لا أكثر ولا أقل ولن يذهب الى مكان آخر وسيكون محدوداً ولن يتطوّر".
ويرى أن في تنصّل إيران من مسؤوليتها عما جرى في غزة رسالةً واضحة بأنها لن تشارك في جبهات أخرى وخصوصاً أن فتح جبهة لبنان بات معروفاً أنه يأتي بقرار إيراني مباشر.
أما الخبير العسكري العميد المتقاعد خليل حلو فيرى أنه بوجود "حزب الله" في الجنوب لن يحدث شيء إلّا برضاه.
وذكّر الحلو في حديث لـ"النهار" بغرفة العمليات المشتركة التي يديرها الحرس الثوري الإيراني وهي تنسق العمليات كافة في ما بينها، وأيّ أمر في الجنوب اللبناني سيكون برعاية وحفظ هذه الغرفة".
ويرى أنه حتى لو كان إطلاق الصواريخ من دون موافقة صريحة من "حزب الله"، فإن من المستحيل أن يحدث من دون علمه و بـ"قبّة باط" منه.