النهار

هل يكرّس "حزب الله" معادلة "إمّا فرنجية وإمّا الفوضى"؟
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
هل يكرّس "حزب الله" معادلة "إمّا فرنجية وإمّا الفوضى"؟
تعبيرية.
A+   A-
تشي المواقف المستقاة من فريق "الورقة البيضاء" في الجلسات الرئاسية أنّ "حزب الله"، على غرار العام 2014، يسير بالاستحقاق الرئاسي نحو الفراغ الطويل. والتسريبات الإعلامية الصادرة عنه، تلوّح باستعادة مرحلة 2014، "إما ميشال عون أو الفوضى"، بمعادلة مماثلة "إما سليمان فرنجية أو الفوضى".
 
هذه المعادلة تعيد الذاكرة إلى العام 1988، عندما طرح الأميركيون معادلتهم الشهيرة "إما مخايل الضاهر أو الفوضى"، خصوصاً أنّ مقياس الاهتمام الدولي بلبنان حالياً، يشبّهه كثيرون بالفتور الدولي الذي كان سائداً في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل، علماً بأنّ هذه المعادلة نجحت في انتخاب ميشال عون في الـ2014، حينما طرحه "الحزب" لرئاسة الجمهورية، بعد أن عطّل نصاب الجلسات، مهدّداً باستمرار الشغور الذي يجتذب الفوضى، حتى تم التوصّل إلى اتفاق بين معظم مكوّنات مجلس النواب الوازنة، فانُتخب عون. 

واليوم، تعود معادلتا 1988 و2014 إلى واجهة المعادلات المطروحة. وكما سابقاً، الخلاف بين القيادات المسيحية كبير، وكما في العام 88 حصل تماهٍ بين القوات وكل من عون والجميل على رفض سليمان فرنجية؛ هناك تماهٍ اليوم بين القوات وجبران باسيل، كلّ من موقعه على رفض سليمان فرنجية الحفيد، فيما الفارق أن هوّة الخلافات أعمق لوجود فريق في الوسط يُفترض أن يكون من "التغييريين"، يعمل بشكل مباشر أو غير مباشر لمصلحة فريق الورقة البيضاء، في وقت يحكم التفكّك السّاحة السُنيّة، واستُعيض عن الهيمنة السورية سابقاً بهيمنة إيرانية، مع فارق، أن ريتشارد مورفي، الذي حمل مطالب القيادات المسيحية في العام 1988 إلى حافظ الأسد، وعاد منهكاً، وباسمٍ لم يرِد في ورقة المسيحيين، هو مخايل الضاهر، ليس (ريتشارد مورفي) موجوداً اليوم على خطّ بيروت دمشق، والموجود مساعٍ دوليّة خجولة غير مؤثرة على خطّ بيروت - طهران، ممّا يُنذر بفوضى قد لا تكون شبيهة بتلك التي حصلت في أواخر الثمانينيّات، ولكن كفيلة بجرّ تدخّل الخارج وجلوسه إلى طاولة تسوية مع إيران بشأن لبنان. 
 
 
تجربة الحزب والفوضى طويلة
للحزب تاريخ طويل والفوضى، ومقوّمات تجعله بمنأى عن تبعاتها المدمّرة. ورث هذه الاستراتيجية من سلطات الوصاية السورية التي كانت تفتعل الإشكالات الأمنيّة لفرض سياستها. بدأ مشوار الحزب والفوضى في العام 2006، حينما افترش بخيمه شوارع بيروت وأقفل وسط المدينة، واستمرّ مع أحداث 7 أيار ثمّ "القمصان السود". لا يقتصر الموضوع على الفوضى الأمنيّة، بل يتعداها ليطال ميدانَي السياسة والاقتصاد، وتجربة الفراغ الطويل في العام 2014.

بنية الحزب وهيكليّته العسكرية، بالإضافة إلى قدراته المالية وقبضته المحكمة على بيئته، كلّها عوامل تجعل منه عصيّاً على الفوضى التي تستجدّ، والطرف الأقوى فيها بحال كان جزءاً منها. ولا يُستبعد، بحسب ما يطرح المحلّلون، سيناريو توجّه الحزب نحو الفوضى التي يخشاها معظم الأطراف، لفرض إملاءاته في ملف رئاسة الجمهورية.
هو يتحكّم عبر رئيس البرلمان نبيه بري بمجريات الجلسات الانتخابية، لجهة النصاب أو الميثاقية إذا احتاجها، ويراهن على إطالة أمد الفراغ وما قد يسبّبه من تعميق للأزمات الاقتصادية والمالية، ومن تفكّك اجتماعي، وما يُنتجه من فلتان أمنيّ وفوضى في الشارع مع ارتفاع نسب الجريمة، فتضطر الأطراف الباقية إلى الخضوع وإجراء التسويات بشروط الحزب، التي يكون فيها الطرف الأقوى، نسبةً لموازين القوى، التي يعكسها فائض القوة الذي يتمتع به.
 
هل يلجأ "حزب الله" إلى الفوضى؟
الكاتب والمحلّل السياسي طوني عيسى يُشير إلى أن "حزب الله يريد أن يوصل مرشّحه إلى رئاسة الجمهورية، ولن يقبل بفرض شخصيّات عليه، ومن العبث الحديث عن تجاوز للحزب في الاستحقاق، إذ لا يُمكن الحديث عن رئيس يُعاكس إرادته، خصوصاً أن الفريق المقابل المؤلف من 14 آذار، قُدامى 14 آذار، المستقلّين و"التغييريين"، يفتقر لاستراتيجية مواجهته".

ويرى في حديث لـ"النهار"، أن "الحزب ممسك باللعبة، ولا حاجة للدفع نحو الفوضى بهدف عرقلة انتخاب رئيسٍ يُعارض وصوله، لأنّ بحوزته أوراق الانتخابات والنصاب، ولا انتخابات عكس إرادته". إلاّ أن عيسى لا يستبعد رهان حارة حريك على الوقت والفراغ، بانتظار حصول تغيّرات إقليميّة تخدمه وإيران، وتنعكس تسوية على العديد من الملفات، منها رئاسة الجمهورية، الحكومة، المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، واستخراج الغاز.

وبالحديث عن الإقليم، يعتبر عيسى أن آفاق توصّل طهران وواشنطن لاتفاق ما زالت غامضة، فإدارة جو بايدن منفتحة على إيران وتريد عقد الاتفاقات معها، لكن المستجدات التي طرأت مع تقدّم الجمهوريين في الكونغرس من خلال الانتخابات النصفية، وعودة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، ستكون بمثابة عناصر جديدة تطيل من أمد المراوحة الحالية.

أما بالنسبة لقدرة "حزب الله" على تحمّل مسؤولية إطالة فترة الفراغ في لبنان وما لها من تبعات على اللبنانيين، فيذكّر عيسى بأن "الانهيار عمره سنوات، وأحدٌ  في السلطة لم يتحرّك سوى لحماية مصالحه، ولا اعتبارات لمعاناة الناس بالنسبة إلى هؤلاء، طالما أن الدولة بركائزها الأساسية لم تقع، بالتالي لا مشكلة في إطالة الوقت".
 
هل ينفتح على خيارات أخرى؟
وعن تشدّد "حزب الله" بدعمه سليمان فرنجية من جهة، وانفتاحه على أسماء توافقية من جهة أخرى، يُشير عيسى إلى أن للحزب "طبقات" من الخيارات تبعاً للأولويات، الطبقة الأولى تمثّل الخيار الأفضل له، وهو انتخاب مرشّحه، بغضّ النظر عن الاسم؛ أما الطبقة الثانية، فهي اختيار اسم بين مروحة من الأسماء التي تدور في فلك حلفاء الحزب الموارنة، يكون مرتبطاً بـ8 آذار؛ أما الطبقة الثالثة، فهي احتمال توجّه الحزب نحو خيار توافقيّ على أن يكون "مطمئناً" له. لكن لهذا الخيار أثماناً يُريد الحزب تقاضيها، وتكون بمثابة مكتسبات سياسية.

المحامي كريم بقرادوني، وهو الذي أرّخ فترة الحرب الأهلية والتسويات التي أنتجتها، لا يرى أفقاً لدفع "حزب الله" تجاه الفوضى، ويعتبر أن لا مصلحة له في ذلك، لا بل هو حريص على حفظ السلم الأهلي في هذه المرحلة، لأنّه الأكثر قدرةً على التحرّك والتحكم باتخاذ القرارات.

وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أن معادلة المرحلة المقبلة ستكون "مرشّح "حزب الله" سليمان فرنجية مقابل المرشّح الآخر"، الذي تفرزه المعارضة في حال اتفقت بأغلبية مكوّناتها.
 
"الوقت" قاتل للجميع
ويكشف بقرادوني عن معلومات مفادها أن "الجيش وقيادته حريصان على حفظ الأمن وضمان سير الانتخابات الرئاسية، والكلام عن الفوضى الأمنية لا أساس له طالما أن الجيش والحزب لا مصلحة لهما في ذلك، لكنه لا يستبعد أن تطول "لعبة الوقت"، علماً بأن الجميع قادر على لعبها، وليس الحزب وحده.

وفي هذا السياق، يحذّر من أن "الوضعين السياسي والاقتصادي لا يسمحان بالمماطلة حتى إنجاز الانتخابات، كما أن أحداً من الأطراف لن يُخاطر ويدفع بالأزمات قدماً، لأن انعكاساتها لن تكون على منطقة واحدة أو بيئة واحدة، بل الجميع سيتأثر بها".

ويرى بقرادوني مسارين لإنجاز الاستحقاق، المسار الأول يكمن في التوافق والتوجّه نحو انتخاب اسم موحّد في أيّ جلسة، والثاني التوجّه نحو جلسة ديموقراطية، بمعنى ألا توافق على اسم، فيفرز مجلس النواب رئيساً بالأكثرية، وهذا السيناريو كان قد حصل في العام 1970، حينما فاز سليمان فرنجية الجد على إلياس سركيس بصوت واحد.

وفي ختام حديثه، يكشف عن معطيات مفادها أن الانتخابات قد تتم مطلع العام المقبل، وخلال الوقت الفاصل حتى ذلك الموعد، فإن ثمّة مُحاولات جدّية للتوصّل إلى مرشّح توافقي، قد يكون قائد الجيش جوزاف عون، وهو الأقرب في هذا الإطار.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium