أثارت رُسوم "مُريبة" بالطلاء الأحمر على أبواب عدد من المنازل القلقَ لدى أهالي بريح (الشوف)، إذ بدت كأنّها رسائل موجّهة إلى سكّان هذه البيوت والبلدة عامّة، بالرغم من أن هُوية منفّذي العمل لم تُعرف بعد. لكن الجدير بالذكر أن أصحاب هذه المنازل من المسيحيين، ويعيشون في بلدة يتوزّع أهلها بين مسيحيين ودروز، وهذا ما منح الحادثة أبعاداً إضافيّة حول خلفيّتها، ودعا القيادات السياسية إلى المسارعة لتدارك العواقب.
إن بريح إحدى بلدات الشوف التي شملتها المصالحة بين المسيحيين والدروز في العام 2000، فعاد أهلها الذين تهجّروا منها في فترة الحرب، ويعيش سكّانها حالةً من الاستقرار، لكنّها تشهد بين الحين والآخر إشكالات طائفيّة موضعيّة "صبيانيّة"، لا تحمل أبعاداً سياسيّة، وسُرعان ما تُطوّق من قبل الأهالي قبل الأحزاب، لأنّ ثمّة رفضاً قاطعاً لأيّ مساس بالعيش المشترك، أو للعودة بالزمن إلى الوراء.
"التيار": مناكفات "ولّادية"
عضو تكتّل "لبنان القوي" النائب غسان عطا الله يكشف لـ"النهار" عن أن أربعة منازل استفاق أصحابها على رسوم غريبة تغطّي بواباتهم، فتواصلوا مع الأجهزة الأمنية وتقدّموا بشكاوى، لافتاً إلى أن أصحاب المنازل ينتمون إلى الطائفة المسيحيّة، في الوقت الذي يُشدّد على أنّ انتماءاتهم السياسية ليست واحدة.
وإذ يُشير عطا الله إلى ظروف المنطقة الحسّاسة والدقيقة التي استدعت قلقاً من المواطنين، يؤكّد أن تواصلاً حصل مع الأجهزة الأمنية والأطراف السياسية الموجودة في الشوف، وفي طليعتها رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وثمّة تأكيد على تبريد الأجواء ورفض العمل المُدان بشكل تامّ من الجميع.
ويرفض عطا الله أيّ اتهامات في السياسة لأيّ طرف كان، خصوصاً للحزب "التقدمي الاشتراكي"، ويستبعد أن يكون للحادثة أيّ ارتباطات سياسيّة جدّية أساساً، لكنّه لا يُخفي احتمال أن تكون "مناكفات ولّادية".
"القوات": مدسوسون خلف الحادثة
عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب نزيه متّى يُؤكد على وجوب كشف القوى الأمنية كافة الملابسات لطمأنة الأهالي.
وفي حديث لـ"النهار"، يُشدّد على أن لا أبعاد سياسية أو طائفية لما حصل، مرجّحاً أن تكون الحادثة ذات طبيعة صبيانيّة، وقد يقف خلفها مدسوسون. لكن كل ذلك لن يؤثر على العيش المشترك وعلى العلاقة مع الحزب "التقدمي الاشتراكي"، التي تخطّت كل الانقسامات، وباتت تطلّعاً لمستقبل لبنان.
"التقدمي": رفض للعمل المُستنكر وتشديد على كشف الفاعلين
مصادر الحزب "التقدمي الاشتراكي" من جهتها أكّدت تواصلها مع مختلف الأطراف السياسية والنواب في المنطقة، لا سيّما النواب غسان عطا الله، فريد البستاني وجورج عدوان، واستعدادها لأيّ تواصل مع أيّ طرف من دون حرج، وشدّدت على أن الحادثة موضع استنكار من الجميع، والملف بعهدة القوى الأمنية المطلوب منها متابعة الحادثة وكشف هوية المنفّذين ومحاسبتهم، وإظهار ما إذا كان ثمّة من يُريد التسبّب بفتنة وتعكير السِّلم الأهلي.
وفي حديث لـ"النهار"، ترفض المصادر استباق التحقيقات والخروج باستنتاجات قد لا يكون لها أيّ صلة بالحقيقة، وتردّ الحادثة إلى الإشكالات الصغيرة القليلة التي تحصل بين الآونة والأخرى بين أهالي المناطق.
تحرّك سياسي لاحتواء قلق الأهالي
تكشف المصادر أيضاً عن أن الأطراف السياسية في صدد الإعداد لمبادرة أو تحرّك سيتمّ إطلاقه في الأيّام القليلة المقبلة لطمأنة جميع سكّان البلدة، وللتأكيد على أنّ شيئاً لن يعكّر السلم الأهليّ والعيش المشترك، والاستقرار الأمنيّ المتحقّق.
مصادر الأهالي تستنكر الحادثة التي لا تمتّ إلى تقاليد وعادات سكّان المنطقة، وتؤكّد أنّها فرديّة لا تحمل أبعاداً أخرى، كما ترفض الانطلاق من هويّة أصحاب المنازل المسيحيّة لتوجيه أصابع الاتهام لأيّ طرف، خصوصاً الدروز والحزب "التقدمي الاشتراكي"، وربط الحادثة بانقسامات طائفيّة ولّى عليها الزمن، وتؤكّد أن الفاعل قد يكون أيّ شخص يُريد إحداث فتنة وتعكير استقرار المنطقة والعيش المشترك وأجواء الأعياد.
في الختام، فإنّ ما حصل مُستنكر من قبل جميع القيادات الحزبيّة والأهالي على حدٍّ سواء، ولن يجد له بيئة حاضنة في الشوف بشكل خاصّ، حيث طوت المنطقة صفحات الحرب والانقسام الطائفيّ، وعادت إلى كنف العيش المشترك منذ المصالحة، وما هو الواقع الذي تعيشه كافة مناطق الشوف، على تعدّد انتماء سكّانها الطائفيّ أو السياسيّ، البعيد من أيّ توتر أمنيّ، إلّا خير دليل على ذلك.
هذا، وعلّقت بلدية بريح على ما جرى، فأصدرت بياناً قالت فيه: "منذ العام 2014 تاريخ العودة إلى بلدة بريح والمصالحة الوطنية التي جرت حيالها، وبلدتنا تنعم بالاستقرار والعيش المشترك والواحد بين جميع أبنائها. لكن الذي حصل ليلة عيد الميلاد من رسومات شيطانيّة على أبواب وجدران أربعة منازل مسيحيّة، وتناولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي لهو أمرٌ مستهجن، وقد استنكرته جميع عائلات وأهالي بريح والأحزاب".
وتابعت: "إنّنا إذ نؤكّد أن هذا الموضوع قيد المتابعة الحثيثة مع سائر القوى الأمنية من أجل تبيان الحقيقة إذا كان الذي حصل فردياً أو بهدف إثارة الفتن ومحاسبة الفاعل أياً كان، ولأيّ جهة انتمى، نربأ بالوسائل الإعلامية وروّاد التواصل الاجتماعيّ توخّي الدقّة في نقل الخبر بنكهة إعلامية".
وختمت: "نطمئن الجميع إلى أن ذهنيّة أبناء بريح سلميّة بكلّ ما للكلمة من معنى، ولن تتأثّر سلباً مع هكذا مسائل، وننتظر الدولة والقوى الأمنية التي نركن إليها لتبيان حقيقة ما جرى".