لم يكن مستغرباً أن تشهد الجبهة الحدودية الجنوبية احتداماً ميدانياً أمس بعد عمليات القصف الإسرائيلي غير المسبوق التي أمطرت قطاع غزة الشمالي في وحشية تدميرية فظيعة تزامنت مع إدانة عالمية لهذه الوحشية تمثلت في تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على البيان الأردني الذي دعا الى هدنة إنسانية في غزة وإدانة المجازر المرتكبة بحق المدنيين. ذلك أن أجواء التوتر والغضب بلغت ذروتها مجدداً بإزاء الوحشية التي طبعت القصف الإسرائيلي جواً وبراً وبحراً لغزة تحت زعم استهداف أهداف تحت الأرض وأنفاق لـ"حماس" فيما كان القصف يتسبب بمزيد من المجازر بين المدنيين ولا يبقي أي أثر سوى لأكبر ركام تدميري عرفته مدينة تعرضت للتدمير الحربي. وعلى وقع هذا التصعيد الهائل عرفت الجبهة الجنوبية على امتداد الخط الأزرق مواجهات حادة بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" أمس خصوصاً بعدما أمعن الإسرائيليون في تكثيف الاعتداءات بالقصف على المناطق الحدودية. كما أفيد أن القوات الإسرائيلية خرقت قواعد الاشتباك بطائرة مسيّرة استهدفت بثلاثة صواريخ موقعاً في جبل صافي، شمال نهر الليطاني، وبعمق حوالى 20 كلم خط نار عن الشريط الحدودي، بعدما انحصرت المواجهات سابقا ضمن نطاق 5 كلم.
واستهدف "حزب الله" موقع العبّاد الاسرائيلي قُبالة بلدة حولا، كما استهدف ثكنة "هونين" بالصواريخ الموجّهة، في حين ردّ الجيش الاسرائيلي بقصف بلدة حولا وشرق بلدة مركبا بالقذائف المدفعية والفوسفورية.
وأعلن "حزب الله" في بيانات متعاقبة أنه هاجم موقع العبّاد بالصواريخ الموجّهة والأسلحة المناسبة ودمّر قسماً من التجهيزات الأساسية فيه وأنّه "هاجم موقع ريشا ونقطة الجرداح بالقذائف المدفعية والأسلحة المناسب"، مؤكداً "تحقيق إصابات مباشرة". كما اعلن مهاجمته لموقع المرج بالأسلحة المناسبة وتحقيق إصابات مباشرة فيه .
وخلال ساعات بعد الظهر، اتّسعت رقعة القصف المدفعي والصاروخي بدءاً من الناقورة وصولاً إلى تلال كفرشوبا ومزارع شبعا مروراً بقرى وبلدات قضاء بنت جبيل وقصف الجيش الإسرائيلي أطراف بلدات عيتا الشعب والناقورة والضهيرة والبستان ويارين وميس الجبل وحولا وعيترون. وأطلق الجيش الاسرائيلي أكثر من 20 قذيفة حارقة على خراج اللبونة في الناقورة. وسقطت قذيفة 155 ملم اسرائيلية في باحة منزل عصام عليان في اللبونة - بلدة الناقورة من دون أن تنفجر. كما أعلن "حزب الله" ليلا انه هاجم ثكنة زرعيت بالأسلحة المناسبة وحقق إصابات مباشرة فيها .
وأعلن الناطق الرسمي باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي أن "قذيفة سقطت أمس داخل المقرّ العام لليونيفيل في الناقورة، ولحسن الحظ لم تنفجر، ولم يصب أحد بأذى، ولكن تضرر مقرّنا. وتمت إزالة القذيفة ونعمل على التأكد من مصدر الهجوم". وأضاف: "ليست هذه هي المرة الأولى التي تصيب فيها قذيفة مقرّنا العام، حيث تعرّض العديد من مواقعنا الأخرى لأضرار في الأسابيع الثلاثة الماضية. إنه تذكير صارخ بالبيئة الهشة والمتوترة والمتقلبة للغاية التي يعمل فيها حفظة السلام في الوقت الحالي".
وتابع: "إننا نحثّ جميع الأطراف على وقف إطلاق النار فوراً. كما ندعو جميع المشاركين في النزاع الدائر إلى وقف أي أعمال تعرّض سلامة وأمن المدنيين أو موظفي الأمم المتحدة للخطر، خاصة وأن هذه الأعمال قد تشكل انتهاكات للقانون الدولي". وختم: "على الرغم من هذه الهجمات والهجمات السابقة، لا يزال حفظة السلام التابعين لليونيفيل في مواقعهم ويعملون بنشاط مع الأطراف على جانبي الخط الأزرق لتهدئة التوتر وتجنب سوء الفهم الخطير".
ومع ارتفاع وتيرة التصعيد في الميدان، أوصت وزارة الخارجية الأميركية المواطنين الأميركيين، في لبنان، "بالمغادرة، الآن، بينما تظل الرحلات الجوية التجارية متاحة، وذلك بسبب الوضع الأمنيّ الذي لا يمكن التنبؤ به". وقالت "ليس هناك ما يضمن أنّ الحكومة الأميركية ستقوم بإجلاء المواطنين الأميركيين وأفراد أسرهم، في حالة الأزمات".
اما في التحركات السياسية الداخلية فالتقى امس مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في دار الفتوى وعقدا خلوة قبيل انضمام رئيس الحكومة الى جلسة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وتناول البحث مختلف القضايا على الساحة اللبنانية والعربية، وخصوصاً العدوان الإسرائيلي على غزة والجنوب اللبناني. وأكد الرئيس ميقاتي "أن الحكومة تقوم بالاتصالات والمساعي والجهود الديبلوماسية والسياسية عربياً ودولياً لوقف العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وغزة"، وشدد على "أن الحكومة لديها خطة طوارئ لاحتواء تداعيات ما يمكن أن يحدث نتيجة العدوان المستمر على الأشقاء الفلسطينيين". وأبدى المفتي دريان "حرصه على دعم ومؤازرة الحكومة في عملها الوطني الجامع، رغم العقبات والتحديات التي تعانيها بسبب ما يمر به لبنان من أزمات متلاحقة، وثمن الجهود والمساعي والاتصالات التي يقوم بها الرئيس ميقاتي في هذا الصدد". وأعرب عن "أمله في أن تنجح الضغوط التي تمارس على العدو الإسرائيلي في وقف الجرائم والعقاب الجماعي على غزة والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للأراضي اللبنانية".
وفي المواقف السياسية، أكد عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب وائل أبو فاعور أن "علينا أن نتصرف في لبنان بأقصى درجات اليقظة الوطنية كي لا نسمح باستدراج لبنان إلى حرب لا مصلحة لنا فيها، دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال نقصاً في دعمنا للقضية الفلسطينية أو في انتمائنا لهذه القضية أو في دفاعنا عن الشعب الفلسطيني". واعتبر أنه "لذلك فلبنان الرسمي ولبنان الشعبي وبكل أحزابه وفئاته وتلاوينه عليه أن يحاذر الانسياق الى حرب يريدها العدو الإسرائيلي لأنه من مصلحته توسيع دائرة الصراع، نحن نعرف أن رئيس وزراء العدو يريد أن يندفع قدماً في معاركه العسكرية، لأن الاندفاع قدماً في معاركه العسكرية يحميه من الحساب الذي سيتعرض إليه على الإخفاق الكبير، وكلنا نعرف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وبمجرد أن تتوقف المعارك، سيكون مآله السجن، لذلك هو يريد توريط لبنان ويريد توريط الولايات المتحدة الأميركية وإيران وكل المنطقة في نزاع كبير، لأنه يعلم أن هذا النزاع الكبير إذا ما نشب ربما يؤمن له الحماية".
في سياق آخر، أعلن أمس رئيس حركة التغيير المحامي إيلي محفوض أن "تهديدات وصلتني بتصفيتي وهذا الأسلوب والإرهاب الفكري لن يمنعنا من التعبير عن رأينا وأضع ما تعرّضت له بعهدة وزارة الداخلية ومدعي عام التمييز والقادة الأمنيين فحمايتي هي مسؤولية الدولة اللبنانية".