أصيب عدد من اللبنانيين أمس بالهلع من عودة "شبح" الموت الطائش، الذي خشينا إطلاقه عشوائياً وبكثافة تزامناً مع بدء الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله إلقاء كلمته المنتظرة من بيئته الحاضنة ومن اللبنانيين والعالم.
هذا الخوف من تداعيات الرصاص الطائش لا ينحصر في مناسبة يتحدث فيها نصر الله، بل يترافق غالباً مع خطب لرئيس حركة "أمل" نبيه بري وسواه.
ويرافق الرصاص الطائش أيضاً مراسم تشييع مقاتلي "حزب الله"، وصولاً الى اعتباره وسيلة للتعبير عن الفرح والسعادة عند إعلان نتائج البكالوريا أو البريفيه أو عند عقد قران مثلاً.
من ضحايا هذا الموت الطائش الطفلة نايا حنا (7 أعوام)، التي صارعت الموت لأكثر من ثلاثة أسابيع، بعد إصابتها برصاص طائش أطلق خلال الابتهاج بنتائج البكالوريا الرسمية، وهي تمضي وقت استراحة في ملعب مخيم صيفي في مدرسة القلبين الأقدسين.
و"شاء القدر" أن يُصاب الزجاج الخلفي لسيارة وزير الدفاع موريس سليم في 11/8/2023 في منطقة جسر الباشا بسبب الإشباكات بين "حزب الله" وسكان قرية مسيحية، إضافة الى خطر هذا الرصاص في محيط مطار رفيق الحريري الدولي القريب من الضاحية الجنوبية، ما شكّل خطراً على سلامة الطيران.
يلاحق "الموت الطائش" بين حين وآخر اللبنانيين ليحصد، وفقاً لإحصاءات "الدولية للمعلومات"، عددا من الضحايا خلال الأعوام العشرة الماضية بلغ 81 قتيلاً و169 جريحاً.
قبل عرض المعطيات، لا بد من الإشارة الى ثمن الرصاص الطائش. فقد أكد العميد الركن المتقاعد جورج نادر في اتصال مع "النهار" أن "سعر الرصاصة الواحدة الصغيرة الحجم للسلاح الفردي الأكثر تداولاً كالكلاشنيكوف والـ M16 يصل الى دولار واحد، فيما ترتفع الكلفة مع أسلحة فردية مختلفة ليراوح ثمن الرصاصة الواحدة ما بين دولارين وثلاثة دولارات"، متسائلاً عن الكلفة التي يتكبدها مطلق 200 رصاصة، وتراكم هذه الكلفة مع مجموعة مطلقين، ما يعكس الكلفة العالية لهذه الطلقات، ويطرح تساؤلات عن المصدر الذي يغطي تكاليفها في المناسبات المتعددة في لبنان.
وتوقف العميد نادر عند القواعد "التي حددها الجيش أخيراً ضد آفة اطلاق الرصاص الطائش"، مشيراً الى أن "العبرة في تطبيقها من قِبل الأجهزة الأمنية، مع ضرورة التساؤل عن اسباب عدم توقيف أيّ من مطلقي الرصاص الطائش".
وعلى صعيد مبادرات مؤسسات المجتمع المدني، أكد رئيس "حزب الخضر" اللبناني فادي أبي علام لـ"النهار" أنه قبل تسلمه رئاسة الحزب، كان منهمكاً في إطلاق حملات ضد الرصاص الطائش تندرج في سياق برامج حركة السلام الدائم"، معتبراً ان "إطلاق الرصاص الطائش هو أبشع العادات والتقاليد وأسوأها في المجتمع اللبناني، وهو يطاول أمننا الشخصي وكرامتنا ويؤدي الى قتل البعض وإعاقة آخرين مع ما ينتج من اضرار مادية قد تشمل الألواح الشمسية أو المنازل أو ما شابه".
وقال إن "الاحصاءات الأخيرة رصدت وقوع نحو 10 قتلى سنوياً بالرصاص الطائش، فيما يرتفع العدد الى مئة ضحية جراء استخدام السلاح المتفلت".
واعتبر أبي علام أن "دور القوى الأمنية والجيش لا يحتل الصدارة في التعاطي مع هذا الموضوع"، موضحاً أن "السعي لتغيير سلوكيات المجتمع من خلال دفع السلطات المحلية من بلديات ومخاتير ورؤساء عشائر الى ضبط هذا الموضوع من خلال حضّ البيئة المباشرة على الابتعاد عن الرصاص الطائش في مناسبات الحزن والفرح، مع ما يترتب أيضاً من مسؤولية تلقى على عاتق رجال الدين المشاركين في هذه المناسبات".
ولم يستثنِ أيضاً القطاع التربوي، "الذي يجب أن يوجّه الى ذوي التلامذة عبر مذكرة صادرة من إدارات المدارس بعدم اطلاق الرصاص الطائش عند اعلان نتائج الامتحانات الرسمية مثلاً"، مشدداً على "ضرورة تعريف المواطن بالقانون ومواده في هذا الخصوص".
ولفت الى أن الدولة أصدرت مرسوماً إشتراعياً في العام 1959 يلحظ في إحدى مواده التي تم تعديلها في العام 1972، عقوبة لمطلق الرصاص الطائش بالحبس 15 يوماً ودفع غرامة 1500 ليرة"، مشيراً الى انه "تم تعديلها في العام 2019 لتلحظ غرامة ما يزيد 8 أضعاف عن الحد الأدنى للأجور و6 أشهر حبس ومصادرة السلاح وحرمانه من الرخصة، مع العلم أنه يترتب مع اي أذى جسدي أو مادي من الرصاص الطائش الحبس المؤبد مع دفع 20 ضعفا الحد الأدنى للأجور".
أما الناشط البيئي سعادة سعادة فتحدث لـ"النهار" عن مجموعة "تفلّت السلاح"، التي تضم ناشطين في هذا الصدد ضمن خدمة "الواتس آب"، وهدفها المطالبة بتفعيل القانون وتطبيقه بحذافيره، داعياً الدولة الى ان تكون صارمة في قراراتها.
وأسف لعدم "تطبيق التعليمات التي تنشرها مديرية التوجيه في قيادة الجيش ضد الرصاص الطائش"، متمنياً أن "يعتمد المسؤولون الرسميون السقف العالي من خلال اللجوء الى إجراءات صارمة في حق مطلقي الرصاص الطائش".
وختم سعادة ناقلاً "الجو العام في منطقة بعبدا أمس، حيث لجأ سكانها الى ركن سياراتهم في مكان آمن لئلا ينهمر الرصاص عليهم، فضلاً عن أن البعض لجأ الى وضع خوذة على رأسه عند التنقل بدراجة نارية تفادياً للإصابة بأيّ رصاص طائش عند بدء الأمين العام للحزب بإلقاء كلمته".