حالة الانقسام العموديّ ليست جديدة على لبنان، إنّما يمكن القول أنّها تتحوّل يوماً بعد يوم إلى فولكلور لبنانيّ مرتبط بمختلف المراحل السياسية في لبنان.
وحالة الانقسام المُشار إليها تبدو واضحة في تعاطي المجتمع اللبناني مع ما يحصل في غزة ليس لجهة مناصرة القضية الفلسطينية، إنّما لجهة كيفية مناصرة هذه القضية.
وفي هذا المجال، يبدو أنّ عدوى الانقسام انتقلت إلى الشارع السنّي في لبنان، الذي يجد بعض مجموعاته في حالة مواجهة مباشرة مع إسرائيل انطلاقاً من حدود لبنان الجنوبية.
ومن الواضح أنّ من أكثر الأمور التي طرحت علامات الاستفهام منذ انطلاق "طوفان الأقصى" وتحديداً منذ دخول لبنان على خطّ المواجهات، هو بروز أدوار أمنية متقدّمة في الساحة الجنوبية لكلّ من "الجماعة الإسلامية"، "حركة حماس" في لبنان، "حركة الجهاد" في لبنان و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين".
وعلامات الاستفهام الفعلية برزت حول دور "الجماعة الإسلامية" في خلال هذه المرحلة، وعن إمكانية ترجمة ما تقوم به في الجنوب في الساحة السياسية الداخلية للبنان.
الحوت: "الجماعة الإسلاميّة" ليست جزءاً من أيّ محور
في هذا السياق، جزم النائب عماد الحوت أنّ " الجماعة الإسلامية في لبنان لم تكن يوماً خارج المسار في مواجهة إسرائيل، وفي المعركة الفلسطينيّة لم نكن يوماً على الحياد، وهكذا نتصرّف اليوم إسوة بغالبية الشعب اللبناني المتفاعل بطريقة إيجابية مع ما يحصل في غزة، والمعبّر بشكل واضح عن رفضه للمجازر المتكرّرة التي ترتكبها إسرائيل".
وأضاف في حديث لـ"النهار" أنه "في المسار التاريخيّ الخاص بـ"الجماعة" في ما يتعلق بمواجهة إسرائيل، خضنا معارك واضحة خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982 وأخرجناها من صيدا ومن ثمّ من الجنوب.
ومن بعد تلك المرحلة انكفأت "الجماعة" ولم تتدخل في أيّ صراع داخليّ لبناني، واليوم مع عودة مشهد الصراع في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية استنفرنا لمؤازرة أهلنا في فلسطين وغزة".
ورأى الحوت أنّه "أمام مشهديّة عجز الدولة وعدم قدرتها على المواجهة نجد أنفسنا ملزمين بالتدخّل، لاسيّما أنّنا ومنذ العام 2006 نطالب باستراتيجية دفاعية ولم نتمكّن من الوصول إلى أيّ نتيجة".
وحول إمكانية تنسيق "الجماعة" مع "حزب الله"، أكّد أنّ "لـ"الحزب" مساره الخاص الذي يعبّر عنه بكلّ صراحة، ونحن نرى أنّه من غير المنطقي أن نبقى أسرى هاجس امتلاك "حزب الله" حصرية المواجهة، وهنا نكرّر أنّ عملياتنا قمنا بها باستقلالية تامّة ولم ننسّقها مع أيّ طرف آخر لبناني أو غير لبناني، ولم ندخل أيّ غرفة عمليات في هذا السياق".
وشدّد الحوت على أنّ " الجماعة الإسلامية لم تكن جزءًا من أيّ محور ولن تكون، ولا تضع نفسها تحت مظلة أيّ طرف معين، وقرارنا النهائي هو أن نبقى مستقلين في مواجهاتنا حتى لا تتحوّل هذه المواجهات إلى ورقة سياسية في يد أيّ أحد".
وأردف: "إذا استمرّ العدوان الإسرائيلي فإنّ إمكانية خوضنا عمليات أخرى وارد في أيّ لحظة وكلّ الأمور مرهونة بوقتها".
وعن تمويل هذه العمليات، قال الحوت: "لا نتلقّى تمويلاً من أيّ جهة خارجية وهذا ما أثبتته تجربتنا التاريخية، كلّ مشاريعنا وأعمالنا تتّخذ طابع التمويل الذاتيّ، أيّ من المنتمين إلى "الجماعة".
واعتبر أنّ "الجماعة الإسلاميّة" من خلال ما تقوم به لا تهدف أبداً إلى تحسين موقعها الداخليّ، إنّما إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ، لكن إذا رأى الجمهور اللبناني عموماً والسنّيّ خصوصاً أنّنا أهل لمزيد من القيادة فنحن في جهوزية تامّة".
ريفي: على "الحزب" أن يميّز بين المرتزقة وبين أصحاب القضيّة
بدوره، أكد النائب أشرف ريفي عبر "النهار" أنّ "الشارع السني ودون أدنى شك يقف إلى جانب القضية الفلسطينية، فهي تجري في عروقه باعتبارها قضية وطنية وعربية في آن معاً، لكن لا بدّ لنا من التمييز بين القضية الفلسطينية وإمكانية جرّ البلاد إلى حرب لا قدرة له على تحمّلها".
وأضاف: "الشارع السنّي بنسبة 76 في المئة وبتوافق تام مع غالبية المكونات اللبنانية يرفض الدخول في أيّ حرب وفقاً لآخر الإحصاءات، لذلك لا بدّ من التأكيد أنّ قرار السلم والحرب يجب ألّا يكون في يد "حزب الله"، بل في يد الدولة اللبنانية".
واعتبر ريفي أنّ "حزب الله" على مدار سنوات طويلة، قاتل من أجل ألّا يحمل أيّ طرف لبناني السلاح إلى جانبه في وجه إسرائيل، لذلك نستغرب اليوم فتح جبهة الجنوب أمام أكثر من طرف داخلي، وبناء عليه وعلى التحرّكات الأخيرة التي تقوم بها بعض المجموعات السنية المحدودة، نعبّر عن حذرنا من أن يقوم "حزب الله" باستغلال هذه المشهدية ومحاولة اقحام الشارع السنّي الداخليّ".
وفي رأيه، "على الرغم من تحذيرنا نؤكّد أنّ على "الحزب" أن يميّز بين المرتزقة وبين أصحاب القضية الذين يدافعون عن أرضهم وعرضهم وبلدهم".
مراد: "حزب الله" يحتاج ألّا يتمّ طعنه بظهره
وأكّد أمين عام "حزب الاتّحاد" النائب حسن مراد في حديث لـ"النهار"، أنّ "الشارع السنيّ في لبنان بشكل عام وفي كلّ الوطن العربيّ، يؤيّد ويقف إلى جانب كلّ من يحمل البندقية لمواجهة العدو الصهيونيّ بهدف تحرير الأرض في فلسطين والدفاع عن أهلها من النساء والأطفال والشيوخ".
وأضاف: "في لبنان، يمكن القول أنّ الشارع السنّي يؤيّد "حركة حماس" وما تقوم به، كما يؤيّد هذا الشارع وقوف "الجماعة الإسلامية" إلى جانب "المقاومة الإسلامية"، من أجل تحرير الأرض اللبنانية المحتلّة في مزارع شبعا ودعماً لأهلنا في فلسطين إيماناً وقناعة بأنّ فلسطين أرضاً عربية وقضية مركزية".
واعتبر مراد أنّ "الجوّ السنيّ في لبنان يحتضن "المقاومة الإسلامية" ويلتفّ حولها، وهنا ظهرت دعوات رجال الدين السنة الذين أكّدوا ضرورة وضع السياسة جانباً ودعم كلّ من يقاتل العدو الصهيوني، كما أنّ هناك من دعا إلى التعبئة العامة والجهوزية لأيّ عمل داعم للمقاومة في لبنان".
ورأى أنّه "من غير المنطقي الحديث عن قيام "حزب الله" باستخدام الشارع السني لأغراض داخلية، فالمقاومة لم تكن يوماً عبر تاريخها وحيدة، فتحرير فلسطين هو موضوع مبدئيّ يؤيّده ويدعمه كلّ الأحرار في هذا العالم، وعند الحديث عن قضية بحجم القضية الفلسطينية يجب أن نبتعد عن مقاربتها من زاوية الصراعات الجانبية".
واعتبر النائب مراد أنّ "المقاومة الشريفة التي يقف إلى جانبها كلّ أحرار العالم، لا تحتاج إلى الدعم السني بقدر ما تحتاج إلى عدم طعنها بظهرها من قبل بعض من اعتادوا حمل الخناجر، والحديث عن محاولة "حزب الله" الاستفادة ممّا يحصل في الجنوب لاستمالة الشارع السني في لبنان هو غير منطقي وهو محاولة لتقزيم الجهود الجبارة التي تظهر عبر وحدة المقاومة ووحدة الساحات".
وهنا لا بدّ من استعادة المقولة الشهيرة للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر "المقاومة وجدت لتبقى وستبقى"، والشعب العربي والطائفة السنية يؤمنان بهذه المقولة انطلاقاً من أنّ ما أُخذ بالقوة لا يستردّ إلّا بالقوة".
وأشار إلى أنّ "الدعم متواصل لما تقوم به "قوّات الفجر" والفصائل الفلسطينيّة و"المقامة الإسلامية"، كما أنّنا سندعم كلّ حزب أو فصيل سيقوم بأعمال مماثلة في الفترة المقبلة بهدف الدفاع عن فلسطين ووضع حدّ لإجرام العدوّ الصهيونيّ".
منيمنة: حيثيّة "قوّات الفجر" محدودة
وأشار النائب إبراهيم منيمنة في حديث لـ"النهار" أنّ "موقفنا من القضية الفلسطينية بشكل عام واضح وصريح وسبق وعبّرنا عنه في أكثر من مجال، ونحن بشكل أكيد ندعو ونشدّد على ضرورة أن تكون الدولة هي الجهة الوحيدة الضامنة لحقوق اللبنانيين والحامية لهم، وعلى ضرورة أن تكون مهمة الدفاع عن لبنان محصورة بها دون سواها".
وعن مشاركة بعض المجموعات السنية في القتال بوجه إسرائيل إلى جانب "حزب الله"، قال منيمنة أنّ "خروج هذا النوع من القوى إلى العلن يعمّق الأزمة بدل العمل على وضع حدّ ونهاية لها".
ورأى أنّه "من غير الملائم الحديث عن مؤشّرات تطال الشارع السني اللبناني مرتبطة بالأعمال التي قامت بها "قوّات الفجر"، وذلك نظراً لمحدوديتها وعدم إمكانية تعميم تجربتها على الواقع اللبناني بشكل عام والسني بشكل خاص، كما أنّه لا بدّ من الإشارة إلى أنّ "حزب الله" وخلال هذه المرحلة الدقيقة جدّاً، يسعى للتأكيد أنّ هناك مجموعات لبنانية ومكوّنات لبنانية مختلفة تلتفّ حوله وتسانده إن صحّ التعبير".
وانطلاقاً من هنا يضيف النائب منيمنة: "يعمد "حزب الله" إلى استغلال هذا الواقع المتمثّل في الخطوات التي أقدمت عليها "قوّات الفجر"، معتبراً أنّه بذلك يظهر أنّ مروحة الدعم الداخليّ له تتوسّع وتصبح أكثر شمولية".
واعتبر أنّ "الحيثية المحدودة جدّاً للجماعات التي شاركت "حزب الله" في أعماله على الحدود، أكّدت أنّ حضور عناصر إضافية إلى جانب "الحزب" بقي على صعيد الشكل وحالت دون ترجمته بشكل فعليّ على الأرض".
وأكد منيمنة أنّ "غالبية اللبنانيين وغالبية السنة في لبنان يبحثون عن مرجعية الدولة دون سواها على مختلف الصعد".