منذ انطلاق الحرب في غزة ودخول جبهة جنوب لبنان على خط النزاع المسلح والدموي الدائر فيها، تمحور السؤال الأهم الذي يشغل بال اللبنانيين حول إمكانية توسّع سرديات المناوشات بين "حزب الله" وإسرائيل، لاسيما أن الجانب الإسرائيلي لم يتردد في الإعلان عن أن أي حرب ممكنة مع لبنان ستحوّل بيروت إلى غزة جديدة.
وأمام هذا التساؤل اليومي الذي يرفعه المواطن اللبناني، انقسمت الساحة اللبنانية السياسية بين داعٍ إلى التفعيل السريع للقرار 1701 باعتباره نقطة ارتكاز أكيدة وضرورية لحماية لبنان وتفادي الجنون الإسرائيلي، وبين مؤكّد أن إسرائيل التي لا تخجل من قصف المستشفيات والصحافيين والنساء والأطفال لا تحتكم إلى أيّ قرار دولي أو شرعية أمميّة.
إذن، كيف يمكن مقاربة القرار 1701 في ظل التطورات السريعة في جبهة جنوب لبنان؟ وهل التخلّي عنه بشكل نهائي أو تطبيقه بشكل كامل، معادلة ممكن المضي بها؟
زغيب: القرار 1701 يتعارض مع "تفاهم نيسان"
في هذا المجال، أكد الأستاذ المشارك في القانون الدولي في كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف الدكتور رزق زغيب في حديث لـ"النهار" أن "القرار 1701 الذي صدر في نهاية "حرب تموز" في العام 2006، وتحديداً في شهر آب من العام نفسه، أتى نتيجة مفاوضات مضنية تمت بين الدول الكبرى والحكومة اللبنانية وبإشراك لـ"حزب الله" من وراء الحكومة اللبنانية".
ويرى أنه "كان للقرار، نصّ أول وفقاً لمضمونه. كان من المقرر وضع الـ1701 تحت الفصل السابع، وبالتالي يتم إعطاء "اليونيفيل" صلاحيات واسعة تتمكّن عبرها من استخدام القوّة المسلحة بشكل "زجري" لتنفيذ مهامها، كما يتم إلزام الحكومة اللبنانية بشروط محددة. لكن النص الأول المشار إليه لم يتم اعتماده بسبب الرفض اللبناني".
ويشير إلى أن لبنان "بمساعدة الدولة الروسية (صاحبة حق الفيتو) تمكن من الوصول إلى صيغة ثانية للقرار 1701، وإلى نصّ ثانٍ تمّ اعتماده. ووفقا للنص المعتمد، يقع القرار 1701 تحت الفصل السادس أكثر من وقوعه تحت الفصل السابع، علماً بأن فيه أجزاء مستعارة من الفصل السابع؛ وذلك نظراً لإضافته بعض الصلاحيات لقوات اليونيفيل (صلاحيات تتخطى الفصل السادس لكنها لا تتماشى بشكل كليّ مع ما ينص عليه الفصل السابع)".
ورأى الدكتور زغيب أنه "يمكن تقسيم القرار 1701 إلى جزأين:
جزء أول يدعو إلى وقف إطلاق النار، وبالتالي إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأزرق كمرحلة أولى، وإلى وقف الأعمال القتالية.
ويكلف هذا الجزء أيضاً، "اليونيفل" بالانتشار في جنوب الليطاني لمساندة الجيش والدولة اللبنانية، ويخلق منطقة منزوعة السلاح بين الليطاني والحدود اللبنانية، أي بمعنى آخر لا يمكن التواجد وفقاً للقرار في المنطقة المنزوعة السلاح لأيّ عنصر مسلّح غير تابع للجيش اللبناني أو قوات "اليونيفل".
ووفقاً للقرار 1701، تمّ تعزيز قوات اليونيفل ورفع عديدها، وإنشاء الأسطول البحري الخاص بها. وبناء على طلب الدولة اللبنانية، يعطي الـ1701، لـ "اليونيفل" صلاحية مؤازرة الجيش اللبناني في ضبط الحدود".
وأضاف: "أما الجزء الثاني من القرار 1701، فيضع معالم الحل النهائي والتسوية الدائمة للنزاع بين إسرائيل ولبنان؛ وعناصر الحلّ المذكورة تقوم على مبدأ الحوار الداخلي اللبناني من أجل إيجاد حلّ للسلاح خارج أجهزة الدولة اللبنانية، وترسيم أراضي مزارع شبعا، ومعالجة موضوع الحدود البرية بشكل نهائي لناحية التحفظات اللبنانية على 3 نقاط محددة على الحدود (الـ3 نقاط المشار إليها تحوّلت إلى 13 نقطة بين العامين 2000 و2006)".
واعتبر زغيب أن "تفاهم نيسان"، الذي وقع في العام 1996، والذي يشرّع المقاومة على الأراضي اللبنانية المحتلة، لا يمكن تطبيقه في ظل وجود الـ1701، إذ إن الأخير حوّل المنطقة الموجودة في جنوب الليطاني إلى منطقة منزوعة السلاح، وبالتالي يصبح من الصعب جداً الحديث عن استمرار أيّ مفاعيل لـ"تفاهم نيسان"، الذي استنفد حاجته مع الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، واقتصر موضوع تطبيقه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي يعتبرها لبنان أرضاً محتلة".
وختم معتبراً انه "في العام 2006، مع القرار 1701 الذي منع بشكل نهائيّ أيّ وجود مسلّح خارج عن الجيش اللبناني واليونيفيل"، أصبح من الصعب جداً المواءمة بين ما ينص عليه تفاهم نيسان ومندرجات القرار 1701".
قبيسي: هل إسرائيل جاهزة للالتزام بالـ1701؟
وفي سياق متصل، قال عضو "كتلة التنمية والتحرير" هاني قبيسي لـ"النهار" إنّ "إسرائيل لم تتوقف عن خرق القرار 1701 منذ لحظة إقراره، فيومياً يشهد المجال الجوي اللبناني خروقات ناتجة عن تحليق الطيران الحربي أو التجسسي الإسرائيلي.
والخروقات المشار إليها، استمرت بشكل يومي ومتواصل منذ العام 2006، بوتيرة متفاوتة، حتى تاريخ اندلاع الحرب في غزة، إذ منذ السابع من تشرين الأول 2023، بدأت إسرائيل بقصف أهلنا في الجنوب مخترقة بذلك وبشكل صارخ القرار 1701".
وأضاف: "الموقف الرسمي في لبنان وموقف المقاومة من القرار 1701 منسجمان إلى أبعد الحدود، فالجميع يدعو للحفاظ على القرار واستمراره. لكن أمام الهمجية الإسرائيلية وأمام قتلها للمدنيين والأبرياء، من الصحافيين والفتيات، لا يُمكن للبنان أن يقف مكتوف الأيدي"، معتبراً أن "لبنان لم يقدم على أيّ ردّة فعل أمام الكثير من الانتهاكات الإسرائيلية للقرار 1701، لكن أمام قتل الأبرياء لا يمكن السكوت أبداً.
فنحن وعلى الرغم من الموقف الرسمي الذي عبّر عنه أكثر من مرة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والمتمثل بالتمسك بالـ1701، لا يمكن أن نسمح بالاعتداء المباشر على أهلنا في الجنوب".
ورأى قبيسي أن "الخسائر التي تتلقاها إسرائيل في غزة تدفعها للتصرف بجنون، فتحاول أن تلفت النظر إلى جبهة جنوب لبنان. لذلك وعلى الرغم من الحكمة العالية التي نتعاطى بها مع الاعتداءات الإسرائيلية، نجد أن المسؤولين الإسرائيليين لا يرتدون عن تهديد لبنان بشكل يومي وعلني. لذلك، لا بد من توجيه السؤال إلى الدول الداعمة لإسرائيل عن موقفها من خرق الأخيرة للقرار 1701 ومن تهديداتها التي تقع في خانة المزيد من الخروقات".
وأشار النائب قبيسي إلى أن "الخرق الإسرائيلي للقرار 1701، يظهر أيضاً من خلال أجهزة المراقبة والاتصالات التي تزرعها إسرائيل على الحدود وتصل صلاحية عملها إلى داخل الأراضي اللبنانية. لذلك، وأمام الخروقات المتواصلة منذ الـ2006، وأمام القصف الإسرائيلي على بلداتنا الجنوبية المتواصل منذ الـ8 من تشرين الأول، وأمام انتشار أجهزة التنصت الإسرائيلية على طول الحدود، يبدو من المجدي أن نسأل: هل إسرائيل جاهزة للالتزام بالـ1701؟".
وختم قبيسي مؤكداً أن "لا أحد في لبنان يرغب في تطور الواقع الأمني في الجنوب. وحتى اليوم ما زلنا نمارس السياسة الدفاعية بحكمة وروية كبيرتين، علماً بأن حق الدفاع عن الأرض واجب مقدّس، لاسيما في ظل عدم قدرة الدولة اللبنانية على القيام بهذا الدور بشكل كاف، وفي ظل الوجود الإسرائيلي المجنون، إذ إن إسرائيل التي تمارس الإجرام والقتل تسعى لزرع الفوضى في كل منطقة الشرق الأوسط، لكن الرأي العام العربي والعالمي بدأ يظهر رفضه لمنطق الإجرام والقتل والدماء".
أيوب: هل المطلوب 1701 جديد؟
من جانبها، أشارت عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائبة غادة أيوب إلى أنه "في ظل الإبادة والحرب المستمرة في قطاع غزة والجريمة الكبيرة التي تحصل بحق الإنسانية، يتركّز همّنا الأول حول كيفية تحييد لبنان عن هذا الكمّ الكبير من العنف والمجازر.
وانطلاقاً من المصلحة الوطنية ومن ضرورة حماية لبنان وأرضه وشعبه، توجّهنا للدفع نحو تفعيل القرار 1701، الذي لم يطبق منذ العام 2006، من قبل "حزب الله" وإسرائيل. فـ"الحزب" خرقه عبر عدّة رسائل سبق وقام بتوجيهها، وإسرائيل تخرق القرار بانتهاكاتها التي يعلمها الجميع".
وقالت أيوب: "هدفنا من تفعيل القرار 1701 هو التأكيد على انتشار الجيش في الجنوب بالتعاون مع "اليونيفل" ومنع انتشار أي سلاح خارج السلطة اللبنانية في مناطق الجنوب، وذلك تخوفاً من أن تتخذ إسرائيل من انتشار السلاح غير الشرعي ذريعة لضرب الجنوب ولبنان. وبالتالي، وبحال التزامنا الكلي بالقرار 1701، يمكن أن نتجه إلى الدول الكبيرة والغربية للضغط على إسرائيل لمنع شن هجوم كبير على لبنان".
وأضافت: "الهدف من الدعوة إلى تطبيق الـ1701 ليس القضاء على "حزب الله" أو نزع سلاحه أو حتى التصويب عليه، إنما يتمثل الهدف في هذه المرحلة بتحييد لبنان عن أيّ حرب ممكنة، لاسيما ان الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي دقيق جداً، والفراغات في المراكز الأساسية تتوالى".
ورأت أيوب أن "حزب الله" في العام 2006 ضغط على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة من أجل تفعيل النقاط الـ7 التي ينص عليها القرار 1701، كما تبنّى "الحزب" القرار في مختلف الحكومات التي شارك فيها، فلماذا يتمّ تخويننا اليوم عند مطالبتنا بتطبيقه؟
وختمت: "نأمل ألا يكون المطلوب اليوم هو البحث عن 1701 جديد يسبقه كمّ من الويلات لا يمكن أن يتحمّلها المواطن اللبناني".