تفاعلت بشكل واسع الردود على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بعد كلامه عن الصينيّة، وخصوصاً أنّ أغلبها حمل نفساً طائفيّاً كبيراً ما استدعى ردوداً من الناحية الأخرى.
وتخطّت هذه الردود بعض الناشطين لتتحوّل بما يشبه حملة ممنهجة شارك فيها رجال دين وناشطون يصحّ القول فيهم أنّهم قادة رأي، خصوصاً لدى أنصار الثنائيّ، ما صوّر وكأنّ كلمة سرّ من مكان ما صدرت أدّت إلى الهجمة.
وكادت هذه الحملة تخرج عن عقالها المنطقيّ، إذ تحوّلت إلى مناوشات افتراضية طائفيّة، اصطفّ فيها المتناوشون خلف طوائفهم، بغضّ النظر عن الانتماء السياسيّ، وهذا بدا واضحاً من الردود العنيفة لناشطي "التيّار الوطنيّ الحرّ"، وخصوصاً أنّ هؤلاء كانوا خفّفوا من لهجتهم تجاه "الثنائيّ" عقب اندلاع الحرب، واعتمدوا خطاباً مختلفاً عمّا كان سائداً قبل الأحداث أثناء الاشتباك السياسيّ على انتخابات رئاسة الجمهوريّة.
وفي المعلومات أنّ هذه الهجمة أثارت استياء واسعاً عند رجال الدين المسيحيّين والمطارنة الذين اعتمدوا خطاباً جامعاً منذ بداية الحرب، وعملوا على الأرض في أبرشيّاتهم لتحضير بيئة ملائمة لاستقبال النازحين في حال توسّعت الحرب.
وبحسب مصادر مقرّبة من بكركي فإنّ الانزعاج لم يقتصر على الحملة على شخص البطريرك، بل على ما سبقها، حيث بدا وكأنّ هناك سعياً لتنميط طائفة كاملة ووسمها بسمة العمالة، فهناك من بات يحرّض على أصحاب المؤسّسات المسيحيّة لأنّهم يرفضون الحرب، ولا يريدون تدمير مؤسّساتهم، وهناك من بات ينتظر بيان نعي من راهبة تدير مدرسة ليتهجّم عليها وعلى المؤسّسات، هذا كلّه بالإضافة إلى الهجمات المتتابعة على الزعماء واستسهال اتّهامهم بالعمالة، وهدر دمهم عبر التهديدات العلنيّة والمباشرة.
وأضافت المصادر "إلى أن أتت الحملة الكبيرة على البطريرك بهذا الحجم، فأفاضت الكأس، وخصوصاً أنّ البطريرك لم يهن أحداً بكلامه وهو تكلّم عن الصينيّة أو عن فلس الأرملة، وهذا ما يرتقي إلى أعلى درجات النبل، واستدعت ردوداً عليها بمستواها، وعاد ليرتفع الخطاب التقسيميّ الطائفيّ في ظرف لا يحتمل هذا النوع من الصراعات بالذات".
وفي المعلومات أيضاً أنّ تحرّكات سياسيّة وشعبيّة كان يتمّ التجهيز لها للتحرّك الأحد المقبل نحو بكركي رفضاً لما يجري، وهو ما لم توافق بكركي عليه، إذ في رأيها أنّ هذه الأيّام هي للتعاضد والصلاة والتواصل وليس للانشقاق والخلاف، إلّا أنّه في المقابل بدا هناك إصرار على تحرّك عدد من المجموعات.
هذا الجوّ استدعى اتّصالات واسعة قامت بها قيادات "الثنائيّ" مع البطريركيّة وبعض الشخصيّات المسيحيّة، أدّت إلى تهدئة الأجواء، وتمّ الاتفاق على تطويق الأمر كلّ من جهته، وهذا الأمر أدّى إلى موقف شخصيّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، مشيراً إلى "إنّ دعوة غبطته لدعم النازحين تعبّر عن موقف رساليّ وطنيّ جامع، مستنكراً الحملة التي تعرّض لها عن سوء فهم ليس إلّا".
وفي موقف نادر أصدر مسؤول الملفّ المسيحيّ في "حزب الله" محمّد الخنسا بياناً تبرّأ فيه من جميع الحملات على بكركي، على الرغم من أنّ ناشطي "حزب الله" هم من بدأوا بها، كاشفاً عن اتّصالات ولقاءات بين الجهتين بشكل دائم.
كما أنّ هذه الاتّصالات لم تقتصر فقط على الثنائيّ، بل شملت أيضاً دار الفتوى، لضبط بعض خطابات المشايخ، التي ذهبت بعيداً، وهو ما حدث بالفعل، وبدأوا يتحدّثون بخطاب انفتاحيّ.
هذه البيانات كانت كافية لتهدئة الأجواء المحتقنة، مع الإبقاء على رفض عدم فتح الصرح للمواقف المستنكرة أو المتضامنة، والاتّفاق على العمل لضبط هذه السجالات وإبراز مساحات التلاقي في الأيّام المقبلة، وتلافي ما حدث للانطلاق نحو صفحة جديدة يحتاجها لبنان في هذه الفترة العصيبة.