لا تألو المعارضة جهداً لترتيب البيت الداخلي وشدّ أواصر تماسكها، إدراكاً منها لنوعية المواجهة واستثنائيّة الخصم.
بميزان القوة، تمتلك القوى المعارِضة حالياً قوّة دفع تخوّلها مقارعة "حزب الله"، رأساً برأس، بفضل "التوازن السلبي" الذي يحكم المعادلة بين الفريقين، في الوقت الذي ينبغي فيه التنبّه إلى أنّ للحزب وسائل أخرى، تعطيه الأفضليّة أحياناً لتحقيق المبتغى، إنْ عبر وسائل الترغيب، وهو ما بادر إليه من خلال لقاءات منفردة مع عدد من النواب بعرضه إغراءات مالية ومكاسب سلطوية، وإن عبر الترهيب السياسي والتعطيل، وهو ما درج على فعله أخيراً، خصوصاً نحو حليفه جبران باسيل؛ فحمّل أقلامه الصحافيّة رسائل مبطّنة نحو ميرنا الشالوحي، لتطرح معادلة إمّا الضاحية وإمّا معراب، رافعاً سقف المواجهة ليضع حليفه المسيحيّ أمام خيار، لن يكون أيسره سقوط اتفاق مار مخايل بشكل نهائيّ، بل الوصول إلى رفع غطاء "الحزب" الكلّي عن باسيل. وآخر هذه الرسائل، حملها الثنائيّ معاً، عبر النائبين علي حسن خليل ومحمد رعد، اللذين استبقا أيّ إعلان رسمي من قبل "المعارضة – التيار" بتبنّي جهاز أزعور، بـ"شيطنة" هذا الترشيح وتكفيره.
شكّل إعلان رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" محمد رعد أنّ "المرشح الذي يُتداول باسمه هو مرشح مناورة مهمّته مواجهة ترشيح من دعمناه، وإسقاطه"، بمثابة انقلاب على العملية الديموقراطية وعلى الدستور، خصوصاً بعد أشهر على مطالبتهم المعارضة بالاتفاق على مرشح فردٍ، لخوض الانتخابات به وفتح باب المجلس. وهو جاء في توقيته، لعدّة أسباب:
أولاً، شعور "حزب الله" بحرج كبير بعدما تسارعت عملية التوصل إلى تفاهم بين قوى المعارضة و"التيار الوطني الحر"، وتوجّسه من إمكانية نشوء معادلة باسيل – جعجع، أو باسيل - المعارضة.
ثانياً، حملت سطور إعلان "الثنائي" تهديداً ورسالة سياسية مفخخة على طاولة ميرنا الشالوحي، أو اللقلوق، لا فرق، صاعقها بيد الضاحية، وهي لن تتوانى عن تفجيرها طالما أنّ رئيس "التيار الوطني الحرّ" لامس الخطوط الحمر.
ثالثاً، إعلان الثنائيّ خطتهما، والمعادلة التي كرّساها أمس، كانت بما لا يقبل الشك، إمّا سليمان فرنجية وإمّا الفوضى.
رابعاً، تحويل جهاد أزعور إلى مرشّح تحدّ في مواجهة "حزب الله" و"أمل" وصولاً إلى شيطنته، باعتباره "ممثل الخضوع والإذعان والاستسلام"، بعدما لم يأخذ بنصيحة الرئيس نبيه بري خلال "الكزدورة" "روح شوف طريقك"، وبعدما لم يستمع إلى نصائح محمد رعد الذي التقاه أكثر من مرّة.
خامساً، يتأكّد من إعلان "المحور الممانع" أنّ معايير فتح أبواب البرلمان غير متحققة حتى اللحظة، وهي مُحكمة على "ساعة" رئيس المجلس والسيّد نصرالله، واختصرها محمد رعد بقوله "نريد تفاهماً وطنياً وشراكة حقيقية تحفظ البلد الذي نحرص عليه لا مرشحي "بدل ضائع"، في حين أن التعليمات الخارجية كانت توجّه البعض في لبنان الذين يملكون الوقاحة اللازمة للتصريح علناً برفضهم وصول مرشّح للممانعة، في مقابل رضاهم بوصول ممثل الخضوع والإذعان والاستسلام".
ولا يُفهم من هذا الكلام إلّا أنّ الشراكة الحقيقيّة بقاموس "الحزب" و"الحركة" هو خضوع اللاعبين السياسيين لمطلبهم بتبنّي مرشّحهم، وإلّا فالصلاة والسلام على الدستور والقانون والعملية الديموقراطية برمّتها.
تأزّم "الحزب"... وباسيل بيضة القبّان؟
يُجمع المراقبون على أنّ "حزب الله" ليس في أحسن أحواله اليوم، ولو حاول تغطية ذلك، بطلّة لأمينه العام من هنا، وبتسويق إعلامي لمرشّحه من هناك، أو مناورة عسكرية في الموازاة، لخّصها الكاتب إلياس الزغبي بثلاث كلمات "مناورة لزوم المأزوم"، التي أتت ردّاً على دعوة البيان الختاميّ لمؤتمر قمة الجامعة العربية في جدّة لإنهاء وجود الميليشيات المسلّحة في الدول العربية، وعلى بندٍ مماثلٍ ورد في الاتفاق الذي وُقّع بين السعودية وإيران برعاية الصين.
من هنا، لا يستطيع "حزب الله"، بحسب مراقبين، أن يفرّط بمرشحه "الطبيعي" وخسارة موقع رئاسة الجمهورية في لبنان، وسط قراءة سياسية تُفيد بأنّ رياح تداعيات اتفاق بيجينغ بين السعودية وإيران لن تلفح لبنان في القريب العاجل، فهناك سوريا والعراق بعد اليمن، ولبنان قد لا يكون أولوية حالياً، ممّا يمكّن "الحزب" من الاستفادة من عامل الوقت للاستمرار بالمناورات السياسية أو غير السياسية، لمحاولة فرض مرشّحه وأجندته، فيما تترقّب القوى المعارِضة موقف النائب جبران باسيل، وجرأته على تبنّي جهاد أزعور، وهو أمر سيظهر في الساعات أو الأيام القليلة المقبلة؛ وإنْ حصل، فسسيُسجّل لباسيل سابقة في سيرته السياسية، ليس كبيضة القبّان الرئاسية، بل كحليف قطع "الحبل السرّي" للسيد نصرالله رئاسيّاً، إذ لو تبنّى باسيل أزعور تبقى بعض المواقف ضبابية ومنها موقف التقدمي الاشتراكي، وإمكانية اقتراعه لأزعور من دون موافقة "الثنائي الشيعي"، ما يطرح علامات استفهام بشأن قدرة أزعور على تأمين الـ65 صوتاً، بغياب كتلة جنبلاط وبعض نواب التغييريين والمستقلين وغيرهم.
وفق هذه المعطيات، يصمد اللاعبون السياسيون كافة حالياً على حافة الهاوية. وبانتظار أن تتكشّف توازنات جديدة في الأيام المقبلة، يذهب مراقبون بعيداً إلى الاعتقاد بأن مهلة 15 حزيران سقطت، وأن لا رئيس في المدى القريب، بل نحن دخلنا مرحلة جديدة، بعد إعلان الثنائي أمس، مرحلة الفراغ الطويل الأمد، ومعادلات جديدة، ستكون مفتوحة على كلّ الخيارات، ضمنها الأمني، فنكون أمام واقعين: إمّا خلط الأوراق والدخول في عملية تحديث للنظام، وإما رئيس جمهورية "على الساخن"، جرت العادة في مثل هذه الحالات أن يكون "قائد الجيش".