النهار

في الذكرى الـ80 للاستقلال... أيّ دور للجيش بغياب القرار اللبناني؟
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
في الذكرى الـ80 للاستقلال... أيّ دور للجيش بغياب القرار اللبناني؟
عنصر في الجيش اللبناني.
A+   A-
في الذكرى الثمانين للاستقلال، وفي خضم الأخطار المحدقة بالبلد من الجنوب وصولاً إلى العمق اللبناني، يتمسك اللبنانيون بالجيش اللبناني ويراهنون على استعادة دوره ليكون القوة العسكرية الوحيدة في البلد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وغالبية اللبنانيين يعملون ليكون القرار العسكري للجيش الشرعي وحده والقرار السياسي للدولة الشرعية وحدها.
 
يُعبّر مشهد الجنوب عن واقع الاستقلال الفعلي الذي يعيشه لبنان منذ أكثر من عقدين من الزمن. القرارات السيادية بكاملها مُصادرة من قبل "حزب الله"، من بينها قرار السلم والحرب مع إسرائيل، المفاوضات على ترسيم الحدود البرّية والبحرية، حماية القوات الدولية أو الاعتداء عليها والتحكّم بعملها، السماح بالتعدّدية السياسية أو منعها، وغيرها من المفاصل التي يتحكّم بها الحزب وتغيب عنها الدولة.

تقر مصادر أمنية جنوبية سابقة رفيعة المستوى كانت تعمل في الجنوب أن عملها كان يتم "تحت مظلة "الحزب"، مؤكدة أن تحرّك الفصائل الفلسطينية والأحزاب المسلّحة كحركة "أمل" والحزب "القومي" في الجنوب يتم بالتنسيق مع "حزب الله" دليل.

وكما هو الحال في الجنوب، فإن مشهد السيطرة على القرار السيادي من قبل "حزب الله" ينسحب على لبنان بشكل عام، فالحزب لا يُمارس نفوذه في مناطق بيئته فحسب، بل في مختلف المناطق، وما حصل في الكحّالة قبل أشهر قليلة عند وقوع شاحنته المحمّلة بالذخائر خير دليل، وهي القضية التي تبيت في أدراج المكاتب العدلية والأمنية من دون متابعة ولا مُحاسبة.

في ظل هذه المشهدية، فإن المفارقة تكمن في غياب الجيش بشكل شبه تام حينما يكون "حزب الله" موجوداً، والمهام التي من المفترض أن تكون موكلة اليه يتسلّمها "الحزب"، مهمّشاً دور الجيش.
 
الحرب الأهلية
في بداية الحرب الأهلية، انكفأ الجيش عن أداء مهامه الوطنية، لا بل انقسم، واصطف الجنود المسيحيون والثكنات الواقعة في المنطقة الشرقية إلى جانب الجبهة اللبنانية، والعكس حصل في صفوف الجنود المسلمين في بيروت الغربية.

أما اليوم، فإن الدولة ومؤسساتها موجودة، والدعم الداخلي والخارجي للجيش متوفر، والجميع يدعو إلى تحصينه ومنحه الغطاء السياسي ليكون قادراً على التحرّك والقيام بواجباته كاملةً، وهذا غير موجود، لعدة أسباب، لعدم إقرار "حزب الله" بدور الجيش أولاً، ولوجود أجندة مختلفة لـ"الحزب" عن الأجندة اللبنانية ثانياً، ولغياب القرار السياسي اللبناني ثالثاً، ورابعاً، لوجود طبقة سياسية مرتهنة وخاضعة بالكامل لـ"الحزب"، والنتيجة وجود جيش لبناني مصادر القرار ومقيّد الحركة ومهمّش الدور.


"دولة رديفة"
أستاذ القانون الدولي والخبير الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة يقول إن "احتكار القوّة المنظمة هي إحدى وظائف الدولة الملكية الأربعة، وتعنى أن يكون ثمّة جيش واحد تحت سلطة الدولة، لا جيشان كما هو الحال اليوم، ثم احتكار الدولة للعلاقات السياسية، على أن تُحافظ على انتماء لبنان العربي، لا أن يُصبح إيراني الانتماء"، لافتاً إلى وجود "دولة رديفة" في لبنان.

وفي حديث لـ"النهار"، يُشير إلى أن "دور الجيش بدأ يتهمّش منذ اتفاق القاهرة في العام 1969، وفقد لبنان سيادته بشكل تام مع إقرار اتفاق "القاهرة 2"، أي اتفاق مار مخايل بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحرّ" في العام 2006"، معتبراً أن مشكلة السيادة والاستقلال في لبنان هي مشكلة ثقافية مجتمعية، مرتبطة بعقدة "الباب العالي" التي تحدّث عنها غسان تويني سابقاً، أي الانتماء إلى الخارج.

وعن دور الجيش في زمن الحرب وفي ظل الأحزاب الطائفية، يُتابع مسرّة: "كانت الأحزاب التي انتمت إلى الجبهة اللبنانية تُواجه القوى الفلسطينية، ومن ثم الجيش السوري، وكان الهدف استعادة سيادة لبنان"، واستذكر قولاً للأخضر الإبراهيمي يقول فيه: "تنشأ الدفاعات الذاتية عند انهيار الدولة"، وهذا ما حصل خلال الحرب الأهلية، عكس الحال اليوم، إذ إن الدولة موجودة وليست منهارة.
 
اختلاف بين المقاومتين الإسلامية والمسيحية
الكاتب السياسي جورج حايك يُشير إلى فوارق محورية بين الأمس واليوم، ويقول إن "المقاومة المسيحية" لم تهدف إلى مصادرة دور الجيش آنذاك، لأنها من بيئة مارونية تعتبر أن "الجيش حامي المسيحيين"، واضطرت هذه الأحزاب للتسلّح لأن الجيش لم يتمكّن من حمايتها، لكنها سلّمت سلاحها للدولة في العام 1990 بموجب اتفاق الطائف عندما انتفى الخطر.

ويُضيف في حديث لـ"النهار": "المشهد أمس عكس ما هو الواقع لجهة "المقاومة الإسلامية" التي تسلّحت بوجه إسرائيل حينما لم يستطع الجيش حماية الجنوبيين، لأن هذه المقاومة لم تُسلّم سلاحها للجيش بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب في العام 2000، ولم تلتزم بتطبيق القرار 1701 الذي يُسلّم الجنوب للجيش، ثم إن قرارها خارجي من إيران باعتراف قادتها".

وينطلق من قول الأخضر الإبراهيمي ليلفت إلى أن "القوات" لم تكن طرفاً إقليمياً، وسيطرت على منطقة من لبنان، عكس "حزب الله" الذي يُسيطر على مفاصل الدولة، وفي ذلك الحين كان ثمّة "خطران فلسطيني وسوري"، وكان الجيش منقسماً طائفياً، لكن اليوم ثمّة اجماع عريض على الجيش وثقة تامة به، ولا مبرّر لوجود دفاعات ذاتية، لكن الخوف من أن يكون ثمّة مشروع آخر للحزب وهو الانقلاب على الداخل.
 
"حزب الله" لا يُقيم وزناً للجيش
الخبير العسكري والاستراتيجي العميد ناجي ملاعب يُشير إلى أن "الجيش كان ممنوعاً من الدخول إلى الجنوب قبل حرب 2006 بقرار سوري، بحجة أن الجنوب كان أرض مقاومة، وكان ثمّة جيش لبنان الجنوبي المتعامل مع إسرائيل في تلك المناطق، أما وبعد الحرب، تم إرسال 12 ألف عنصر وقاموا بمهمات انتشار ودعم دون تدخّل "حزب الله"، لكن الحال تبدّل مع هيمنة الحزب".

وفي حديث لـ"النهار"، يلفت ملاعب إلى أن "الجيش يُنفذ قرارات السلطة السياسية، ولا يرسم استراتيجيته الدفاعية، بل السلطة والحكومة والهيئة العليا للدفاع هم الذين يحددون المناطق العسكرية وحالات الطوارئ ومهام الجيش على الحدود، ويقتصر دوره على تنفيذ قرارات السلطة التي تخضع لهيمنة "حزب الله" المباشرة والحديدية.

ويعتبر أن "الحزب يُطبّق شعار الجيش والشعب المقاومة بشكل معاكس، أي المقاومة والشعب والجيش، وهو يتصرّف من دون العودة إلى أي تنسيق مع الجيش أو أي تبادل للمعلومات حول الأسلحة والمخازن والأدوار، ولا تقيم اي اعتبار لأي سلطة، منفرداً بتسلّطه، وفي حادثة الكحالة كان واضحاً جداً كيف تنقل الأسلحة بين الناس وعلى الطرقات".

أما وبالنسبة للمقارنة بين المقاومتين "المسيحية والإسلامية"، يقول ملاعب "في ذلك الحين انقسم الجيش، ومعظم ثكناته في المنطقة الشرقية تعاونت مع قوى الأمر الواقع، "الكتائب" و"الأحرار"، ومن كان في الجهة الغربية سيطر على ثكنات الجيش، منهم أحمد الخطيب، وانقسم الجيش، وقيادته كانت في المنطقة الشرقية وكانت خاضعة لسيطرة وقرار الجبهة اللبنانية المسيحية".

ويستطرد: "أما اليوم، فلا انقسام في الجيش كما كان الحال مع القوى المسيحية، لكن الوضع أصعب، إذ رغم وجوده على الحدود من خلال 3 أفواج حدود برية مع سوريا، ورغم عدم جواز قتال المقاومة في سوريا، فإن "حزب الله" اجتاز الحدود ووجود الجيش، وبالتالي فإن الجيش يخضع لهيمنة تُلغي دوره".

في المحصّلة، فإن تهميش دور الجيش اليوم هدفه سياسي مرتبط بأهداف إقليمية، فالجيش قادر على الدفاع عن الأرض ومهاجمة التهديدات، وهو يُظهر كفاءة عالية في تنفيذ المهمات الموكلة إليه، لكنه ممنوع من ذلك بسبب قرار "حزب الله" الذي ما زال يُمعن في إفراغه من أدواره، ووراثة مهامه من الجنوب وصولاً إلى الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium