سلّط إقدام المُعارض الناشط السعودي علي هاشم وتهديده في تسجيل صوتي سفارة بلاده في بيروت الضوء على مجموعات من المعارضين الخليجيين، فضلاً عن يمنيين ينتمون الى "أنصار الله" حيث يقطن أكثرهم في الضاحية الجنوبية مع وجود قلة منهم في بيروت والجنوب والبقاع. وكان السفير السعودي وليد البخاري قد طلب من السلطات اللبنانية تسليم هاشم للرياض على أساس أنه مطلوب لديها مع دعوته الحكومة الى ترجمة تصريحاتها الى "أشياء ملموسة".
ويحمّل هؤلاء المعارضون السلطات في بلدانهم مسؤولية مغادرتهم وسعيهم الى اللجوء السياسي ليحافظوا على أرواحهم أولاً ورفع لواء قضيتهم لعدم تلاقيهم مع طروحات أنظمتهم وسياساتها التي أصدرت في حقهم مذكرات قضائية. ووصل الامر الى سحب جنسيات عدد لا بأس به من المعارضين في البحرين. ويُنقل عن شخصية خليجية معارضة ان هاشم المعارض للنظام في المملكة "وهذا من حقه، لكنه في المقابل يقوم بـحركات استعراضية واعلامية من دون جدوى ولا تخدم القضية التي يرفعها". ومن غير المعروف اليوم ما اذا كان يعيش في الضاحية الجنوبية او في دمشق بعد "زوبعته الاخيرة ولا تحركه أي أجندة سياسية".
وتدير مجموعات من هؤلاء المعارضين محطات اعلامية من شقق في الضاحية الجنوبية في السنوات الاخيرة، وتوجد مكاتب لعدد منها في لندن. ويشرف الحوثيون على محطات اعلامية تحمل اسماء: "المسيرة"، "الساحات"، "يمن"، "اللحظة" و"سبق". ويشغّل معارضون من البحرين محطة "اللؤلؤة"، ويدير معارضون سعوديون محطة "نبأ" وتحظى برعاية من "لقاء المعارضة في الجزيرة العربية". وتركز برامج هذه المحطات على مهاجمة انظمة بلدان الخليج وسط مطالبات للبنان بوقفها عن البثّ واتهامها بعدم حصولها على تراخيص قانونية.
ويشارك ممثلون لهذه الحركات المعارضة في مهرجانات واحتفالات لـ"حزب الله" في الضاحية والمناطق. ولا يخفي اكثر هؤلاء هوياتهم السياسية والحزبية المعارضة لسلطات بلادهم. وينشط البحرينيون في صفوف "جمعية الوفاق" (طلب وزير الداخلية بسام مولوي ترحيل الناشطين فيها) وانخراط اليمنيين في صفوف الحوثيين، ويشاركون في ادارة مؤسسات اعلامية تدافع عبر منصاتها عن القضايا والافكار التي يطرحونها والتي يحمّلون فيها السلطات السياسية والامنية في بلادهم مسؤولية إبعادهم و"تعمل على التضييق علينا وعلى عائلاتنا".
وتعلن هذه المجموعات المعارضة صراحة انها تحظى بعناية من "حزب الله" في الضاحية، لكن افرادها يجمعون على مسألة انهم لا يتدخلون في تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية وشجونها اليومية، مع تأييدهم بالطبع للمقاومة ونصرة الفلسطينيين في وجه اسرائيل.
ويؤكدون ان لبنان يشكل "الرئة" التي يتنفسون منها، ويقدّرون العيش على ارضه، وان هذه المساحة من الحرية غير متوافرة في ايّ من البلدان العربية حيث لا يواجهون اي مضايقات من أهل البلد ولا من الاجهزة الامنية اللبنانية. ويعلنون صراحة أن الحزب يشكل لهم المظلة السياسية التي توفر لهم هذه الحماية. وينفي الحوثيون انهم يتلقون اي تدريبات عسكرية في معسكرات لـ"حزب الله". ويرفض قيادي في "انصار الله" ذكر اسمه ويكتفي بالقول ان "نشاطنا في لبنان لا يتعدى الحدود الاعلامية. وما نقوم به هنا نفعله في بلدان اوروبية ودول عدة في العالم ما عدا الدول العربية مع بعض الاستثناءات في سوريا".
وتقوم هذه المجموعات من المعارضين بنشاطات سياسية لا تتخطى إطار الاعلام بغية التعبير عن الصعوبات والمعاناة التي يتعرضون لها، وحمل قضاياهم الى الخارج. ويجمعون على ان لبنان يشكل "الملاذ لنا" في التعبير عن المشاريع والافكار التي يرفعونها، والتي يقول شاب بحريني إن الهمّ الاول عنده ولدى اقرانه هو العيش في بلدهم الأمّ وتطبيق ديموقراطية حقيقية وليست صورية و"عدم التضييق علينا. ومن جهتنا لن نسكت عن قول الحق في اي بقعة كنا عليها في العالم". ولا يخفي هؤلاء علاقاتهم مع "حزب الله"، فضلاً عن مسؤولين في حركة "أمل" وحوزات ومؤسسات دينية شيعية. وتحصل عائلات بحرينية على مساعدات مالية من اقرباء لها يقيمون في اوروبا من خلال التكافل الاجتماعي. وثمة مجموعة من الشبان البحرينيين تزوجوا من فتيات لبنانيات ويشكون كلهم من غلاء المعيشة وارتفاع الايجارات في لبنان.
ويقول قيادي في "الوفاق" ان سلطات البحرين سحبت الجنسية منه وهو يتنقل في لبنان بموجب وثيقة حصل عليها من مكتب الامم المتحدة في بيروت بصفة لاجىء سياسي. ويشدد على احترامه القوانين اللبنانية وعدم تخطيها ولا يتلقى منها اي ضغوط. ويضيف ان سحب الجنسية منه "جرى خارج اطر القوانين وحقوق الانسان، ولا تقدِم الدول التي تحترم شعوبها على مثل هذه الافعال". وتم تعميم اسمه الى اسماء اخرى تسكن في لبنان وخارجه على الانتربول العربي والدولي. ويأمل في الحصول على لجوء الى بلد اوروبي, وثمة افراد من اسرته تم سجنهم ومنعهم من ممارسة وظائفهم واعمالهم "ونحن في النهاية نشكر لبنان على احتضانه لنا ولم نتجاوز الحدود التي تمنحنا اياها شرعة حقوق الانسان ومواثيق الامم المتحدة حيال اللاجئين".
وفي المعلومات ان عدد البحرينيين الذين يقيمون في لبنان لا يتجاوز العشرات، وثمة مجموعة منهم لا تملك اوراقاً ثبوتية بعد سحب الجنسية ولم يتمكن بعضهم من تسجيل مواليدهم وادخال اولادهم الى المدارس. ويستفيد عدد منهم من تجديد اقاماتهم لدى دوائر الامن العام على غرار الخليجيين كافة الذين يُسمح لهم بالاقامة في لبنان لمدة ستة اشهر متواصلة، وفي امكانهم تجديد اقاماتهم هذه بسهولة.
ويبقى لبنان الملاذ الاول للمعارضين العرب الذين لم ينقطعوا عن بيروت منذ الخمسينات الى اليوم من سوريين وعراقيين وفلسطينيين وغيرهم اتخذوا من منابرها منصات لمعارضاتهم وازعاج انظمتهم ودخلوا في ترتيب انقلابات في الكثير من المرات مستفيدين من مناخات الحرية ووسائل الاعلام غير المقيدة. وجاء اليوم دور معارضين من البحرين واليمن مع حديث عن وجود ناشطين من جبهة "البوليساريو" المناوئين للمملكة المغربية، فضلاً عن وجود أعداد كبيرة من الوجوه السورية المعارضة للنظام تقيم في بيروت والجبل والشمال.
ويبقى لبنان المتنفس لكل هؤلاء، لكن أهله لم يحافظوا عليه كما يجب!