أثار استشهاد الزميلَين فرح عمر وربيع المعماري حالة غضب واستهجان واسعة، ومعها انطلق النقاش حول مدى أهمية تغطية الخبر من أرض المعركة، وهل هناك جدوى من المخاطرة للحصول على المعلومة أو نقلها؟
بدأ النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما غرّد بعض الصحافيين والعاملين في المهنة متسائلين عما إذا كانت التغطية على الحدود لها منفعة وإفادة صحافياً؟ وهل يساعد التواجد على الحدود في الحصول على المعلومات أو الحقائق التي يتعذر الحصول عليها في منطقة بعيدة عن الاشتباكات؟
توسع النقاش واحتدم أكثر، وانقسم الجمهور كما الصحافيون إلى فريقين، وبدأت حفلة التخوين والتجريح. وبعيداً عن جوهر الفكرة أو الهواجس التي ترافق الزملاء نتيجة ما تتعرض له الطواقم الصحفية في لبنان وغزة، واستشهاد 3 زملاء لنا وهم المصور عصام عبدالله وفرح عمر وربيع المعماري بالإضافة إلى أكثر من 50 صحافياً شهداء في غزة، هل يتحمل الصحافي أو المؤسسة الإعلامية أو الجيش واليونيفل جزءاً من مسؤولية ما حدث في الجنوب مع الصحافيين؟
يؤكد وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال #زياد مكاري لـ"النهار" أنه يجري التنسيق مع اليونيفل لتحديد نقاط على أرض الواقع بهدف حماية الصحافيين خلال تغطيتهم الميدانية، كما سيجري التنسيق مع المؤسسات الإعلامية للتأكد من اتخاذ كل التدابير الضرورية ومنها التأمين الصحي للمراسلين الذين يغطون الأحداث في الجنوب".
شهدت منصة "إكس" حفلة جنون وتخوين لبعض الصحافيين الذين غردوا حول هذا الموضوع وعلى رأسهم ديما صادق ونانسي السبع ومحمد بركات وجويس عقيقي التي رأت أن المؤسسة تتحمل مسؤولية إرسال المراسلة #فرح_عمر بعد سنة فقط من عملها في المحطة. في المقابل، خرجت أصوات رافضة لهذا المنطق وأن التغطية الصحافية يجب أن تكون من أرض المعركة وأن المعتدي هو اسرائيل ويجب أن لا نخرج عن هذا السياق.
لن نخوض في غمار الجدل بل في أحقية طرح الفرضيات والتساؤلات التي يعتبر بعضها مشروعاً، وأهمها هل تتحمل المؤسسات الإعلامية مسؤولية في تأمين حماية طاقمها الصحفي، وما دور الجيش واليونيفيل في تحديد نقاط معينة لضمان سلامة المراسلين على الأرض؟
مما لا يتحمل أي تأويل أو تشكيك، تؤكد مديرة البرامج في مؤسسة مهارات ليال بهنام في حديثها لـ"النهار" أن "المعتدي هو الذي يتحمل المسؤولية والمجتمع الدولي يجب ان يعمل على إدانته لانتهاكه المعاهدات والمبادئ الدولية، وعليه الإدانة يجب أن تكون للجهة المعتدية أي إسرائيل وليس للصحافي نفسه. وتنص المعاهدات الدولية على ضرورة تحييد الصحافيين في الحروب وأماكن النزاع".
ورأت أن "من واجب الصحافي أن ينقل الخبر من مكان حدوثه، ويجب أن يكون هناك تنسيق مع القوى الأمنية في الميدان، و مع ذلك نعرف تماماً أن المعتدي أي إسرائيل لا تلتزم بالمبادئ الدولية، ويجب المطالبة بإدانتها وتصويب المطالبة على مكان واحد عوض نقل النقاش إلى مكان آخر. ولا يجب أن ننسى أن واجب الصحافي نقل وجع الناس وقصصهم وهذا جوهر عملهم ولا يمكن غضّ النظر عن هذه النقطة الأساسية".
وأشارت إلى أنها ليست المرة الأولى التي يعتدى فيها على صحافيين في جنوب لبنان برغم من أنهم يرتدون خوذة الصحافة وتواجد السيارات المسجل عليها الوسيلة الإعلامية التي ينتمون إليها. هناك استهداف واضح لهم منذ بداية الحرب، فحتى لو كان الصحافيون مدربين على الحماية إلا أن هذه التدريبات لا تنفع لأنه تم استهدافهم في مناطق ليست مناطق حرب وهم معروفون أنهم صحافيون.
من جهتها، وانطلاقاً من السؤال الأساسي هل التغطية على الحدود ضرورية ومفيدة صحافياً؟ توضح الصحافية والباحثة في مؤسسة سمير قصير وداد جربوع لـ"النهار" أن "هذا الموضوع أصبح محور نقاش بين الصحافيين بعد الاستهدافات التي طالتهم خلال التغطية في الجنوب. ومما لا شك فيه أن تغطية الصحافيين في أماكن النزاع والحروب ضرورية ولها أهميتها بشكل عام ، فهي تساعد على توفير معلومات دقيقة وموثوقة حول ما يحدث في تلك المناطق. وبالتالي الصحافي قادر على نقل كل الاعتداءات والتجاوزات التي تُسجل للجمهور كما قد تساهم في توجيه الرأي العام والتأثير على صنع القرار وتحقيق العدالة".
ونرى ذلك بوضوح خلال تغطية الصحافيين في قطاع غزة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وقد دفع كثيرون ثمن حياتهم نتيجة نقل التجاوزات والجرائم الإسرائيلية. هذه المهمة خطيرة وتدفع الصحافي إلى الاقتراب أكثر من مكان الحدث، وتحمل تحديات كثيرة ولها شروطها لتحصين الصحافي من خلال التوصيات والإرشادات اللازمة للحفاظ على سلامته وأمنه في الحرب.
وعن حدود التغطية التي يجب على الصحافي احترامها عند التغطية أثناء النزاعات؟ تشدد جربوع على أن النقطة الأساسية تتمثل بحرص الصحافي أولاً على سلامته الخاصة وتجنب المخاطر غير الضرورية والابتعاد عن مناطق القصف أو المعرضة له.
أما النقطة الثانية فترتكز على أهمية التنسيق مع الجيش واليونيفل والصليب الأحمر أي التعاون والتنسيق مع السلطات المحلية لتسهيل عمله من جهة وضمان سلامته من جهة أخرى.
وتتناول النقطة الثالثة وفق جربوع احترام الصحافي لخصوصية الأفراد خاصة في ما يتعلق بنشر صور القتلى والجرحى خصوصاً الأطفال. وأخيراً تتمثل النقطة الأخيرة في التدقيق بالمعلومات التي يجمعها الصحافي في مناطق النزاع أو الحرب، والتحقق من صحتها قبل نشرها.
من ناحية أخرى، تتحدث جربوع عن أهمية أن توفر المؤسسات الإعلامية التدريب المستمر للصحافيين حول كيفية التعامل مع المخاطر وتقييمها. وتقدم مؤسسة سمير قصير تدريبات للصحافيين في مناطق النزاع والحروب، ويجب على كل صحافي أو مصور المشاركة في مثل هذه التدريبات سواء عبر مؤسسته الإعلامية أو بشكل شخصي.
كذلك على المؤسسات الإعلامية توفير معدات الحماية كالسترات الواقية والخوذ في المناطق الخطيرة والمتنازع عليها. كما يجب توفير تأمين صحي للصحافيين في حال الطوارئ أو في حال تعرضهم للإصابة خلال أدائهم عملهم الصحافي. والأهم تغطية تأمين على حياة الصحافي وتأمين خاص للإصابات في الحروب، بالإضافة إلى تأمين دعم نفسي لهم. كذلك على المؤسسات الإعلامية عدم المخاطرة بأي من الطواقم الصحفية وفرض أي تغطية في مكان ما، من أجل الحصول على الخبر.
هل على الجيش وضع حواجز أو تحديد مناطق لحماية الصحافيين خلال تأدية عملهم؟ برأي جربوع يجب التنسيق المتواصل بين الصحافيين المتواجدين على الأرض والجيش اللبناني، ويساهم هذا التنسيق في تحديد النقاط أو المناطق التي يجب الابتعاد عنها والتي قد تعرّض حياتهم للخطر.
وتختم قائلة: "على الرغم من الاحتياطات المتخذة من قبل الصحافيين يبدو واضحاً الاستهداف الواضح والمتعمَّد لهم من قبل الجيش الإسرائيلي سواء في الجنوب اللبناني أو قطاع غزة، وتأتي كرسالة تخويف وترهيب وأحياناً كعقاب لهم بسبب عملهم".
في حين ترفض الأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية مهى زراقط الجدل الحاصل حول أهمية التغطية الصحافية، وبرأيها أن "النقطة الأساس التي يجب التركيز عليها وعدم التلهي بموضوع آخر تتمثل في ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي بحق الصحافيين في لبنان وغزة. ونعرف تماماً أنه في زمن الحرب يتحمل الطرفان المتنازعان مسؤولية حماية المدنيين والصحافيين، وعليه يجب أن لا ننسى أن المسبب الأول لعملية القتل ارتكبتها إسرائيل خصوصاً أن الصحافيين كانوا في منطقة مكشوفة ويرتدون الخوذة والسترة".
وتتوقف زراقط عند نقطة أساسية تتمثل بتوقيت طرح الجدل وماهيته، وتقول لا شيء يبرر الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق الصحافيين، هذه نقطة مهمة يجب التركيز عليها، قبل الشروع في معرفة الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل المؤسسات الإعلامية لطواقمها بالإضافة إلى الصحافي نفسه والاحتياطات التي يقوم بها خلال تغطيته الميدانية.
وتشدد زراقط على أهمية التغطية الصحافية التي نقلت الواقع الميداني في مناطق الحرب سواء في غزة أو لبنان، ولولا وجود الصحافيين لما تمّ توثيق كل هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها إسرائيل، ولما عرفنا حقيقة ما يجري. وعليه، دور الصحافي ليس هامشياً وإنما أساسي في نقل الأحداث والوقائع، وحتى لو اتخذ كل الإجراءات الوقائية تبقى واضحة الوحشية التي يتقصد الجيش الاسرائيلي ارتكابها بحق الصحافيين لحجب الحقيقة.