عندما اغتيل جبران تويني، كنت في الرابعة من عمري، ومع مرور السنوات، أصبح اسمه مألوفاً في ذهني، فمن يمكنه أن يجهل شهيد الصحافة؟ حين دخلت الجامعة، قرأت يوماً على لافتة جملة "قاعة جبران تويني"، وبدأ اسمه يتردد على ألسنة زملائي كلما سُئلنا عن قدوتنا في عالم الصحافة. بعد ذلك، دخلتُ مؤسسته، "النهار"، وعرفتُ حينها من هو جبران، الرجل الذي آمن بنبض الشباب حتى نقطة الحبر الأخيرة.
أسس جبران تويني ملحق "نهار الشباب" عام 1993 بعد عودته من باريس، بهدف منح الشباب اللبناني منبراً حراً يعبرون فيه عن آرائهم ويتحاورون من خلاله، مستخدمين الكلمة واللقاءات الدورية كوسيلة للتواصل والتفاعل.
يلفت نائب رئيس تحرير "النهار" نبيل بو منصف، إلى أنّ ملحق "نهار الشباب" كان يسعى بشكل رئيسي إلى "تحفيز الجيل الجديد للتعبير عن آرائهم"، مؤكداً أن "جبران كان يعتقد أن النهوض بالبلد يعتمد بشكل كبير على كاهل الشباب، ولذا يجب علينا أن ندرك أهميتهم كمحور حيوي في الحياة السياسية والاجتماعية والمهنية والوطنية. كان يسعى إلى تحفيزهم لكي لا يهاجروا ويتركوا وطنهم".
ويضيف أنّ "التغيير لا يأتي إلا عن طريق أيدي الشباب"، مشدداً في الوقت نفسه على أنّ ذلك "لا يقلل من قيمة الجيل القديم الذي يقدم قيماً احترافية ومهنية لا يمكن إنكارها". ويؤكد أهمية تقييم ظروف البلد، اذ تزامنت فترة عمل جبران تويني مع ظروف صعبة للحياة السياسية وقمع الحريات من قبل النظام السوري. ويرى بومنصف أن هذه الظروف أثرت على تفكير جبران وجعلته يتأكد من أن التغيير سيحدث من خلال عنصر الشباب، ويضيف: "مع أن جبران حمل أمله بالشباب بشكل كامل، إلا أنهم كانوا بحاجة ملحة للتغيير، وهم قادرون على إضافة قيمة للعمل بالتعاون مع الأجيال القديمة".
وفي هذا الصدد، يشدّد بو منصف على أنّ جبران كان يعبّر عن نبض الشباب بعفويته التي كان يتميز بها، كان يجمعهم ويقول لهم "أنتم المستقبل". وابتكر حينها "نهار الشباب" ليؤكد أن هذا الملحق مستقل عن "النهار" التقليدية، ليضمن جميع الأجيال، ونجح في أن يكون صوتاً فعّالاً يعبر عن آراء الشباب من مختلف المناطق والمشارب اللبنانية.
حرص جبران تويني وفريق عمل "نهار الشباب" على عدم حصر حالة الحوار وتفاعل الآراء بين الشباب اللبناني بصفحات الملحق، لذا شهدت فترة منتصف التسعينيات حالة فريدة من اللقاءات والنشاطات والمؤتمرات التي جمعت شباباً وشابّات من مختلف المناطق والاتجاهات السياسية، ما أثار حالة إيجابية من التفاعل الوطني و"معرفة الآخر". وجاء الإعلان التلفزيوني بشعار "تيصير الصوت يودّي" الذي يحطّم خلاله الشباب جداراً حمل كلمات الطائفية والعنصرية والمحسوبية وغيرها، ليعبّر عن هذه الروح الوطنية.
ولعلّ الحوار الشهير الذي أجراه 127 مندوباً من "نهار الشباب" مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في قاعة البرلمان، عام 1997، بعنوان "نائب ليوم واحد"، واحدٌ من أبرز هذه النشاطات الراسخة في ذاكرة أبناء "نهار الشباب".
"مشاريع جمعية نهار الشباب"
في 14 نيسان 2006، أطلقت نايلة تويني جمعية "نهار الشباب"، وهدفها: "جمع الشباب اللبناني لا على الانتقاد والرفض، بل على افكار البناء والتحديث والتطوير".
وفي حديث لـ"النهار"، يؤكد منسق المشاريع في الجمعية عياد واكيم أن "أحد أهم المشاريع التي نظمتها الجمعية كانت "حكومة الظل الشبابية" (فكرة ابتكرها جبران لكن لم يتمكن من تحقيقها)، وسعينا إلى ضمّ شباب من الجامعات لتسليمهم وزارات وهمية، من ثمّ بدأ هؤلاء ينشرون بيانات بعد كل اجتماع، وكانوا يقدمون اقتراحات للوزراء الحقيقيين ولنواب، لكن عدلنا قليلاً وأتينا بخبراء لمناقشة تعديل قوانين مع الوزراء الحقيقيين، وتمكنوا من تنفيذ 6 إلى 7 مشاريع بنجاح".
ويلفت واكيم الى أن "حكومة الظل الشبابية" استمرت لخمس سنوات، "وفي كلّ سنة تتغير الأسماء كي لا يطمعوا بالمقاعد".
وعن المشاريع الأخرى تحدث عن فكرة "هايد بارك"، التي بدأها جبران منذ بدايات "نهار الشباب" لتخصيص مساحة للشباب للتعبير عن آرائهم وجمعهم سوياً لحوار سياسي، وكانوا يجتمعون في ساحة الشهداء. بعد ذلك، تم تعديل الفكرة وانتقلت من الصفحات المطبوعة إلى مناطق مختلفة في لبنان لمناقشة مواضيع متنوعة. ويؤكد واكيم أن "جميع المشاريع كانت تخدم فلسفة جبران وروحيته، التي تركز على التجنيد الفكري والثقافي للشباب لتحضيرهم للمشاركة في الحياة السياسية بعد تحريرهم من الانتماءات التقليدية".
من جهتها، وصفت الصحافية التي عملت سابقاً في نهار الشباب ألين فرح، جبران بأنه "كان حامياً لرؤى الشباب وتطلعاتهم، ويؤمن بمستقبلهم ويعمل جاهداً لجعلهم جزءاً فعّالاً في الساحة السياسية. وأضافت سكرتيرة التحرير السابقة في "نهار الشباب": "كان يرى أنه بوسعهم بناء وطن، والابتعاد عن الحروب والحواجز الطائفية، وأراد أن يفتح الحدود للشباب، وهذا ما نجحنا في تحقيقه وشهدنا نتائج غير متوقعة. كان يحمل رؤية فريدة لمستقبل الوطن".
وأشارت فرح إلى أن اغتيال جبران "كان أمراً صعباً للغاية لم نتقبله بسهولة، وشعرنا أن الحياة اسودّت، ولكننا واصلنا الرسالة لأننا آمنّا بأن جبران لم يمت، ورسالته كذلك".