أقرّ مجلس النواب رفع سنّ التقاعد لقادة الأجهزة الأمنيّة برتبة لواء وعماد لمدّة سنة واحدة، ويكون هذا الاقتراح شمل قائد الجيش الحاليّ العماد جوزف عون بالإضافة إلى مدير عام قوى الأمن الداخليّ اللواء عماد عثمان بشكل خاصّ، إضافة إلى قادة الأجهزة وأعضاء المجلس العسكريّ الذين يحملون رتبة لواء ولا زالوا في الخدمة العسكرية.
الجولة الثانية من الجلسة التشريعية، تصحّ تسميتها جلسة فقدان الثقة بامتياز، إذ لم تبدّد الاتفاقات السياسية المعقودة والتي دفعت بحزب "القوات اللبنانية" إلى المشاركة في الجلستين المخاوف من فخّ قد يحضّر ويفضي بالنهاية إلى فقدان النصاب.
بدا من الواضح ألّا أحد يكترث إلى مشاريع القوانين المطروحة على الرغم من أهمية بعضها، فانتفت المناقشات التي كانت تشعل الجلسات وتفصّل المواد ولم تلحظ الجلسة، سوى القليل حيث ناقش نواب حركة "أمل" بعض مشاريع القوانين، وحرصوا على إعطاء أهمية للمواد التشريعية، فيما التزمت "القوات اللبنانية" الصمت المطبق، وحتى أثناء مناقشة قانون استقلالية القضاء المُتبنّى من النائب جورج عدوان، ومناداة رئيس مجلس النواب له لإبداء رأيه، فرفض الكلام مؤكّداً أنّهم صامتون حتى الوصول إلى بند التمديد، ما يؤشر إلى أنّ الجميع ينتظر بنداً واحداً فقط وغير مهتمّ بباقي التفاصيل.
هذا في الداخل، أمّا في الخارج فكان الوضع مختلفاً، فهناك مجموعة من النواب مؤلفة من كتل الكتائب و "تجدّد" و كتلة "تحالف التغيير" المنشأة حديثاً وتضمّ النواب ميشال دويهي ووضّاح الصادق ومارك ضو، بالإضافة إلى بعض النواب المستقلين، متأهبة لمواجهة أيّ طارئ يمكن أن يفقد الجلسة التشريعية نصابها قبل الوصول إلى البند المرجوّ، وكانت الأعين جميعها على نوّاب "حزب الله" الذين بدأوا في الانسحاب واحداً تلو الآخر من دون حلفائهم من جمعية "المشاريع الخيرية الإسلامية" والنواب فيصل كرامي وحيدر ناصر الذين بقوا في الجلسة، هذا الانسحاب دفع بالنواب في الخارج إلى الدخول مباشرة إلى الجلسة، فكان كلّ نائب يخرج يدخل مباشرة مكانه نائب معارض، وهكذا دواليك حتى احتلّ 10 نواب معارضين أماكن المنسحبين وأبقوا على الجلسة مكتملة النصاب.
كانت العين على كتلة نوّاب "المردة" التي في البداية لم ينسحب أيّ من أعضائها، وعندما حاول النائب وليام طوق الخروج لقضاء حاجة أوقفته ابنة عمّه النائبة ستريدا جعجع وأمّنت له مكاناً إلى جانبها، إلاّ أنّه أكّد أنّ خروجه لبرهة واحدة فقط، وهو سيعود ليشارك، ما لبث أن عاد وبقي مع نوّاب كتلته حتّى انتهاء
التصويت مؤيّداً.
وبعد الارتياح لتأمين النصاب طرح برّي المشاريع المعجّلة المكرّرة للمناقشة، فتنازلت "القوات" عن مشروعها، بالإضافة إلى الحزب التقدّمي الاشتراكي الذي تنازل أيضاً لصالح مشروع قانون مقدّم من كتلة "الاعتدال الوطنيّ" والنائبين عماد الحوت وبلال الحشيمي، والذي يقضي بتمديد سنّ التقاعد إلى كافّة الرتب من عماد ولواء لمدّة سنة، وهنا تحولت الجلسة إلى جلسة خطابات شعبويّة تشيد بالجيش ودوره وأهميّته وضرورة الحفاظ على المؤسسة، ما دفع برّي إلى التدخّل قائلاً: "كلّ اللبنانيين من دون استثناء هم مع الجيش اللبنانيّ ولا أحد يزايد على الآخر، نعم الصلاحية كانت للحكومة أولاً وثانيًا وثالثًا ورابعًا والمجلس لا يستطيع سوى القيام بدوره في هذا المجال. نحن قادمون على فترة أعياد وعطل قد تمتدّ لـ 15 يوماً، وما لم نقم بهذا العمل اليوم نخشى أن ندخل في الفراغ".
بدوره برّر رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل حضوره الجلسة مشيراً: "إلى أنّ حزبه ضدّ التمديد بالمطلق. ولكن عندما لا تكون هناك إمكانية للتعيين فلا خيار آخر لاستمرارية المؤسسة العسكرية بكلّ ما تمثّل، إلّا من خلال تأجيل تسريح القائد."
أضاف: "كان يجب على الحكومة أن تقوم بالواجب انطلاقاً من مسؤولياتها بتأمين المرفق العام. وبالتالي، المسؤولية الأولى على مجلس الوزراء. ولكن كما عطّلوا الرئاسة عطّلوا مجلس الوزراء، وطارت جلسة اليوم وأصبح الأمن القومي بخطر". وأردف: "كان الخطر بتفكيك المؤسسة العسكرية، لذلك قمنا باستثناء كبير وأتينا إلى الجلسة لمنع الفراغ في مؤسسة الجيش وتأمين حماية الأمن القومي". تابع: "اليوم أعتبر أننا حمينا لبنان بآخر نفس. ومن الضروريّ أكثر من أيّ وقت مضى أن يفهم الجميع أن لا لبنان من دون دولة". وأردف: "قيادة الجيش مرّت ولن نتمكّن من اتخاذ قرارات من دون رأس".
ورداً على سؤال قال: "لو كان جبران باسيل حريصًا على المؤسسة العسكرية لكان أمّن استمرارية المؤسسة من خلال تأجيل التسريح عبر وزير الدفاع".
أمّا أمين سرّ كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب هادي أبو الحسن، فقد أشار إلى أنه "رغم أهمية ما جرى اليوم في خصوص التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، لكنّه يبقى ناقصاً، على أن يُستكمل في جلسة مجلس الوزراء المقبلة مع تعيين رئيس أركان ومجلس عسكريّ".
وقبل طرح الاقتراح على التصويت، هاجم نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب النواب، ولم يستبعد من هجومه الرئيس برّي، واصفاً ما جرى بالمعجزة، وفي إمكان النواب تحقيقها كما جرى اليوم، سائلاً لماذا لا يقومون بمعجزة ثانية والاجتماع لانتخاب رئيس طالما أنّ هناك توافقاً بين الأغلبية المطلقة؟
وشدّد بو صعب على أنّ الناس لم تعد تصدّق النواب عن عدم إمكان انتخاب رئيس بعد اجتماعهم اليوم، داعياً "القوات" من دون أن يسمّيها إلى "ردّ الإجر" لبرّي والاتفاق على انتخاب رئيس".
وختم بو صعب مداخلته بالتوجّه بالتهنئة لـ"القوات اللبنانية" التي اعتمدت استراتيجية ذكية جدّاً وفازت فيها".
بعدها طرح الرئيس برّي اقتراح كتلة الاعتدال على التصويت، فتمّ إقراره مع اعتراض النائب جهاد الصمد.
وفي المحصّلة بدا رئيس مجلس النواب الرابح الأكبر ممّا جرى بعد استدعاء الجميع إلى التشريع وإعطاء مشروعية لكافة القوانين السابقة، إضافة إلى إرضاء بكركي والحفاظ على العلاقة معها، بالإضافة إلى إعطائه ربحاً لـ"القوات"، كما أعادت المعارضة صورتها الجامعة بعد خلافات عصفت بها الأسبوع الماضي على خلفيات حضور الجلسة التشريعية.
أمّا "حزب الله" وعلى الرغم من الحديث عن عدم "مونته" على حلفائه في هذا الموضوع، إلّا أنّ لعبة توزيع الأدوار بدت واضحة، وهو في الأصل لم يعلن يوماً موقفاً معارضاً للتمديد، فأرضى النواب الحزبيّون رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" جبران باسيل فيما أمنّ حلفاؤه النصاب للتمديد، وانتهت الحكاية على خسارة جسيمة مُنِيَ بها باسيل، فهو فشل في منع التمديد للعماد عون، وخسر "الشيء الأسمى والأبعد وهو الصورة التاريخية لـ"التيّار العونيّ" كداعم دائم للجيش.
الصور بعدسة الزميل نبيل اسماعيل: