بعدما أقفلت كلّ السبل لإيجاد حلّ لقيادة الجيش، ونتيجة الضغط الثلاثي الذي جاء من بكركي والأحزاب المارونية والدول الغربية الداعمة، وصل الإستبلشمنت اللبناني إلى تحقيق التمديد لقائد الجيش جوزاف عون لمدّة عام.
الحدث بحدّ ذاته أضاف إلى "التيار الوطني الحرّ" مزيداً من الإخفاقات، وخسارة للنائب جبران باسيل، قد تكون فصولها أكثر من عادية ولا يُستعاض عنها بالمكاسب السلطوية، خصوصاً إذا ما وصل جوزاف عون إلى سدّة الرئاسة، وشكّل عنصر جذب للممتعضين من داخل "التيار الوطني الحر" وأنصاره.
والتمديد لقائد الجيش خرج بعدة نتائج، وطرح جملة تحدّيات بعدّة اتّجاهات:
أوّلاً، قد يكون التمديد لجوزاف عون أبعد الفراغ عن المؤسسة العسكرية، وأي انقسام أمنيّ يمكن أن يهدّد الوضع الداخلي، لكنّه بالتأكيد لن يُجنّب الداخل أيّ انقسامات حادّة ومؤثّرة.
ثانياً، حقق التمديد انتصاراً باتجاهين؛ أزالت مؤسسة الحكم عن كاهلها نقمة مارونية كبيرة، نتائجها السياسية والشعبية لم يكن أحد ليستطيع حسابها وتحمّلها، وأُعطي الفريق الماروني المتمثل ببكركي وبالأغلبية المارونية والمسيحية جرعة طمأنة، بعدما بات هناك شبه قناعة باستهداف ممنهج للمواقع المارونية في الدولة.
ثالثاً، تم إضفاء الصبغة الوطنية على فعل التمديد، إن من خلال موافقة المكونات اللبنانية كافة عليه، وإن من خلال بقاء نواب كتلة التنمية والتحرير واستمرار الرئيس نبيه بري في إدارة الجلسة بعدما تم تغطية النصاب من قبل نواب المعارضة الذين كانوا على شرفة قاعة المجلس.
رابعاً، وفيما عمّق التمديد لقائد الجيش الخلاف الماروني-الماروني، وهو ما سنرى تجلياته في المرحلة المقبلة، أظهر تقاطعاً مارونياً-شيعياً بعباءة سنية ودرزية، عماده "القوات" – "أمل". علماً بأن "حزب الله" الذي حاول إفقاد الجلسة التشريعية نصابها بعد سقوط الجلسة الحكومية، لم يستخدم لا سطوته السياسية ولا سوطه لمنع التمديد، بما بدا أنّه أمر منسّق مسبقاً مع عين التينة.
خامساً، أفشل التمديد تحقيق حلم باسيل بإقصاء جوزاف عون وإبعاده من حلبة السباق الرئاسي.
سادساً، قد يكون التمديد وضع المعارضة واستراتيجيتها الرئاسية في دائرة خطر طرح مسألة التوازنات النيابية والتقاطعات السياسية رئاسياً، والخوف من أن يردّ النائب جبران باسيل "الصاع صاعين" بالخروج عن التقاطع مع قوى المعارضة.
سابعاً، ستؤكّد الأيام المقبلة بما لا يقبل الشكّ في أنّ جوزاف عون هو المرشح الرئاسيّ الأقوى، والتقاطعات عليه غير مستبعدة في مرحلة محفوفة بالتحدّيات الأمنية والمخاطر الانقسامية والحروب. ومن جهة ثانية، مَن يدري، فقد يتحوّل اسم جوزاف عون إلى إحدى الأوراق الاستراتيجية بالنسبة إلى المعارضة لتحييد مرشّح "حزب الله".
ثامناً، ولو من باب تأكيد المؤكّد، أعاد رئيس المجلس جزئياً هيبته التي سحبتها منه المعارضة منذ انتخابات أيار 2022 حتى اليوم، وتحديداً "القوات اللبنانية"، بشلّها المجلس النيابي وإبقائه هيئة ناخبة لا هيئة تشريعية، على الرغم من الاستثناء الذي حصل الأربعاء الفائت. كذلك أعاد التأكيد أنّ إبقاء قنوات التواصل معه مفتوحة ضروريّ ومفيد لكلّ الأطراف السياسية والحزبية.
كل هذه المعطيات لا تعني أن الانتصار الذي حقّقته "القوات اللبنانية" مع قوى المعارضة الأخرى للجيش أمراً يُبنى عليه، لأنّ أموراً كثيرة تبقى عالقة وناقصة، وهي تبقى رهن التطورات في المنطقة وما ستُنتجه حرب غزة تحديداً، فضلاً عن أنّ الوقوف عند رأي سيّد بكركي لا يعني أن المواقع المارونية لم تعد مستهدفة، بل يبقى الأساس أن يستكمل الرئيس بري عمله بتحديد موعد جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية. من هنا، قد يكون من المنطقي القول إن التمديد لقائد الجيش جوزاف عون سيفتح معركة رئاسة الجمهورية من جديد بعد خمودها منذ عملية 7 تشرين الأول الفائت.
وإن صحّ ما يتم تداوله بشأن التسويات التي تحاك في مطابخ الدول، فقد لا يكون عندها أمراً مستبعداً تعديلُ الدستور لمرة واحدة فقط من أجل انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية.