بعدما نجحت SpaceX في إطلاق 6 أقمار اصطناعية لـ"ستارلينك" للاتصال المباشر بين القمر الصناعي والجهاز الخليوي (وفق ما أوردت "النهار" الاسبوع الماضي)، أعلن "إيلون ماسك" في تغريدة له على منصة X صباح الأربعاء الماضي أن ذلك لن يشكل تنافساً مع المشغّلين الارضيين، وذلك في محاولة لطمأنة مختلف اللاعبين في قطاع الإتصالات من مستثمرين ومشغّلين وهيئات ناظمة وحكومات.
ومعلوم أن "ستارلينك" تقدم خدماتها إما مباشرة في بلد ما، وإما من خلال شراكة مع مشغلين محليين، وثمة شراكات قائمة حتى تاريخه بين "ستارلينك" ومشغلين في كل من الولايات المتحدة الأميركية وكندا وتشيلي وأوستراليا ونيوزيلندا واليابان والسويد.
في لبنان، يقول وزير الإتصالات جوني قرم إنه فاوض "ستارلينك" على تقديم خدماتها مباشرة من خلال قيام الشركة بتأسيس شركة محلية ISP ووضع مركز hub في لبنان، من دون مفاوضة الشركة في موضوع الشراكة. لكن مصادر متابعة تعتبر أن هذا الامر لا يفي بتاتا بمتطلبات السوق اللبنانية من جهة، والمتطلبات الأمنية من جهة أخرى، وذلك نظراً الى اهمية السوق اللبنانية كونها سوقاً "خام" لجهة عدم التغطية الكبيرة لخدمات الألياف البصرية لدى "أوجيرو" وعدم وجود شبكات الجيل الخامس لدى "ألفا" و"تاتش". اما من الناحية الأمنية، فعمل "ستارلينك" يختلف عن بقية مشغلي الـISP، إذ ان المحطة الأرضية لشبكة "ستارلينك" هي في الوقت عينه البوابة (الـgateway ) التي تتصل بشبكة الإنترنت العالمية، وتاليا طالما هذه المحطة الأرضية لا تتواجد في لبنان لا يمكن للجهات الأمنية الحصول على كامل المعلومات المطلوبة وفق القانون، إذ إن محطات "ستارلينك" الأرضية تغطي مساحات واسعة تصل الى 1500 كيلومتر، اي في إمكان محطتين أن تغطيا جميع بلدان الشرق الاوسط، كما ان جودة الاتصال تتأثر في حال البُعد عن المحطة الأرضية، وثمة حاجة دائمة للشركة الى زيادة عدد المحطات الأرضية توازياً مع زيادة عدد المشتركين. وفي حال عدم وجود محطة أرضية في بلد ما يتم تحويل حركة البيانات routing traffic عبر ما يسمى نقاط تواجد PoP Points of Presence، وتاليا فإن هذه الـ PoP مختلفة تماما عن الـ hub للمشغّلISP، فيما لا يفي الـ PoP بحاجات الجهات الأمنية لتطبيق القوانين الملزمة لكشف الجرائم.
أما لجهة المنافسة، فمن الواضح أن "ستارلينك" لا تستطيع المنافسة في خدمتها الاساسية في البلدان التي تنتشر فيها شبكات الالياف البصرية والجيل الخامس للخليوي، ولكن في لبنان الموضوع مختلف تماما، والسوق اللبنانية هي سوق "خام" بالنسبة الى "ستارلينك" خصوصا ان الاسعار متقاربة مع خدمات "أوجيرو" لشرائح السرعة الفائقة للإنترنت، لذا لا بد من الدخول في شراكة بين "أوجيرو" و"ستارلينك" لخدمات الاخيرة الاساسية.
كذلك، استغربت المصادر "كيف تفاوض وزارة الاتصالات شركة "ستارلينك" لجهة سعر الرخصة بمبلغ مليون دولار أو 500 ألف دولار" على حد قول الوزير القرم، "وطريقة فرض رسم بقيمة 30 دولارا لكل مشترك فوق تعرفة الشركة التي هي بحدود الـ 100 دولار، ليصبح المشترك ملزما بدفع 130 دولارا شهريا، اذ هذا لا يعتبر تفاوضاً مع شركة إطلاقا، كون التفاوض مع شركة ما يتطلب التنازل من الشركة عن بعض مكاسبها وليس التفاوض مع الشركة من جيب المستهلك، وهذا الإجراء يعتبر فرض ضريبة على المشترك بطريقة تعسفية".
وتضيف المصادر: "ليس بهذه الطريقة تدار الأمور، بل على وزارة الاتصالات التفاوض لشراكة كاملة مع "ستارلينك" على غرار مشغلين عالميين في مختلف الدول مثل تشيلي وكندا ونيوزيلندا وسويسرا والسويد وغيرها".
أما لجهة خدمات "ستارلينك" المباشرة مع جهاز الخليوي، فستقوم الشركة بإجراء شراكات مع المشغلين في مختلف الدول كمرحلة أولى لتأمين هذه الخدمة، وستشمل في المرحلة الأولى الرسائل القصيرة ومن ثم الاتصال الهاتفي وخدمة الانترنت، إلا ان ذلك لا يمنع من أن تقوم "ستارلينك" بنفسها بتقديم خدماتها لاحقا بما قد يشكل منافسة كبيرة للمشغلين في مختلف دول العالم.
المشكلة الحقيقية في لبنان، وفق ما تقول المصادر عينها، هي أنه "لا توجد خطة استراتيجية لقطاع الإتصالات. فالوزارة تعمل على القطعة وتقرر فقط بما يتم عرضه عليها. وهنا تختلط الأمور على صاحب القرار، خصوصا متى يمكن للشراكة مع القطاع الخاص أن تكون مفيدة ومتى تكون عبئا وتأتي من غير منفعة للدولة، بل لمصلحة ربحية القطاع الخاص على حساب خزينة الدولة". في قطاع الخليوي على سبيل المثال، إن ما تقرره شركتا الخليوي بالاتفاق مع مستشاري الوزير يصار الى عرضه على الأخير ويتم العمل به وفق ما ورد من شركتي الخليوي من دون أي اعتراض، فالوزير غالبا ما يتبنى الرأي الصادر عن الشركتين، والمثال الفاضح هنا ما قررته شركتا الخليوي لجهة عدم إمكانهما تقديم خدمة المحفظة المالية e-wallet بنفسيهما، وهما في حاجة الى شراكة مع القطاع الخاص لتقديم الخدمة. وقد تبنّى الوزير قرار شركتي الخليوي وواجه به هيئة الشراء العام التي اقترحت أن تقدم الشركتان هذه الخدمة مباشرة كما هو حاصل مع معظم مشغّلي الخليوي في العالم. فالشراكة مع شركات خاصة لتقديم خدمة المحفظة المالية ليست لمصلحة الخزينة، ويمكن تقديمها مباشرة من شركتي الخليوي، تماما بعكس الشراكة المباشرة بين "أوجيرو" و"ستارلينك" من دون وسيط.
وتختم المصادر بالقول: "ربما ما تحتاجه وزارة الاتصالات فريق عمل كفوء من مستشارين مجردين عن المصالح الخاصة، يقدمون الاستشارة البنّاءة للوزير، وغير محسوبين على فئات معينة تراعي مصالح الشركات الخاصة على حساب المصلحة العامة وخزينة الدولة".