قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: " لا نريد أن يتحمّل لبنان وشعبه وزر أوطان وشعوب أُخرى، يجب أن نتمسّك بالقرار 1701، وتجنيب لبنان واللبنانيّين بالحكمة وضبط النفس الدخول في حرب إسرائيل على غزّة، فها أهل بلدات الجنوب يعانون من وزر هذه الحرب قتلًا، وتدمير منازل وإتلاف بساتين وتهجيرًا".
وأضاف في عظة عيد الغطاس: "نحن لا نكفّ عن المطالبة بكلّ إمكانيّتنا ولدى جميع الدول والمراجع الرسميّة بحقّ الشعب الفلسطينيّ بأن يرجع إلى أرضه، ويعيش في دولة خاصّة به. ومعلوم أنّ هذه الوسيلة أجدى من الحرب والقتل والدمار والتهجير والتشتت على الطرقات والجوع والقهر والحرمان.
وإنّنا نطالب مع كلّ ذوي الإرادات الحسنة إيقاف النار والحرب، والبدء بإيجاد الحلول بالمفاوضات الديبلوماسيّة".
وتابع: "نطالب بعدم توريط البلدات الحدوديّة ولبنان وشعبه في امتداد هذه الحرب.
ونذكّر بأنّ قرار الحرب والسلم يعود حصرًا إلى الحكومة بثلثي أعضائها وفقًا للدستور (المادّة 65) نظرًا لخطورة كلّ حرب في عواقبها الوخيمة".
وأشار الراعي إلى أنّ "الكنيسة تحتفل اليوم بعيد معموديّة يسوع بوجهيها: الوجه الأوّل، ظهور يسوع في ألوهيّته، ويُسمّى بحسب اللفظة السريانيّة "الدِنْح". الوجه الثاني، نزول يسوع في ماء نهر الأردنّ وقبوله المعموديّة من يوحنّا، ويُسمّى "الغطاس".
ويسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بمؤسّسةL’Œuvre d’Orient والمؤسّسات، والشبيبة والأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصّة، وطلّاب المدارس وإداراتها، شبيبة كاريتاس، شبيبة البطريركية، الذين أحيوا "اليوم العالميّ للفقير" الأحد 19 تشرين الثاني الماضي، في هذا الكرسيّ البطريركيّ. وقد شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخصًا. صلّينا معًا، وعشنا جمال التضامن معًا، وأطلقنا صرخة إلى المسؤولين معًا، وتناولنا مائدة المحبّة معًا".
وأردف "يسعدنا أن نحتفل معًا بهذا العيد الذي نختتم به الأعياد الميلاديّة ونعود إلى بيوتنا حاملين بركة الماء المقدّس الذي يتمّ تكريسه في هذه الليتورجيا الإلهيّة، ذاكرين أن الربّ يسوع بنزوله إلى نهر الأردنّ ليعتمد على يد يوحنّا، قدّس مياهه.
وقال: "عيد الدنح هو ظهور يسوع في ألوهيّته حاملًا رسالة الخلاص لجميع الشعوب وبدون حدود. إنّه سرّ الميلاد نفسه الذي أعلنه الملاك لرعاة بيت لحم كبشرى فرح للعالم كلّه، لأنّه عيد ميلاد المخلّص لجميع الناس (لو 2: 10-11)، وكنور سطع في ظلمات العالم. كان المسيحيّون يعيّدون الميلاد والدنح معًا في 6 يناير، وما زالت بعض الكنائس تحافظ على هذا التقليد، مثل الأقباط الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس وسواهم. أمّا الكنيسة الكاثوليكيّة ففصلت الميلاد عن الدنح، وجعلته في 25 كانون الأوّل ليحلّ مكان إله "الشمس" الوثنيّ، ليكون المسيح هو شمس العالم الجديد".
وأضاف: "لقد تنبّأ آشعيا على إشراقة هذا النور على أورشليم المظلمة، ومن خلالها على العالم كلّه: "قومي استنيري فإنّ مجد الربّ أشرق عليكِ. ها إنّ الظلمة تُغطّي الأرض ... ولكن عليكِ يشرق الربّ وعليكِ يتراءى مجده. فتسير الأمم في نورك" (أش 60: 1-3). تختصّ نبوءة أشعيا بأورشليم الجديدة التي هي الكنيسة. إنّها مدعوّة بكلِّ أبنائها وبناتها ومؤسّساتها ليقبلوا هذا النور بالإيمان، ويحملونه إلى الآخرين بالمحبّة، وشهادة الحياة وإعلان الإنجيل. نور الربّ أقوى من كلّ ظلمات الحياة الشخصيّة والعامّة، وأقوى من ظلمات الحقد والبغض والكبرياء والغطرسة المؤدّية إلى الحروب والنزاعات، لأنّه نور كلمة الإنجيل الداعية إلى الأخوّة والسلام، ونور شهادة الحياة".
وأكّد أنّ "عيد معموديّة يسوع يذكّرنا بمعموديّتنا، فنعود بإدراك إلى مواعيدها، وإلى ما أجرت فينا يوم قبلناها. لقد أحدثت فينا الولادة الجديدة من الماء والروح القدس. ففيما يُغطّس الجسد في الماء ثلاث مرّات، يغطِّس الروح القدس النفس في المسيح، لكي تنال مغفرة الخطايا، وتسطع بالنور الإلهيّ. ولهذا كان يُدعى المعمّدون "بالمستنيرين". بفعل الروح القدس، تجعلنا مياه المعموديّة نغوص في موت المسيح المخلّص وقيامته، فنُغرق في جرن المعموديّة الإنسان القديم الـمُسيطرة عليه الخطيئة التي تفصله عن الله، ويلدنا الروح القدس إنسانًا جديدًا (البابا فرنسيس).
النزول إلى الماء ثلاث مرّات يرمز إلى بقاء المسيح في القبر ثلاثة أيّام، وإلى المشاركة في موته (روم 6: 3)، ويعني الموت عن الإنسان العتيق مع كلّ خطاياه وشهواته. أمّا الصعود من الماء فيرمز إلى قيامة المسيح، ويعني الولادة الجديدة بإنسان النعمة كأبناء الله، وكأعضاء في جسد المسيح السرّيّ، الذي هو الكنيسة".
وقال: "بظهور بنوّة يسوع الإلهيّة، ظهر أيضًا الله الواحد في طبيعته والمثلّث الأقانيم: الآب والإبن والروح القدس: الآب بالصوت، والإبن بشخص يسوع، والروح القدس بشبه جسم حمامة، كـما يروي لوقا الإنجيليّ: " ولـمّا إعتمد يسوع وفيما يصلّي، انفتحت السماوات، وهبط عليه الروح القدس بشبه جسم حمامة، وإذا صوت من السماء يقول:"أنت ابني الحبيب بك سُررت"" (لو3: 21-22). ليسوا ثلاثة آلهة، بل إله واحد بثلاثة أقانيم (أشخاص). فكلّ شخص يمتلك كلّ الطبيعة الإلهيّة. عندما نقول: "الله محبّة"، نقول أيضًا: الآب محبّة، والإبن محبّة، والروح القدس محبّة.
على صورة الإله الواحد والثالوث خُلقنا. رسالتنا شدّ أواصر الوحدة في تنوّعنا. الوحدة مسؤوليّة وضعها الله على عاتق كلّ إنسان. ولا يحقّ لأحد تفكيك أواصر هذه الوحدة. بالنسبة إلينا نحن المسيحيّين نحمل أجمل رسالة وهي بناء الوحدة. الهدم سهل وتكفيه كلمة واحدة هدّامة، أمّا البناء فصعب لأنّه يقتضي أن يكون في قلب كلّ واحد منّا المحبّة واحترام الآخر والإحتمال والصبر وطول البال وعلى الأخصّ التجرّد والتواضع والوداعة".
وتابع: "هذه القيم الروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة ضروريّة لدى كلّ إنسان، لكي تسلم الحياة الزوجيّة والعائليّة، والحياة في المجتمع، والحياة في الوطن. فلو وُجدت حقًّا لدى السياسيّين ورؤساء الكتل النيابيّة والنوّاب عندنا في لبنان، ولو كان ولاؤهم لهذا الوطن دون سواه، لكانوا عاشوا هذه الوحدة من أجل لبنان، ولكانوا انتخبوا رئيسًا للجمهوريّة بموعده الدستوريّ، ولحرصوا على انتظام المجلس النيابيّ والحكومة، ولكشفوا عن نواياهم السليمة، إذا كانت كذلك".
وختم قائلاً: "فلنصلِّ إلى الله، أيّها الإخوة والأخوات، في عيد النور كي يُشرق بنوره على العقول والقلوب والضمائر، فيعيش الجميع على ضوء النور الإلهيّ، نور الحقيقة والمحبّة والعدالة والسلام، فنرفع المجد والشكر إليك، أيّها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبدن آمين".