مع وصول السفيرة الاميركية الجديدة ليز جونسون الى بيروت اليوم الخميس، تتجه الأنظار مجدداً الى السياسة الأميركية حيال لبنان في توقيتٍ حساسٍ ودقيق نسبة الى تطورات المنطقة، وتحديداً الحرب على غزة، ثم ربطاً بأوضاع لبنان التي تتفاقم سوءاً نتيجة استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى على مدى نحو 15 شهراً، وما يخلّفه ذلك من أزمات تطاول عدم معالجة الانهيار الاقتصادي وسوء أداء المؤسسات على كل المستويات.
ومما لا شك فيه ان السفيرة الاميركية ستجد أن لبنان قد تغير كثيراً عما كان عليه، عندما كانت هي ديبلوماسية في السفارة في عوكر ما بين عامي 2002 و2004 ولم يعد كما كان في تلك المرحلة. وهي تتسلم مهمتها كقائمة بالأعمال بسبب عدم تقديمها أوراق اعتمادها الى رئيس شغر منصبه، مدركة لهذا الواقع. وسيظهر الوقت ما اذا كانت لديها صلاحيات أوسع من تلك التي حملتها سلفها السفيرة دوروثي شيا، أم أن صلاحياتهما متشابهة.
مع الإشارة الى ان أداء أي سفيرة في بيروت سيكون بمثابة ترجمة للتوازن في توزيع الادوار الذي تقوم به الادارة بين المسؤولين الأميركيين بالنسبة الى تولّي شؤون لبنان والمنطقة. وتتسلم السفيرة الجديدة منصبها على وقْع تطورات مرتقبة في المنطقة وانعكاساتها على لبنان، لاسيما في مجال مستقبل التعاطي مع "حزب الله" في ضوء التحول في مقاربته للطلبات الدولية منه غداة حرب غزة. كما تتسلم منصبها على وقْع ان ملف رئاسة لبنان لا يبدو أولوية محلية ولا خارجية في الظرف الراهن. في حين تخترق محاولات الموفد الرئاسي الاميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين المشهد للعب دور حدودي جديد، انطلاقًا من عوامل التهدئة القائمة والتي يعتبرها أساسية في مهمته.
انما الأكيد، بحسب مصادر ديبلوماسية غربية لـ"النهار"، أن السفيرة جونسون ستبلور سياسة بلادها حيال لبنان والتي باتت مرتبطة بسياستها إزاء المنطقة أكثر من أي وقت مضى. لكنها ستبدأ بالتركيز على ما يأتي:
- أولاً: إعادة التأكيد على حماية لبنان من أي حرب قد تندلع بالتزامن مع الحرب الاسرائيلية على غزة. والأولوية الأميركية حيال لبنان حالياً هي عدم توسع هذه الحرب لتشمل لبنان، لذلك تبذل الادارة الاميركية ما في وسعها لاستمرار الهدوء حيث تكمن مصلحتها في استمراره. وهذا المسعى تحمله السفيرة، فضلاً عن هوكشتاين، حيث العمل لضبط الأوضاع وعدم تمددها الى لبنان، لأن الادارة تعتبر أن تمددها الى لبنان سيُحدث حرباً اقليمية تشمل العراق واليمن. ولا مصلحة لديها بتوسيعها الا اذا خرج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن توجه الادارة الاميركية. وتسعى واشنطن الى فتح المجال أمام الحوار حول التهدئة والحدود البرية من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري أو مقربين منه مثل نائبه الياس بو صعب. ولا شيء يمنع اعتماد الاسلوب نفسه في التوسط حول الحدود البرية على غرار الحدود البحرية، لكن توقيت بلورة الأمور غير واضح بعد.
- ثانياً: التشديد على القرار 1701 وتنفيذه. وستحمل جونسون تمسكاً أميركياً بهذا القرار الذي تعتبر ادارة الرئيس بايدن أن لا بديل عنه ولا خروج منه. وحتى الآن ترى واشنطن أن الوضع في الجنوب على رغم ما يحصل لا يزال ضمن انضباطية معينة، الأمر الذي ترتاح اليه واشنطن.
- ثالثاً: ان الجهود الاميركية نجحت في ثني لبنان عن تصعيد الموقف بالنسبة الى اغتيال اسرائيل لنائب رئيس حركة "حماس" صالح العاروري، حيث تبلّغ أن واشنطن لم تكن على علم بالعملية. كما انه بالنسبة إليها لم تستهدف اي لبناني، ولا حتى "حزب الله"، وانه يجب وضعها في اطارها الضيق فقط، اي اطار الحرب الإسرائيلية على غزة واغتيال احد قادة "حماس"، الامر الذي لا يوجب ردة فعل لبنانية حول خرق السيادة حيث ان لبنان غير مستهدف بكافة مكوناته.
- رابعاً: ستبلغ السفيرة رسائل مفادها أن دعم الجيش يمثل أولوية أميركية. مع الإشارة الى أن بعض الاطراف داخل الكونغرس تعتقد أن دعمه لا يوصل الى اي نتيجة بسبب سلاح "حزب الله". في حين أن أطرافاً أخرى تدعم استمرار واشنطن في دعم الجيش تجنباً لانعكاسات إضعافه على كل المستويات، وخوفاً من ان يلجأ العسكر الى الانضواء تحت راية الميليشيات إما الموجودة وإما التي قد تنشأ. والأكيد ان دعم الجيش لن يتوقف. قد يتوقف دفع رواتب العسكريين، لكن المرجح في حال حصل ذلك أن يتأمن عبر دولة خليجية.
- خامساً: ستشدد على وجوب وجود رئيس للجمهورية في أسرع وقت وحكومة فاعلة وتعاون جدي مع صندوق النقد الدولي لحل مشاكل لبنان الاقتصادية.
وستبحث السفيرة جونسون في لقاءاتها مع المسؤولين اللبنانيين والقيادات السياسية في هذه العناوين، وعدم تقديمها أوراق اعتمادها حتى الآن لن يحول دون قيامها بتحركاتها الديبلوماسية المنتظرة.