النهار

تجدّد الكباش بين "التيّار" و"مراسيم الحكومة"... فهل كسب ميقاتي جولة ويستعدّ للثانية؟
المصدر: "النهار"
تجدّد الكباش بين "التيّار" و"مراسيم الحكومة"... فهل كسب ميقاتي جولة ويستعدّ للثانية؟
ميقاتي.
A+   A-
استعاد الاشتباك بين "التيار الوطني الحر" ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي زخمه نهاية العام بعد فترة مهادنة تخللها نشر مراسيم جلسة الحكومة التي عُقدت في 5 كانون الأول. السجال المتجدّد افتتحه "التيار" موجّهاً اتهامات غير مسبوقة في شكلها ومضمونها لرئيس حكومة تصريف الأعمال، ما استدعى رداً من الأخير. الى ذلك تتراكم أسباب عقد جلسة للحكومة ومن أبرزها تمويل استيراد الفيول لمؤسسة الكهرباء، فهل يستعاد سيناريو 5 كانون الأول؟
سلك مرسوم المساعدات للعسكريين طريقه للتنفيذ بالصيغة التي أقرّتها حكومة تصريف الأعمال في 5 كانون الأول مع إدخال تعديلات أرادها وزير الدفاع الوطني موريس سليم، وتم توقيع المرسوم وفقاً للصيغة التي اعتمدتها الحكومة بما فيها التوقيع المزدوج لميقاتي بصفتيه.

ودخلت المواجهة بين ميقاتي والنائب جبران باسيل أشواطاً متقدمة ولا سيما بعد تراجع عدد الوزراء الذين سبق أن أعلنوا مقاطعتهم الجلسة الحكومية من 9 الى 8 وزراء.

يصف متابعون ما حدث بأنه أشبه بسحب رئيس الحكومة "الاحتياط" من الفريق المحسوب على باسيل وبالتالي أكمل المبارزة بحسب ما كان معداً سابقاً.

فالجلسة الحكومية لن تكون يتيمة على ما يبدو ما دام الشغور في سدة الرئاسة مستمراً حتى اتفاق الأطراف المعنيين على مرشح أو وصول دعم خارجي وازن لهذا المرشح أو ذاك، وإن كان الخارج غير مكترث أو على الاقل غير مهتم بما يجري خارج دائرة الصراع الدولي المحتدم ولا سيما بين روسيا والغرب.

أما الأسباب التي دفعت ميقاتي لعقد الجلسة الشهيرة، أي الضرورة، فعودة الاستعانة بها متاحة ما دامت البلاد تعيش في خضم الأزمات المتدحرجة، وعلى سبيل المثال لا الحصر أشارت وزارة المال الى أن دفع سلفة خزينة لوزارة الطاقة لتأمين الكهرباء 4 ساعات بحاجة الى مرسوم وبالتالي يجب عقد جلسة.

ويعتقد متابعون للشأن الحكومي أن ميقاتي سيستمر في تسيير أمور الدولة بعيداً عن النكايات والتحديات، وأن كل ما أشيع قبل الفراغ الرئاسي والحديث عن فوضى دستورية وسياسية لم ينعكس حتى اليوم في الترجمة العملية، والدليل صدور المراسيم وسلوكها الطريق للتنفيذ. أما عن مصير تلك المراسيم فيجيبون "هناك جهات قضائية مختصّة ويمكن الاحتكام إليها، لأن رئيس الحكومة لن يخالف القانون أو الدستور ويمارس صلاحياته ضمن الأصول".

لم تشهد العلاقة بين "التيار الوطني" والحكومات استقراراً طويل الأمد، ولكن المشهد الذي رُسم في جلسة 5 كانون بين وزير الشؤون الاجتماعية هكتور الحجار ورئيس الحكومة يعيد الى الأذهان مشهداً مماثلاً كان في 9 تموز 2015، وأوجه الشبه كثيرة ويومها اتهم باسيل رئيس الحكومة السابق تمام سلام بالتعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية ومخالفة بنود في المادة 53 من الدستور، الأمر الذي رفضه سلام واستخدم أسلوباً حاداً في الرد على باسيل. والفارق بين المشهدين أن الثاني كان تحت رقابة عدسات الكاميرات مع تسريبات حينها أن بعض الصحافيين كانوا على علم مسبق بما سيحدث ولذلك استطاعوا نقل السجال بالصوت والصورة لاحقاً.

لكن النتيجة في عام 2015 لم تفض الى تراجع رئيس الحكومة وإن كان اختار 3 صيغ لتوقيع المراسيم وتضمّنت توقيع رئيس الحكومة والوزراء المختصّين، ومن ثم توقيع وزراء من مختلف الكتل السياسية وما بينهما كان اعتماد توقيع الوزراء الـ24.

تلك المواجهة داخل السرايا الحكومية تُرجمت بتحركات ميدانية للتيار البرتقالي تخللتها صدامات محدودة مع القوى الأمنية لم توفر نواباً من التيار.

وإن كان التباين بين "التيار الوطني" والحكومات بسبب طريقة ممارستها لصلاحيات رئيس الجمهورية، فإن الاشتباك السياسي استمر مع حكومات لا تمارس تلك الصلاحيات ومنها حكومة الرئيس سعد الحريري، وتمظهر ذلك الاشتباك من خلال امتناع أكثر من ثلث الوزراء عن المشاركة في جلسة حكومية ربطاً بتداعيات حوادث قبرشمون في تموز 2019، وحينها كانت تجربة الثلث المعطل للمرة الأولى في عهد الرئيس السابق ميشال عون.

في المحصلة فإن حالات عدم الاستقرار بين "التيار" والحكومات ليست مستجدة وأحياناً انتقلت المواجهة الى الشارع، والملاحظ أن التيار كان في معظم الأحيان يخوض المواجهة منفرداً قبل أن يسانده حليفه الأساسي وإن كان الأخير يقدّم علاقة التحالف على الحسابات السياسية المعقدة.

لكن في المقابل لا يبدو أن ميقاتي في وارد التراجع عن "المضيّ قدماً في ممارسة الصلاحيات وفق الأصول الدستورية".

بمعنى آخر، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال سيدعو إلى جلسة حكومية كلما اقتضت الضرورة ذلك وبهدف تسيير أمور الدولة بعيداً من المناكفات ولا سيما أن الأزمات تضغط بنحو مروّع على لبنان مع استمرار التباعد بين الأطراف السياسيين وعدم وجود أي قواسم مشتركة تفضي للاتفاق على إنهاء الشغور في سدة الرئاسة. فكيف سيكون المشهد مطلع العام المقبل؟


اقرأ في النهار Premium