يتحدّث "التيّار الوطنيّ الحرّ" منذ بداية السنة عن مسار تجديديّ سيكون أساس عمله في المرحلة المقبلة.
التجديد بحسب ما تذكر مصادر في "التيّار" ينطلق مع تغيّرات داخليّة، وإعطاء الأفضليّة له من خلال ورشة تنظيميّة جديدة تركّز على الشباب، بعد "النكسات" التي تعرّض لها في السنوات الأخيرة. ومسار سياسيّ متجدّد ومتحرّر عن الاعتبارات السابقة، وخصوصاً في تقرير خياراته السياسيّة، بالإضافة إلى العمل على ترميم علاقاته الخارجيّة التي تعرّضت أيضاً إلى تراجع كبير.
وعلى المستوى الداخليّ، يجري العمل على ضبط الاختلافات التي بدأت تظهر إلى العلن بشكل كبير في الكتلة النيابيّة والمجلس السياسيّ والمركزيّ، إضافة إلى الاختلاف في الآراء إلى حدّ التناقض بين ناشطي "التيّار" على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ما جعل الناس أو المؤيّدين في حالة ضياع.
في القيادة سيستمرّ العمل بما بوشر به بعد الانتخابات النيابيّة وقبل بداية السنة، من عمليّة ضبط واتّخاذ إجراءات عقابيّة قاسية في حقّ مَن يخرج عن قرارات الحزب أو عن خيارات رئيسه التي أعطته الانتخابات الحزبيّة دفعاً كبيراً، واستطاع من خلالها بسط سيطرته على المجالس التقريريّة للحزب، وسيستمرّ مسار الطرد يلاحق كلّ مخالف مهما بلغت رتبته وتاريخه ونضاله، وكان آخره قرار فصل النائب السابق نبيل نقولا لدفاعه وتأييده التمديد لقائد الجيش، ليلتحق بالنائبَين السابقَين زياد أسود وماريو عون.
وفي إطلالته الأخيرة، كشف رئيس "التيّار" عن طرد الآلاف من الحزب لعدم التزامهم، بالإضافة إلى قرار اتّخذ في حقّ أحد النواب لعدم التزامه بقرار "التيّار" في جلسة حزيران وعدم اقتراعه لجهاد أزعور، وإبقاء ملفّ نائب آخر مفتوحاً، وبدا واضحاً أنّ المقصود الأوّل النائب الياس بو صعب، بينما الثاني فهو النائب ألان عون.
وبشّر باسيل باستمرار هذه العمليّة، معتبراً أنّ في "التيّار" مساحة ديمقراطيّة واسعة، والنقاش مفتوح على كلّ القضايا، لكن متى اتُّخذ القرار فعلى الجميع السير به، أي بصريح العبارة يسمح النقاش في الداخل ولكن أيّ قرار خلافيّ يُحسم بالتصويت على الجميع السير به وإلاّ الطرد.
أمّا الشقّ الثاني داخليّاً فهو "الشباب" والطلاب، وهم عصب أيّ حزب، فبرأي القيادة الحزبيّة أنّه منذ الانتخابات شهد "التيّار" عودة شبابيّة جيّدة، وعلى الرغم من كلّ ما يُقال فإنّ الانتخابات الطالبيّة في معظم الجامعات شهدت تقدّماً نسبة إلى السنوات الأخيرة التي لحقت حركة 17 تشرين.
لا يزال "التيّار" يعتبر أنّه تعرّض لهجمة بهدف القضاء عليه في 17 تشرين، وهي أثّرت في الجيل الجديد بشكل كبير، لكنّه في الـ2024 تخطّاها وعاد إلى مرحلة الصعود، وهذا القطاع بالذات سيشّكل أولوية للقيادة الجديدة، وقد بدأت بعض الإجراءات في هذا الشأن وتمّ تعيين المجلس الأعلى للشباب برئاسة باسيل ويضمّ عدداً من المسؤولين ونوّاب لجنة الشباب والرياضة والتربية ومسؤولين من المناطق كافّة.
قضية الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ أيضاً سيكون لها حيّزاً مع القيادة الجديدة ومحاولة توحيد الخطاب قدر الإمكان مع الاعتراف بأنّ هذا صعب جدّاً، وخصوصاً أنّ "التيّار" ليس حزباً عقائديّاً صلباً، وبالتالي إنّ مناصريه وأفراده هم خليط من التوجهات الأيديولوجية المختلفة وربما المتناقضة، وهو يجمع الفكرين اليساري واليمينيّ، والعمل سيكون على التعاطي مع هذا الأمر من ناحية تقريب وجهات النظر مع الحفاظ على مساحات الحرية من دون أن تؤدّي إلى خطابين يضيّعا الناس.
هذا على المستوى الداخلي أمّا على المستوى السياسي، فما بدأه رئيس "التيّار" من انفتاح على الأطراف قبيل بدء الحرب سيستمرّ العمل به، وسيعمل على أساس أنّه متفلّت من أيّ التزام سابق، وسيتعاطى مع الجميع على الملفّ أو على القطعة من دون عقد.
أمّا بالنسبة إلى التفاهم مع "حزب الله"، فبنظرهم التفاهم قد تهشّم كثيراً، إلّا أنّ هذا الأمر لا يعني أنّ هناك خصومة مع الحزب، لكن الخلافات لا زالت كبيرة، وتقتصر العلاقات حالياً على أقلّ درجة تواصل، ولم تشهد سوى اتّصال معايدة من معاون أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله الحاج حسين خليل بعد ما كان التواصل محصوراً بوفيق صفا، كما لم يطرأ أيّ شيء بالنسبة إلى المواقف من انتخاب رئيس جمهورية وتمسّك "حزب الله" بمرشّحه حتّى النهاية، إضافة إلى الخلاف المستجدّ حول قضية غزّة، بحيث أنّ ورقة التفاهم لم تشمل عملية تحرير فلسطين، إضافة إلى الخلافات الأساسية في ملفّ بناء الدولة والشراكة وقضية الحكومة، ما يؤكّد أنّ الحزب غير مهتمّ بمجاراتنا، وبالتالي لا عداء ولا تحالف، بل التقاء على القطعة.
الشأن المسيحي أساسيّ أيضاً لدى "التيّار" ورغم كلّ الاختلافات والهجومات بدأ باسيل سنته برسائل إيجابية في اتّجاه الجميع وليس "لدينا مع أيٍّ كان "قوّات" أو "كتائب" أو "مردة" رفض للآخر، وهذا غير مقبول لا أخلاقيّاً أو سياسيّاً في حقّ مجتمعنا". ويرى أنّ التفاهم على الثوابت أساسيّ جدّاً بين الجميع، وأنّه لا يجوز للمسيحيين بمختلف أطيافهم البقاء خارج الحكم في لبنان.
وفي هذا الإطار وبحسب المعلومات، فالاتصالات مع "القوّات" لم تنقطع، وهناك تواصل عبر أحد النوّاب، والخطّ لم يُقفل، ويجري نقاش في بعض القضايا، أمّا مع الكتائب وباقي أطراف المعارضة فالاجتماعات توقّفت قبل الحرب، ولكن لا شيء يمنع عودتها، وقناة التواصل التي كانت في لقاءات الصيفي لا زالت جاهزة للتواصل مرّة أخرى.
خارجيّاً أيضاً، يجري العمل على ترميم العلاقات وخصوصاً مع دول الخليج، وبالذات مع المملكة العربيّة السعوديّة، وسيسمع الجميع عن مبادرة معيّنة تجاه المملكة سيكون لها أثر إيجابيّ، وما يجري على صعيد الدول العربيّة أيضاً يعمل عليه مع دول أوروبيّة وحتّى مع الولايات المتّحدة الأميركيّة، ولكن كلّها ضمن سياق زمنيّ طويل، ولن يتحقّق شيء في القريب العاجل.