النهار

قراءة في أزمة المدارس الخاصّة
(أرشيفية)
A+   A-
يُجمع اللبنانيّون على أهميّة التعليم الخاصّ في لبنان، ولا حاجة في هذا المجال لسرد الأسباب والدوافع، وفي الوقت عينه لا يختلفون على أنّ المدارس الخاصّة ومنذ بداية الأزمة الاقتصاديّة مروراً بـ"كورونا" وعدد لا يُستهان به من الظروف الاستثنائيّة، تمرّ بظروف دقيقة أرخت بصعوبتها على الأهالي والأساتذة، ما أطلق العنان للعبة شدّ حبال، نشهد حاليّاً إحدى جولاتها الدسمة، نظراً إلى ارتباطها بقانون صادر عن السلطة التشريعية. 
 
وبعيداً من شدّ الحبال ونتائجه، ما يخافه اللبنانيون حالياً هو بعض علامات الاستفهام التي تُرسم حول مستقبل التعليم الخاص، لاسيّما أنّ الأزمات المتلاحقة فتحت بعض الإشكاليات التي كان يمكن التعامل معها بسرعة ومرونة في مراحل سابقة.
 
وهذا الأمر يخافه اللبنانيون لارتباطه مباشرة بمستقبل أولادهم، فبعد خسارتهم المدرسة الرسمية التي لم تتمكّن من تأمين سقف لأولادهم، إلّا في حالات نادرة وقليلة جدّاً، كحال "مدرسة راشيل إده" الرسمية في شمال لبنان، أصبحوا قلقين على مصير التعليم الخاص، وفي الوقت نفسه قلقين على حال شريحة واسعة من الأساتذة المتقاعدين الذين وجدوا أنفسهم برفقة حفنة من الليرات " لا بتقدّم ولا بتأخر".

ما المشكلة اليوم بين المدارس الخاصّة والأساتذة؟
 
المشكلة الحالية بين أساتذة التعليم الخاصّ ومدارسهم انطلقت منذ إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عدم نشره القانون الذي أقرّه مجلس النوّاب في جلسته الأخيرة التي عُقدت في 15 كانون الأوّل 2023، المتعلّق بتعديل بعض أحكام قوانين مرتبطة بالهيئة التعليمية في المدارس الخاصّة، وبتنظيم الموازنة المدرسيّة.
والقانون المُشار إليه أعدّه الوزير السابق زياد بارود بطلب من نقابة الأساتذة في التعليم الخاصّ.
ولبّ المشكلة في القانون ما يتعلّق بصندوق التعويضات الخاصّ بأساتذة التعليم الخاصّ الذي يُشرف عليه مجلس إدارة صندوق التعويضات المؤلّف من المؤسّسات التربوية والنقابة والوزارة.
وهذا الصندوق بتعبير بسيط هو الخزنة التي يلجأ إليها الأستاذ للحصول على تعويض يليق به ويحفظ كرامته ويقدّم له حيّزاً يمكّنه من تأمين متطلّباته الطبّية والمعيشية بعد تقاعده.
المشكلة اليوم هي أنّه في ظلّ غياب فوائد المصارف، بات الصندوق غير قادر على تلبية احتياجات الأساتذة، لذلك يتمّ حصر معاش الأستاذ المتقاعد بين مليون و200 ألف ليرة لبنانية و3 ملايين كحدّ أقسى.
إذاً تبرز المعضلة في تمويل هذا الصندوق، وهي لا تطال الأساتذة المتقاعدين فحسب إنّما من هم في الخدمة الفعليّة أيضاً.
ولإيجاد التمويل اللازم لهذا الصندوق، ووفقاً للقانون الصادر عن مجلس النوّاب وغير المنشور في الجريدة الرسمية، تقوم الدولة بتأمين  مبلغ 650 ملياراً لدعم هذا الصندوق.
يُلزم الأساتذة المتعاقدون بدفع نسبة 8 في المئة من رواتبهم للصندوق بالليرة اللبنانية.
يدفع الأساتذة الثابتون في التعليم الخاصّ نسبة 8 في المئة من رواتبهم بدلاً من 6 في المئة للصندوق وبالليرة اللبنانية.
تدفع المدارس نسبة 8 في المئة من رواتب الأساتذة للصندوق بالليرة اللبنانية بدلاً من 6 في المئة، ونسبة 8 في المئة أخرى بالدولار الأميركيّ.
ويلزم القانون المدارس بتسديد المطلوب منها حتى تتمكّن من الحصول على براءة ذمّة، وهذا ما لم يكن ملزِماً للمدارس سابقاً.
 
الأساتذة في التعليم الخاصّ وافقوا على البنود المشار إليها، وهم في الأساس مَن أعدّ مشروع القانون، في حين أنّ المدارس كان لها تحفّظاتها التي أدّت، وبعد تدخّل مباشر من بعض المرجعيّات، إلى وقف نشر القانون في الجريدة الرسميّة.
 
مشكلة المدارس الأساسية مع القانون هو اعتبارها أنّ نسبة 8 في المئة المحدّدة غير واضحة وغير مكتملة، إذ انّ هناك تفاوتاً في رواتب الأساتذة بين مدرسة وأخرى لأسباب عديدة، وبالتالي كيف يمكن تحديد هذه النسبة أي الـ 8 في المئة.
بعد تجميد القانون وعدم نشره، كاد أن يتمّ الاتّفاق بين المدارس والأساتذة على توحيد الرواتب عند رقم معيّن ما يوحّد نسبة الـ8 في المئة، لكنّ هذا لم يحصل.
كما تمّ الاتّفاق على بروتوكول يقضي بإعطاء الأساتذة المتقاعدين 6 معاشات بالليرة اللبنانية.
وينصّ البروتوكول أيضاً على أن تقوم المدارس بدفع مليون ليرة لبنانية عن كلّ طالب بغضّ النظر عن قسطه السنويّ لصندوق التعويضات.
اتّحاد المدارس، وقبيل التوقيع على البروتوكول أعلن أنّه في حاجة إلى المزيد من الوقت لدراسته والتعمّق به. لم يخفِ أنّ لديه مجموعة من الاعتراضات منها مبلغ المليون ليرة الذي يمثّل البدل عن كلّ تلميذ.
أمام هذه الخطوة، توجّهت نقابة الأساتذة إلى إعلان الإضراب العامّ بصورة مباشرة، إلّا أنّ وساطة قادها وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عبّاس الحلبي بين الأساتذة والمدارس بطلب من بكركي، أدّت إلى تريّث الأساتذة وتأجيل إضرابهم إلى الثلثاء المقبل.
 
المدارس لا يمكن أن تقوم مقام الدولة لكنّها تتعامل بإيجابيّة

 ترغب المدارس الخاصة في الوصول إلى حلّ يؤمّن مصلحة مختلف الأطراف دون استثناء.
في هذا السياق، شدّد الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة الأب يوسف نصر في حديث مع "النهار" على أن "لا اعتراضات جوهرية تقدّمها المدارس في ما يتعلّق بميثاق الشرف الذي تمّ إعداده، إنّما هناك مجموعة من الملاحظات في الشكل لا بدّ من متابعتها ودراستها، فنحن جدّيّون في تعاطينا مع هذا الملفّ، ولا يمكن أن نقاربه إلّا بمسؤولية مطلقة".
وأكّد نصر أنّ "أسئلة حول البروتوكول ستوجّهها المدارس إلى وزارة التربية متعلّقة ببعض النقاط، ودائماً في الشكل لا في الجوهر، وتوجيه الأسئلة سيتمّ خلال اليومين المقبلين، ما يتيح الفرصة أمامنا للتوقيع على البروتوكول بعد ظهر يوم الاثنين المقبل، هذا طبعاً إن تيسّرت كلّ الأمور وتمكّنّا من إنهاء دراستنا المعمّقة للنقاط الـ7 الواردة فيه".
الأمين العام للمدارس الكاثوليكيّة، إذ لا ينفي الواقع الصعب والمرير المتعلّق بالأساتذة المتقاعدين، يشير إلى أنّ "المدارس ستتعامل معهم من الباب الإنسانيّ والأخلاقيّ، وذلك ليس من باب الرضوخ أمام أيّ ضغوطات، إنّما من رغبتنا في الوقوف إلى جانب الأساتذة المتقاعدين".
ويختم نصر مؤكّدا أنّه "لا يمكن للمدارس الخاصّة أن تقوم مقام الدولة، فنحن لسنا المسؤولين عن تدهور سعر الليرة اللبنانيّة، ولسنا المسؤولين عن الحالة الصعبة التي خلقها هذا التدهور في صفوف شريحة واسعة من اللبنانيين".

ماذا عن الخطوات المقبلة: إضراب أو لا إضراب؟
 
مصادر متابعة أكّدت لـ"النهار" أنّ "أيّ جهة من الجهات المعنيّة أي الأساتذة والمدارس لا ترغب في الوصول إلى مرحلة الإضراب، إذ انّه لا يعود بالفائدة على أيّ أحد، لاسيّما على التلاميذ وعلى العملية التربويّة".
وفي هذا السياق، تعمّدت نقابة الأساتذة في التعليم الخاصّ إعطاء المساحة اللازمة أمام المدارس، أي بين اليوم والاثنين المقبل، لتعود وتوقّع على البروتوكول، ما يضمن حقوق الأساتذة بشكل عامّ والمتقاعدين منهم بشكل خاصّ.
والنقابة تلقّت وعوداً شبه نهائية من جهات مسؤولة وموثوقة بأنّ التوقيع سيتمّ الاثنين المقبل على أبعد حدّ، ما يُبعد شبح الإضراب عن الجميع.
وكما بات معلوماً سيتمّ فضّ الدعوة إلى الإضراب في حال تمّ توقيع البروتوكول الاثنين والعكس هو الصحيح.
ويؤكّد مصدر في نقابة الأساتذة لـ"النهار" أنّ "مصلحة الأساتذة الذين يمارسون مهنتهم اليوم (أساس راتبهم حالياً لا يتخطّى الـ4 ملايين ليرة لبنانية) مع صندوق التعويضات هي مماثلة لمصلحة الأساتذة المتقاعدين، إذ انّ التعويضات التي سينالونها بعد انتهاء خدمتهم الفعلية مرتبطة بما يتمّ الاتفاق عليه اليوم".
كما يشير المصدر إلى أنّه " بعيداً عن لغة التعميم، هناك ضغط تمارسه بعض إدارات المدارس على الأساتذة مهدّدة بفصلهم من العمل أو خصم جزء من معاشاتهم بحال التزموا بأيّ اضراب تعلنه النقابة".
ووفقاً للمصدر، تتوجّه نقابة أساتذة التعليم الخاص إلى "توكيل الوزير السابق بارود بتقديم طعن أمام المجلس الدستوريّ يقضي بتطبيق القانون التربويّ الصادر عن مجلس النواب".

الأهالي لن يعيدوا تجربة الـ2012: لا للصناديق الفرعيّة
 
يجد الأهالي أنفسهم في ظلّ كلّ هذه الدوّامة وفي ظلّ عمليات الأخذ والردّ بين الأساتذة والمدارس، مرغمين على رفع الصوت علّهم يحافظون على العام الدراسي ومسيرة أولادهم الدراسية.
ويدعو الأهالي إدارات المدارس أن تقدم على توقيع البروتوكول الذي تمّ الاتفاق عليه في وزارة التربية، وذلك التزاماً بما اتّفق عليه وتأميناً لسير العملية التربوية واحتراماً للأساتذة المتقاعدين الذين من غير المنطقيّ أن "يشحدوا" لقمة عيشهم وهم في هذه المرحلة العمرية.
وتشير رئيسة اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصّة، لما الطويل في حديث لـ"النهار" إلى أنّ "الأهالي يوافقون بشكل كبير على القانون التربويّ الذي صدر عن مجلس النواب، والذي عمدت المدارس إلى منع صدوره نظراً لأنّه سيُلزمها بموضوع براءة الذمة وبالتصريح عن مدخولها بالدولار الأميركي وهذا ما لا تقوم به حاليّاً".
وفي موضوع البرتوكول، تكرّر الطويل الدعوة "للعمل به والالتزام به" معتبرة أنّه "ينقذ المتقاعدين، ووفقاً لبنوده، تمّ الاتفاق على أن تقوم المدارس بتأمين المبالغ الخاصّة به، والتي تبيّن أنّها زهيدة جدّاً بعد الدراسة التي أجرتها مصلحة التعليم الخاصّ وإدارة صندوق التعويضات".
كما أن "أموال المتقاعدين يتمّ تأمينها من خلال المدارس لـ6 أشهر، من خلال دفع المدارس مبلغ 9 دولارات عن كلّ تلميذ مقسّط على 9 أشهر، أي دولار واحد كلّ شهر عن كلّ تلميذ".

مرّ الأهالي في العام 2012 بتجربة مريرة عند فتح المدارس الصناديق التي خصّصت في ذلك الوقت لتأمين سلف لسلسة الرتب والرواتب، واختفت فور إقرار السلسلة، وفق الطويل، لذلك "لن يقدّم الأهالي الموافقة على أيّ صناديق تعويضيّة فرعيّة تحاول المدارس الترويج لها في خلال هذه المرحلة".
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium