تحرك سفراء "الخماسية" من جديد على خطّ الرئاسة، على الرغم من استمرار المعركة في الجنوب اللبناني.
هذا التحرك الذي بدا وكأنّه تحريك للملفّ الرئاسي بعد الثبات العميق الذي دخله في 7 تشرين الأوّل مع بداية عملية طوفان الأقصى، من دون شكّ أعطى بعض الدفع وإن كان لا يعوّل عليه، إلّا أنّه أعاده بطريقة أو بأخرى الى الحلبة السياسية.
رغم الأجواء الإيجابية التي برزت بعد لقاء سفراء "الخماسية" ورئيس مجلس النواب نبيه بري إلّا أنّ الأمور غير مطمئنة على ضفّة المعارضة، وهو ما عبّر عنه جليّا اليوم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
التأكيد على الفصل بين ما يجري في الإقليم وفي الجنوب بالرغم من التأكيد عليه في الاجتماع بين الرئيس نبيه بري والخماسية لم يمرّ على عدد كبير من الأطراف، لا بل بقي بنظرهم المحرك الأول لهذا الأمر.
بدأت تتكشف خشية لدى أفرقاء المعارضة ممّا يجري في الكواليس وبين الجدران المغلقة من محادثات ومفاوضات تنطلق من الجنوب ولا تنتهي عند حدود بعبدا والسرايا الحكومي، وبدأ يكثر الحديث بين هؤلاء عن هجرة السفراء لمقرات قيادية في المعارضة، وعدم التنسيق الكامل معهم، وبدا وكأنّ اللقاءات والاتصالات تجري بين هؤلاء ومحور "حزب الله" من دون تنسيق لو بل بالحدّ الأدنى. فأضحت طرق الضاحية- عين التينة تشهد زحمة عربية- غربية مقابل هجرة لطرق معراب والصيفي وغيرها التي اعتاد السفراء سلوكها.
تكشف مصادر معارضة لـ"النهار" أنّ التنسيق والاتصالات أضحت في حدّها الأدنى في الفترة الأخيرة، وهذا ما دفع عدداً من القيادات لرفع الصوت مع بعض الدول الحليفة أو لدى بعض السفراء أنفسهم مؤكّدين أنّ هذه المرة لن يكونوا في جيب أحد.
لعلّ أوّل من قرأ هذا الأمر بوضوح هو النائب السابق وليد جنبلاط الذي أطلق موقفاً مدوياً في وجه هذه اللقاءات وهو إذ اصاب الحلفاء في الصميم، إلاّ أنّه شكّل رسالة قاسية لكلّ من يهمّهم الأمر، وخصوصاً إلى المفاوضين والمهتمين، بأنّ أيّ صفقة لن تكون على حسابه، وهو مستعدّ للذهاب إلى الجهة المقابلة من دون أيّ تردّد في حال حصلت.
ويبدو أنّ الرسالة الجنبلاطية وصلت إلى مكانها الصحيح، فتوجّهت السفيرة الأميركية نحو كليمنصو بتحرّك عاجل بعد لقائها مع زملائها في الخماسية الرئيس نبيه بري، واليوم وبعد غياب طويل ولأشهر عديدة توجه النائبان وائل أبو فاعور وملحم الرياشي إلى المملكة العربية السعودية، وهما صلة الوصل بين حزبيهما وإدارة الملفّ اللبناني في المملكة.
هذا على المستوى الخارجي، أما على المستوى الداخلي، فحتى الساعة لم تستطع المعارضة تشكيل جبهة واحدة جامعة كبيرة وقوية تقيها اتفاقات الخارج وتسويات الداخل، فقد علمت "النهار" أنّ الجهد الذي يقوم به رئيسا الكتائب و"القوات" لضمّ نواب وشخصيات إلى جبهة المعارضة لم تنجح حتى الساعة، وهي تصطدم في حيرة "النواب السنة"، وتخبط بعض التغييريين. فبالنسبة إلى النواب السنّة هناك عدم وضوح لطروحاتهم، وماذا يريدون على الرغم من تكثيف الحوار، والجهوزية التامة من الجميع للتجاوب معهم، لكن حتى الساعة لم يطرحوا أيّ طرح جدّي يمكن من خلاله رسم تفاهم ولو حتى أولي، ولا أيّ خطة عمل، حتى أنّ ما قيل عن مبادرة قرروا طرحها خلال اجتماع موسع عقدوه في مجلس النواب وانضمّ اليهم النواب نعمة افرام وجميل عبود وحليمة قعقور وعبد الرحمن البزري والياس جرادي، توقفوا وغابوا قبل أن يرى اللبنانيون الهجومات المتبادلة في ما بينهم، وما يصحّ على النواب السنّة يصحّ على بعض النواب التغييريين الذين يتحدّثون بشعارات غير واقعية يمكن وصفها بالشعبوية، وخصوصاً بالملفّ الرئاسي وصعوبة اجتماع اثنين منهم على وجهة نظر واحدة.
وهذا الأمر دفع بالجبهة الصلبة في المعارضة أي ما بات يعرف بمجموعة الـ32 نائباً الى تكثيف النقاشات والحوارات فيما بينها إلى أبعد من الاستحقاق الرئاسي ومحاولة توحيد الرؤيا في أغلب القضايا الاستراتيجية والوطنية والاقتصادية، والاتفاق على ورقة عمل تشمل جميع هذه القضايا في حال الذهاب إلى الحديث عن نظام أو تطوير لاتفاق الطائف أو مؤتمر تأسيسي وما إلى ذلك من تسميات.
تبقى ورقة "التيار الوطني الحر"، فهناك إيجابية بين هذه القوى على توسيع دائرة التفاهم معه بما يتجاوز ملفّ الرئاسة، والاستفادة من التقاطع إلى ما هو أشمل إذا تواضع "التيار"، ومن الممكن الوصول إلى بعض القواسم المشتركة، وإبقاء الأبواب مفتوحة هي الأساس.