في زيارته الرابعة الى الشرق الأوسط في غضون شهرين، وبعد نحو 4 أشهر من حرب غزة الدموية، بات في إمكان اللورد البريطاني المجاهرة بتفاصيل نوايا النظر في الإعتراف بدولة فلسطينية. لا يتوانى وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون عن الإقرار بإخفاقات تطبيق اتفاق أوسلو والعبر منها، وعن التأكيد على ضرورة تغيير الواقع السياسي الذي سبق 7 أكتوبر. ويكشف في حديث خاص لـ"النهار" خلال زيارته السريعة امس لبيروت عن ملامح هذه الرؤية وعن الحاجة الى سلطة فلسطينية متجددة في الضفة الغربية وغزة. أما مصير حركة "حماس" فليس واضحاً بعد بشكل عملي في المقاربة المذكورة.
وإذ يبدي كاميرون تفاؤله بنجاح مقترح الهدنة بين اسرائيل و"حماس"، فإنه يشدّد على ضرورة "عدم تضييع الوقت خلال الهدنة" لدفع جهود الرؤية السياسية. أما هدنة غزة أو حتى أي وقف مستدام لإطلاق النار، فليس من شأنيهما أن يلغيا الحاجة، وفق كاميرون، الى إبعاد "حزب الله" عناصره عن الحدود إلى شمال الليطاني، واضطلاع الجيش اللبناني بدور أكبر.
خلال الحوار . (تصوير نبيل اسماعيل)
في الآتي، نص الحوار:
-هناك سباق بين الحل السياسي والتصعيد بين "حزب الله" وإسرائيل، ما الذي تراه؟
أعتقد أننا بحاجة إلى وقف التصعيد والبحث عن البديل. هناك بديل جيّد يتضمن تطبيق القرار 1701، وهذا يعني أن ينقِل "حزب الله" قواته إلى شمال نهر الليطاني، والترسيم الصحيح للخط الأزرق على الحدود، ورفع مستوى التدريب والاستفادة من الجيش اللبناني للقيام بالمزيد من الدوريات الحدودية.
وأعتقد أننا إذا جمعنا هذه العوامل معاً، بحذر، يمكننا أن نثبت أن هناك طريقاً للسلام والاستقرار بدلاً من الحرب. ولكن علينا أن نتحرك بسرعة.
-هل من فرص للتوصل إلى الحلول الديبلوماسية؟
أعتقد أن هناك فرصة جيدة. لأنني لا أعتقد، بحسب ما قيل لي، أن "حزب الله" يريد تصعيد الحرب، ولا حتى إسرائيل تريد التصعيد، لكن ما تسمعونه من الإسرائيليين هو أن ما بين 80 إلى 100 ألف شخص اضطروا إلى النزوح من منازلهم في شمال إسرائيل، وهؤلاء بحاجة إلى العودة لمنازلهم، ولذلك يحتاجون إلى مزيد من الأمن، وأنا متأكد من أن الناس في لبنان سيقولون الشيء نفسه. لذا هناك حاجة لهذه الديبلوماسية، وهناك حاجة لهذه الحركة من "حزب الله" والجيش اللبناني، وتعزيز قوات اليونيفيل. هناك حاجة لكل هذه الأمور، لذلك أعتقد أنه من المهم أن نأتي ونستمع الى الآخرين، كما كنت أفعل اليوم مع رئيس الوزراء ومع قائد الجيش اللبناني، لنستمع إلى ما يعتقدون أنه ضروري ومن ثم ينبغي على أصدقاء لبنان، مثل المملكة المتحدة، المساعدة في حل هذه الأمور.
- وماذا كانت رسالتك المباشرة للمسؤولين اللبنانيين في هذا الشأن؟
حسناً، كانت رسالتي المباشرة إلى المسؤولين اللبنانيين، وإلى رئيس الوزراء، وإلى رئيس مجلس النواب، أن بريطانيا تريد المساعدة، وإذا عدتم 10 سنوات إلى الوراء عندما كنت رئيساً للوزراء، فقد بدأنا البرنامج التدريبي مع الجيش اللبناني، حيث قمنا بتطوير أفواج الحدود، و لقد كانت العملية ناجحة بشكل لا يصدق. لقد قمنا بتدريب 26,500 جندي من الجيش اللبناني، ونحن فخورون بما قمنا به. لقد قاموا بعمل رائع على الحدود مع سوريا، وأوقفوا تهريب المخدرات، وأوقفوا تهريب البشر، وأوقفوا توغل "داعش" الذي كان يمكن أن يحدث بعد تشكيل الخلافة في سوريا والعراق، لذا فقد قاموا بعمل عظيم. وأعتقد أن جزءًا مما هو مطلوب منهم هو أن يلعبوا دورًا أكبر في جنوب لبنان، مع إبعاد "حزب الله" عناصره عن الحدود.
لذا كنت هنا لأسأل: كيف يمكننا المساعدة؟ هل هناك المزيد مما يمكننا القيام به؟ ونحن شريك يرغب في ذلك.
خلال الحوار . (تصوير نبيل اسماعيل)
-هل تعتقد أن وقف إطلاق النار في غزة قد يقنع إسرائيل بتجميد طلبها بتراجع "حزب الله" بضعة كيلومترات عن الحدود الشمالية؟
أعتقد أن وقف إطلاق النار في غزة سيكون أمراً جيداً جداً إذا كان لدينا هدنة وهو ما نناقشه الآن، حتى نتمكن من إطلاق سراح الرهائن وإدخال المساعدات . نحاول تحويل هذه الهدنة إلى وقف إطلاق نار مستدام، سيكون ذلك أمراً جيداً جداً. هل سيغيّر ذلك تلقائياً كل شيء هنا؟ إنه يوفر فرصة أكبر للديبلوماسية، ولكنني ما زلت أعتقد أنه من أجل الاستقرار والأمن سنحتاج إلى أن يبتعد عناصر "حزب الله" عن الحدود، لأنه في الوقت الحالي لا يمكن للعائلات الإسرائيلية العودة إلى ديارها في شمال إسرائيل، كما هو صعب على العائلات اللبنانية في جنوب لبنان العودة الى قراها. لذا ما نحتاج إليه هو حدود أكثر استقراراً مع ابتعاد "حزب الله" عن الحدود، وأن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية أكبر على الحدود، وأعتقد أن الأمر سيمثّل وضعاً أكثر استقراراً.
- ما هي العوامل التي تؤدي إلى الاعتقاد بأن الحل السياسي لا يزال ممكنًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد سنوات من إخفاقات اتفاق أوسلو؟
إن السؤال في الأساس لا يزال نفسه .كيف يمكن لمجموعتين من الناس تقاسم الأرض في إطار حل دولتين، تعيشان متجاورتين. لا يزال السؤال نفسه. وأعتقد أن السبب في أنه أصبح أكثر إلحاحًا هو أننا نستطيع رؤية أن السنوات الثلاثين الماضية، أي السنوات التي تلت أوسلو، لم تكن سنوات نجاح. لم تكن ناجحة حقاً بالنسبة لإسرائيل. بالطبع نما اقتصادها، وتحسنت سبل العيش، وأنفقت الكثير على الأمن، لكن في الأساس لم تنعم بالأمن الحقيقي الذي يتوفر عند امتلاك دولتك الخاصة، وجيرانك الذين يمتلكون دولتهم الخاصة. ومن الواضح بالنسبة الى الفلسطينيين انهم لم يتمكنوا من تحقيق ما يريدونه وهو كرامة ودولة آمنة.
إن نظرنا إلى الوراء 30 عاماً وسألنا أنفسنا: هل نريد أن تبدو السنوات الثلاثين المقبلة مثل السنوات الثلاثين الماضية؟ الجواب: لا، لا نريد ذلك، لا نريد العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 7 أكتوبر، وعلينا محاولة إيجاد طريق جديد للمضي قدمًا لنحصل على سلام واستقرار حقيقيين. لذا فإن السؤال لم يتغيّر، لكن الإجابة عليه أصبحت أكثر إلحاحًا.
خلال الحوار . (تصوير نبيل اسماعيل)
- لكن أي شكل للدولة الفلسطينية، وما دور السلطة الفلسطينية؟
أعتقد أننا نحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى وقف إطلاق النار المستدام، ثم تأتي بداية الحل. وأعتقد أن جزءًا من ذلك هو أن تتقدم السلطة الفلسطينية بحكومة متجددة، ربما حكومة أكثر تكنوقراطية بشخصيات جديدة ووجوه جديدة قادرة على العمل في غزة والضفة الغربية على حد سواء. يجب أن يتغيّر ذلك.
أما في ما يتعلق بالشكل الذي يجب أن تكون عليه الدولة الفلسطينية، فهذا أمر يجب أن نبدأ في مناقشته، ويجب أن تجتمع الدول العربية، والدول التي تمتلك دوراً فعالاً ويمكنها المساعدة، مثل بريطانيا أو فرنسا والولايات المتحدة وأن تسأل: كيف يمكننا خلق دافع نحو هذا الحل؟ الإسرائيليون سيقولون إنهم يريدون تغيير جوانب من الدولة ولا يريدون أن يكون للدولة الفلسطينية جيش كبير، ولا يريدون أن يكون للدولة الفلسطينية تحالفات مع دول مثل إيران، ولكن يجب أن نركز على الأشياء التي يمكن أن تمتلكها الدولة الفلسطينية وننطلق منها بدلاً من أن نسأل ما الذي لا تستطيع الدولة الفلسطينية امتلاكه.
-هل توقيت مقاربتك مرتبط بمقترح الهدنة المحتملة بين إسرائيل وحماس؟
زرت خلال الشهرين الماضيين تسع دول عربية وزرت المنطقة ثلاث مرات على ما أعتقد حتى الآن ولذا فإن مقاربتي مستمرة، وزيارتي ليست مرتبطة بمسألة واحدة أخرى، ولكن مع تواجدي اليوم (في المنطقة)، أرى إمكانية لأن تؤدي الجهود الى هدنة في القتال، وقد يكون ذلك لأيام أو لأسابيع، وأنا متفائل. وأعتقد أنه كلما اقتربنا من ذلك، أصبح من المهم البدء في محاولة حل القضايا الأخرى. لذا، فإن مسألة الحدود اللبنانية-الإسرائيلية ووجود "حزب الله" والحاجة إلى تدريب الجيش اللبناني، والحاجة إلى تسوية النزاع على الحدود، تصبح أكثر أهمية.
ما لا نريده هو أن تحدث هدنة في غزة، ونضيّع الوقت. عندما تحدث الهدنة يجب أن نصب جهودنا في محاولة حل جميع المشاكل، لخلق زخم، وحتى يرى الناس أن هناك سعياً للسلام وليس للحرب.
في خطوة مفاجئة، أقدمت جهات معنية في الضاحية الجنوبية لبيروت على إغلاق عدد من مداخل المنطقة ومخارجها باستخدام السواتر الحديد، رغم استمرار تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات: هل هدفها الحد من ظاهرة السرقات التي انتشرت أخيرا في الضاحية، أو منع تجمع المواطنين قرب المباني التي يحذر العدو الإسرائيلي من الاقتراب منها، لتوثيق لحظة القصف؟