أوكل الساسة اللبنانيون ترتيب شؤون البلاد إلى الخارج، فنشط دورُ خمس دول في ذلك، في ظل تصاعد النفوذ والتدخل الإيراني في لبنان والمنطقة، بعدما خلطت حرب غزة الأوراق مجدداً ودفعت بالاستحقاق إلى ما بعد استبيان النتائج. اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا، المملكة العربية السعودية، قطر وجمهورية مصر العربية، لأول مرة بحثت في اجتماعاتها الأخيرة بصراحة في مجموعة من الأسماء، منها لكرسي بعبدا، ومنها للسرايا الحكومية.
من الأسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية ما لم يكن متداولاً، وأسماء مرّت مرور الكرام، كاسم وزير الخارجية الأسبق السفير ناصيف حتي، الذي يمكن أن يكون الاسم الأكثر إقناعاً من بين الأسماء المطروحة، فيما غاب اسم كلّ من الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية، قائد الجيش جوزاف عون والعميد إلياس البيسري عن طاولة البحث.
راعت الدولُ المجتمعة على ما يبدو هواجسَ حزب الله، وهو ما يمكن تلمّسه في طرح اسم النائب فريد البستاني المقرّب من التيار الوطني الحرّ، أو من خلال الاسم الثاني، وهو المدير السابق للمخابرات جورج خوري.
لم يكن خوري مطروحاً من قبل أو معروفاً لدى العامة، وما يعرف عنه أنه قادم من حقبة الرئيس إميل لحود، وهو يحظى بقبول حزب الله والعونيين معاً. ويشيع عنه المقرّبون أنه يتمتع برضى من الصرح البطريركي، مستندين إلى قربه من البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير ولشغله سابقاً منصب سفير لبنان في الفاتيكان، ويتردد أنه من بين الأسماء العشرة التي لا تخضع لفيتو البطريرك الماروني بشارة الراعي. كذلك يعدّ خوري مقرّباً من حركة أمل واللواء جميل السيد، ولديه قنوات قديمة العهد مع السوريين.
وكون النقاش انطلق من مبدأ السلة المتكاملة، كان لابدّ من طرح شخصيات تتولّى رئاسة الحكومة العتيدة وتكون مناسبة للمرحلة ومتجانسة قدر الإمكان مع رئيس الجمهورية العتيد، ووفق مواصفات تبدّد مخاوف وهواجس معظم القوى السياسية.
في المناقشات المغلقة، كان من الطبيعي طرح اسم نواف سلام لتشكيل الحكومة كونه طرح سابقاً. وكان لافتاً كيفية تسلل اسم المستشار السياسي المنتقل من دارة آل كرامي إلى دارة الرئيس نجيب ميقاتي خلدون الشريف ليكون على لائحة المرشحين لترؤس الحكومة المقبلة. الشريف الذي كان صلة الوصل بين ميقاتي وحارة حريك لفترة، يروّج المحيطون به أنه "طرح سعودي" فيما أدواره التي لعبها سابقاً كانت تتعارض مع هوى المملكة العربية السعودية.
كان للشريف دور خلال تشكيل حكومة ميقاتي الانقلابية عام 2011 بعد إسقاط حكومة سعد الحريري إثر استقالة وزراء الثنائي الشيعي والوزير الملك عدنان السيد حسين، فدخل الحريري البيت الأبيض رئيساً للحكومة ليخرج رئيساً لتصريف الأعمال.
في المرحلة الجديدة، لعب خلدون الشريف دوراً في ترتيب الاجتماع الذي عُقد في السفارة السويسرية، وهو الاجتماع الذي أعطى انطباعاً بأنه محاولة للانقلاب على اتفاق الطائف ما دفع بدار الفتوى والسفارة السعودية للتحرك، والكل يذكر مهرجان الأونيسكو. ولكن هل من دور جديد يلعبه الشريف لكي يكون طرحاً سعودياً؟!
وفي إطار غربلة الأسماء، حضر اسم النائب "التغييري" ابراهيم منيمنة. وفي السياق، تنفي المصادر القطرية أن تكون الدوحة هي الجهة التي طرحت اسمه، أو تحاول الترويج بأنه مقبول لديها بعد سلسلة لقاءات أجراها معه القطريون. فيما يروج المحيطون به بأن ما من معارضة خارجية له بل هناك من يعارض توليه الرئاسة الثانية في الداخل وبالتحديد دار الفتوى، رغم محاولات ترميم العلاقة ومساعي التواصل بين الطرفين.
والمفارقة كانت غياب القرعة عن اسم الوزيرين المرشحين إلى رئاسة الحكومة،
وزير الداخلية بسام مولوي ووزير الاقتصاد أمين سلام، حتى إن اسم وزير الصحة فراس الأبيض لم يكن من ضمن اللائحة، فيما كان الاسم الأكثر جدية من بين المطروحين من حملة الحقائب الوزارية في حكومة ميقاتي هو وزير البيئة ناصر ياسين.
يمكن لناصر ياسين، الوزير الشاب أن يكون طرحاً جدياً في المستقبل حتى خارج النقاش الخماسي، وهو الخارج من رحم الثورة ومن صفوف التغييرين إلى وزارة أدى فيها أداءً حسناً، وهو يحظى بقبول لدى معظم الاطراف لا سيما الرئيس سعد الحريري الذي سمّاه وهو ما يعطيه شرعية سُنيّة شعبية وشرعية لدى مفتي الجمهورية.
إضافة إلى ناصر ياسين، جرى التداول باسم رئيس الحكومة الأسبق تمام سلام كاسم أكثر ملاءمة مع الظرف الحالي وما تتطلبه المرحلة، لما يتمتع به من قدرة على التواصل مع الأطراف السياسية كافة وله تجربة سابقة في رئاسة الحكومة "غير مستفزة".
ووفق مصادر دولية، فإن هذه الأسماء كانت رهن التداول في اجتماعات سابقة أما اليوم فقد توقف النقاش بالأسماء كافة وحصل توافق على التكتم وإبقاء المحادثات سرية، بانتظار ربما أن تستوي الطبخة على "نار محايدة".