مرت ذكرى توقيع ورقة التفاهم بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" هذا العام كئيبة جداً ولم يذكرها أحد، بعدما كانت تحضّر الاحتفالات والنشاطات المشتركة وحتى القداديس، مرفقة بعدد من تصريحات الإشادة وتغريدات التمجيد بين الطرفين، ومعها حفلات الدعم والتأييد المشترك على وسائل التواصل الاجتماعي بين جيشي الحزبين الإلكترونيين والناشطين التابعين لهما.
أما هذه السنة فاستذكر رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية الموقّعة بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، ولم يذكر التفاهم المجيد، فيما "حزب الله" منشغل بما هو أكبر من تفاهمات داخلية تأتي في المرتبة الأخيرة من سلّم أولوياته.
الكلام عن انهيار ورقة التفاهم ليس جديداً، فالعلاقة بين طرفيها تشهد خلافات متتالية، وكبرت قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، إذ حمّل "التيار" "حزب الله" جزءاً كبيراً من مسؤولية فشل العهد نظراً لتفضيله الرئيس نبيه بري على عون، وحتى الهدنة التي عقدها الطرفان لتمرير الانتخابات النيابية والتحالف الانتخابي انهارت ليلة صدور النتائج، لتعود وتتوسّع الخلافات بشكل كبير بعد انتهاء ولاية الرئيس عون والخلاف على الخلف، مع تمسك "حزب الله" بمرشّحه الوزير السابق سليمان فرنجية ورفض التيار المطلق له.
في السنة الماضية، وصلت الأمور إلى حد القطيعة الكاملة، بعد استفحال الخلاف على الملف الرئاسي ومشاركة "حزب الله" في الحكومة وتغطية عملها، لتعود خطوط التواصل بين الفريقين في صيف 2024 عندما قرر الطرفان الحوار حول هذا الملف بعدما عرض النائب جبران باسيل إمكانية قبوله بفرنجية في حال أُعطي اللامركزية الموسّعة والصندوق الائتماني قبل أن تتردى العلاقات نتيجة عدم تجاوب الحزب مع طروحات الأخير.
ومع بدء الحرب، حاول "التيار" الموازنة بين الموقف المسيحي بشكل عام الرافض للحرب وإدخال لبنان فيها كرمى لعيون أحد وموقف حزب الله الذي فتح الجبهة على الجنوب، إلاّ أن هذا الأمر لم يقرّب الفريقين من جديد، وبقيت الاتصالات في أدنى مستوى، وانحصرت في المعايدات والأحاديث العامة من دون الدخول في التفاصيل، حتى أتى التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وأوقف الاتصالات.
وعلى الرغم من التزام "حزب الله" الصمت في ما يتعلق بالعلاقة مع "التيار الوطني الحر"، إلاّ أن مقربين منه يُجمعون على أن ورقة التفاهم بصيغتها الماضية انتهت، ولا إمكانية لترميمها، لكن العلاقة مع "التيار" أصبحت متجذرة مع هذه السنوات، وبالتالي لن تذهب الأمور إلى مواجهة سياسية بين الطرفين، فبأسوأ الأحوال تكون على شكل العلاقة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، أي على القطعة، وبحسب الاوضاع السياسية والإقليمية وما تفرضه مصلحة الطرفين، أو الذهاب إلى خيار أفضل وأقوى بين الطرفين بعد انتهاء الحرب على شكل ورقة تفاهم جديدة تحاكي الواقع المستجدّ في لبنان والمنطقة وببنود صالحة للتنفيذ على أرض الواقع، وليس الاكتفاء بالشعارات، تعيد الثقة بين الطرفين وجمهورهما، وهذا يحتاج إلى وقت طويل ودراسة عميقة ومفصلة مختلفة، وبالتالي فإن الأمور في الوقت الراهن وحتى في الأشهر وربما السنوات المقبلة ستكون علاقة "على القطعة".
وعلى الرغم من كل شيء، برأي هؤلاء، أن باسيل لم يستغل الجو المسيحي الرافض للحرب، كما الخلاف مع الحزب للاستغلال السياسي، بل وقف على الحياد ولم يؤذِ الحزب بمواقفه، بل حفظ خط الرجعة في أكثر من مكان، وهذا شيء إيجابي يمكن البناء عليه لاحقاً.
في المقابل يرى نائب رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون الخارجية ناجي حايك أن وثيقة التفاهم لم تنجح على الرغم من جميع المحاولات.
ويقول لـ"النهار": "قمنا بتفاهم لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، وحاولنا على مدى سنوات ودفعنا الكثير للحفاظ عليها وحماية البلد، لكننا لم نحصل على النتيجة المرجوّة".
وإذ لفت إلى أن "التيار" مستعد في كل حين لتفاهم واضح بين أيٍّ من المكونات اللبنانية يراعي مبادئ التيار والمصلحة الوطنية، يعتبر الدكتور حايك أن الطرف الآخر لم يساعد على التقدم لتطبيق بنود التفاهم، وأهمها بناء استراتيجية دفاعية، وبناء وتوطيد أواصر الدولة وهذا لم يحدث".
ويضيف: "عن أي دولة ونظام يتحدثون وهم يربطون غزة بلبنان، ونحن نرفض هذا الأمر كما نرفض أن يكون لبنان ساحة ليكون واحداً من وحدة الساحات".
ويرى حايك أن الحزب اليوم غير مهتم بالملفات الداخلية ولا بالمؤسسات وبالدولة، بل يخوض حرباً بمفرده، لافتاً إلى أن الخلافات في الملفات بين الفريقين كثيرة وأهمها وأكبرها هو ملف رئاسة الجمهورية".
ويؤكد حايك في نهاية حديثة أن الاتصالات مجمّدة بين الطرفين.