أجّل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل زيارته لطرابلس أمس مبرراً بانشغال مفتي طرابلس الطارئ باجتماعات ولقاءات في دار الفتوى والبقاع ظهرت قبل يوم واحد من الزيارة.
بدا من الواضح أن هذا التأجيل بطعم الإلغاء، فعدا عن التبرير غير المقنع الصادر عن مكتب باسيل لا عن مكتب المفتي، فإن أجواء ما قبل الزيارة كشفت عن جملة اعتراضات من فعاليات المدينة المدنية السياسية والشعبية للزيارة.
إنها ليست المرة الأولى التي تشعل فيها تنقلات وزيارات باسيل إشكالات، تواجه بتحركات شعبية، كما أنها لم تردع هذه الإشكالات مهما كبرت كالذي حدث في قبرشمون باسيل عن التحرك في هذه المناطق التي لا يملك فيها أرضية مؤيدية ولا بيئة داعمة.
في العاشر من كانون الأول الماضي زار باسيل طرابلس لافتتاح شارع المقاهي المعروف بـ"مينو" وجال على بعض فاعلياتها السياسية القريبة من المحور السوري-الإيراني ولم يواجه سوى اعتراض بسيط من عدد قليل من الأشخاص، بينما في الزيارات السابقة كان يحتاج الى أكثر من كتيبة من الحرس الجمهوري للمرور في طرابلس وهذا ما شجعه على تكرار الزيارة والدخول هذه المرة من باب الفعاليات الدينية حيث كان من المقرر أن يزور المفتي وبعدها يشارك في قداس مار مارون في مطرانية طرابلس المارونية.
وبحسب ما علمت "النهار"، فإن باسيل حاول هذه المرة توسيع دائرة لقاءاته السياسية على ألا تقتصر على الحلفاء أو أصدقاء المحور الذي زارهم في المرة السابقة بل طلب عدداً من المواعيد مع أشد خصومه السياسيين تحت حجة الانفتاح والسعي الى الإنماء إلا أنه لم يوفق في تحديد أي موعد له.
واليوم رد باسيل بطريقة غير مباشرة على الحملات التي استهدفت زيارته، مستذكراً وثيقة الأخوة الإنسانية الموقّعة بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر، وما حملته من معانٍ إنسانية تجمع ولا تفرّق، بالإضافة الى المشاريع الإنمائية التي قدمها الى طرابلس في الحكومات التي شارك فيها ومنها محطات الكهرباء والتغويز والمياه، وأيضاً رد بطريقة غير مباشرة على الاتهام بأنه من سحب المشاريع من طرابلس وأتى بها الى البترون مؤكداً أن طرابلس أكبر من البترون، وبإمكانها استقطاب المستثمرين أكثر وبإمكانها أن تنمو أكثر من البترون إذا أراد أهلها ذلك.
وهاجم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من دون أن يسمّيه وحمّله مسؤولية التجييش ضده وضد زيارته بالإضافة إلى الإهمال اللاحق بالمدينة.
وبنظرة عامة نرى أن "التيار الوطني الحر" منذ عودة العماد ميشال عون الى العمل السياسي، بنى سردية سياسية على أساس مواجهة السنية السياسية فخاض الحروب السياسية ضد الحريرية وحمّلها مسؤولية الأزمات المتتالية من الطائف حتى اليوم، وكان رأس حربة في المواجهة معها، منذ الاعتصام الشهير بوجه حكومة السنيورة الى إسقاط حكومة سعد الحريري لحظة دخوله الى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، وزاد ذلك التحالف والالتحام بمشروع "حزب الله" تحت مسمّى ورقة التفاهم في ذروة الانقسام الشيعي-السني في لبنان والمنطقة.
وعلى الرغم من محاولته الفصل بين الحريرية السياسية والطائفة السنية، لم ينجح الأمر، لا بل زادت السنوات الطويلة من الخصومة مع الحريري (الممثل الأول للسنة) التباعد مع الطائفة التي اعتبرته خصمها وسط عدم اكتراث عوني حقيقي لهذا الأمر، وحتى التسوية الرئاسية التي عقدها الرئيس سعد الحريري مع الرئيس ميشال عون وأوصلت الأخير الى بعبدا لم تصمد سوى شهور قليلة قبل أن تنطلق المعارك السياسية بين الرجلين من جديد، وعادت وزادت الأمور تعقيداً في المحاولة الأخيرة للرئيس سعد الحريري تشكيل وما رافقها من رفع سقوف بينه وبين رئيس الجمهورية آنذاك.
ولكن بعد انسحاب الحريري من الحياة السياسية حاول باسيل إعادة التقرب من الطائفة السنية عبر عدد من المواقف الذي رفض فيها تغييب الطائفة بالإضافة الى محاولات التقرب من عدد من الشخصيات إلّا أن الأمر لم يؤت ثماره أيضاً، ليأتي خلافه المستجد مع رئيس الحكومة الحالية نجيب ميقاتي ويزيد الطين بلة حتى مع حلفائه أو المقربين من المحور السوري بحيث رأوا فيه أن يستهدف مقام رئاسة الحكومة.
بالعودة الى زيارة طرابلس، ففيما تؤكد مصادر التيار الوطني الحر أنها طبيعية، ولتدشين مشاريع إنمائية تعني المدينة بمجملها ومنها إضاءة الشوارع وطرح ومناقشة أفكار للمساعدة في الإنماء، مبدية الاستياء من تسييسها وتطييفها بهذه الطريقة وخصوصاً أنه لم يكن يوماً للتيّار مشكلة مع الطائفة السنية كطائفة ولديه عدد كبير من المنتسبين من هذه الطائفة لكن المشكلة مع سياسيين من الطائفة كما لديه مشكلة مع قياديين من الطائفة المسيحية والشيعية والدرزية لا مع الطوائف عموماً.
يرى المعارضون أنها محاولة منه لتطبيع العلاقة مع الطائفة السنية التي تحوي طرابلس أكبر تجمّع لها التي يدرك باسيل أنه لا يمكن تحقيق طموحاته السياسية من دون التصالح معها.
ويرفض المعارضون الحديث عن مشاريع إنمائية وكأنها من جيبه الخاص فيما ما يتحدث عنه هو من واجب وجيب الدولة ومؤسساتها. ويسخرون في الوقت عينه من الحديث عن مؤسسة قاديشا التي حوّلها الى مركز للتيار الوطني الحر مشيرين الى أنه إن كانت المؤسسات على هذه الشاكلة لا نريدها.
أما بالنسبة للعلاقة بالطائفة السنية فلا يمكن ترميمها بالزيارات وهو مستمر في هجوماته العنيفة على موقع رئاسة الحكومة، وهي بحاجة الى الترميم عبر الأداء لا الزيارات، وهو متأخر كثيراً، فالمسألة تحتاج الى سنوات ينسى فيها أبناء الطائفة أفعال باسيل.
وبرأيهم إن باسيل رأى هناك مقاعد مسيحية ضعيفة ويمكنه الاستفادة منها ببساطة وبعدد قليل من الأصوات وهذا الأمر يستدعي دخول المدينة من جديد وبوجه جديد، مذكّرين بأنه في الانتخابات الأخيرة لم يتجرأ على أن يتبنّى مرشحاً واضحاً له.