تبعد مدينة صفد عن الحدود اللبنانية ما يقارب الـ 15 كيلومتراً، وهي كانت منذ ساعات صباح اليوم الأربعاء عرضة لصواريخ يزعم الجانب الإسرائيلي أن "حزب الله" أطلقها، وهي لم تسقط في داخل المدينة، انّما على مواقع عسكرية إسرائيلية ما أدّى إلى سقوط قتلى وجرحى. ولفت أن "حزب الله" لم يصدر بياناً يتبنى فيه عملية صفد حتى الساعة.
الصواريخ التي استقرّت في صفد "استفذّت" وزير الأمن القومي الإسرائيليّ ايتمار بن غفير الذي شدّد على أنّه "آن الأوان للتخلّي عن الفرضية المعمول بها حالياً في الشمال مع لبنان".
كما أنّ العملية التي تمّ في خلالها استهداف صفد، استدعت وحتى الساعة ردوداً إسرائيلية تمثّلت بسلسلة من الغارات نفّذها الطيران الحربي على بلدات عدشيت والصوانة وبصليا، وأدّت إلى خسائر بشرية ومادية.
أمام هذا التطوّر اللافت، لا بدّ من العودة إلى بعض المستجدّات السابقة التي يمكن اعتبارها مؤشرات لوضعية جديدة قد تدخلها الحرب الدائرة في جنوب لبنان، وفي هذا المجال، رأى الخبير العسكري والاستراتيجي العميد ناجي ملاعب أنّه "مع الدخول في المرحلة الثالثة من الحرب الدائرة في غزة، بدأت إسرائيل بتنفيذ عملية انتقامية ذكية، وذلك من خلال مجموعة استهدافات ذكية، إذ شهدنا عمليات اغتيال متنقلة بين لبنان وسوريا والعراق وحتى في إيران.
كما شهدنا في هذه المرحلة نفسها ولادة التحالف البحري الدولي الذي أبصر النور قبالة اليمن، وبالتالي هناك نوع من تصعيد إسرائيلي شكّل علامة فارقة في المرحلة المشار اليها".
وقال في حديث لـ"النهار": "رفعت إسرائيل من حدة تصعيدها إذ أعلنت عن عمليتها الأخيرة في جنوب غزة وهي حالياً في صدد التجهيز لاقتحام رفح، وبالتالي وباختصار شديد يمكن القول أنّ إسرائيل ووفقاً للمعطيات الميدانية تقوم برفع مستوى عملياتها العسكرية وتزيد من نسبة التصعيد في حربها في غزة ورفح وجنوب لبنان".
واعتبر أنّ "مجيء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، دفع بمحور المقاومة بشكل كامل إلى وضع تقدير جديد لاستراتيجيّته في التعاطي مع الحرب الحالية مع إسرائيل".
ففي اليمن ما زالت القذائف والصواريخ تطال إسرائيل بشكل أو بآخر على الرغم من وجود التحالف الدوليّ، وفي العراق هناك دعوة من الحكومة العراقية للجلوس على طاولة تبحث الوجود الأميركي.
أمّا في ما يتعلّق بحضور محور المقاومة في جبهة جنوب لبنان، فيمكن الإشارة إلى أنّ تسريب خبر وضع منطقة النبطية ضمن دائرة الاستهداف لم يأتِ من باب الصدفة، فصحيح أن الأمم المتحدة نفت على لسان ناطقها الرسمي ستيفان دوجاريك، أن يكون هناك أيّ حديث في هذا الإطار، إلّا أنّ التسريبات من هذا النوع يمكن وضعها في خانة التمهيد الإسرائيلي لتوسيع رقعة الجبهة في جنوب لبنان.
وفي هذا السياق "يمكن وضع العملية التي قام بها "حزب الله" على صفد، إذ انّها أتت بعد تسريبات وضعت النبطية في صلب معادلة الحرب القائمة"، وفق ملاعب.
وفي ما يتعلق بالسلاح الذي تحتاجه عملية عسكرية موجّهة من لبنان باتجاه صفد، أشار ملاعب إلى أنّ "استهداف صفد يتطلب نوعاً جديداً من الأسلحة وتحديداً من الصواريخ، والتي تتميّز بقدرتها على الوصول إلى مدى أبعد.
وذلك على الرغم من أنّ "حزب الله" عبّر عن استراتيجية ذكية من خلال استخدامه سابقاً لصاروخ "بركان" وهو صاروخ قصير المدى يصل في حدّ أقصى إلى 6 كلم ويتميّز بقوة تفجير بين 300 و500 كلغ، وصاروخ "الكورنيت" أي الصاروخ المضاد للآليات، الذي عمد إلى إطلاقه أكثر من مرّة "الحزب"، هو سلاح أفقي لا يمكن أن تتعامل معه القبة الحديدية". كما "أقدم "حزب الله" على استخدام صاروخ "فلق 1 "، الذي يمكن أن يصل إلى مسافة 9 كيلومترات. وفي عملية صفد، من المرجّح أن يكون قد استُخدم فيها صاروخ "صفد 1" عبر اطلاقه من منطقة متقدّمة قرابة الحدود".
وفي حين ما يزال الجيش الإسرائيلي منهمكاً في الحرب المستمرّة في قطاع غزة، إذ انّ العمليات العسكرية التي تقودها "حماس" ما زالت قائمة، وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال العملية التي أدّت إلى مقتل قائد كتيبة إسرائيلية قبل أيام قليلة في وسط غزة، بالإضافة إلى انفجارات متنقلة في جباليا، رأى ملاعب أنّ "إسرائيل التي لا يختلف اثنان على امتلاكها سلاحاً جوياً قادراً على إحداث تدمير كبير في لبنان على غرار التدمير الحاصل في غزة، قد لا تقدم على أيّ خطوة من هذا النوع، إذ انّها تنظر بدقة إلى اليوم الثاني بعد قيامها بأيّ عملية ضدّ لبنان، وذلك من باب معرفتها الأكيدة أنّ لـ"حزب الله" بنك أهداف واضح في الداخل الإسرائيلي من باب مخاوفها التي عبّرت عنها أكثر من مرة من "فرقة الرضوان" التي لم يستخدمها الحزب حتّى الساعة."
وفي متابعة للغارات الأخيرة التي شنتها إسرائيل على جنوب لبنان، أشار عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب أشرف بيضون في اتصال مع "النهار" إلى أنّ "التطورات العسكرية الأخيرة التي تشهدها الساحة الجنوبية نضعها بشكل أكيد في إطار الهمجية التي اعتاد أن يستخدمها العدوّ الإسرائيلي لنيل مكاسب إضافية في المفاوضات الدبلوماسية".
وأكّد أنّه "منذ بداية وصول الموفدين الدوليين إلى لبنان تم إبلاغهم أن قرار توسيع الحرب هو عند العدوّ الإسرائيلي الذي يرتكب أعمالاً جرمية من دون أن يحسب أي حساب".
أما بالنسبة لنا، فـ"لا رغبة لدينا بدخول حرب شاملة، لكننا لن نسكت حتماً عن الاعتداءات المتواصلة".
وعن الرد المحتمل على الغارات الاسرائيلية التي استهدفت اليوم قرى جنوبية، قال بيضون: "الرد سيكون حتمياً ومدروساً وموازياً لما قام به العدوّ، والهدف هو ليس جرّ لبنان إلى حرب شاملة علماً أننا سنخوضها إن فرضنت علينا".
في المحصلة، لا بدّ من الإشارة إلى "معادلة الميدان" التي أتى على ذكرها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، والتي يمكن أن تختصر الاستراتيجية الكاملة لمحور المقاومة في جبهة جنوب لبنان، فتوسيع رقعة الحرب من قبل إسرائيل سيقابله ردّ فعل أوسع من قبل "حزب الله"، وعلى هذا النحو ستكر السبحة وتكبر كرة النار بين جنوب لبنان وإسرائيل.
وقد يكون عدم الردّ من قبل "حزب الله" على أيّ ورقة دبلوماسية تمّ تقديمها من الخارج، خير دليل على أنّه ما زال متمسكاً بالدور الذي يقوم فيه بالجنوب والمتمثل وفقاً لما أعلن في أكثر من مرّة بمساندة "حماس" التي تخوض حرباً غير مسبوقة في وجه إسرائيل.
وعلى الرغم من كلّ المعطيات التي تشير بطريقة أو بأخرى إلى عدم إقدام إسرائيل على توسيع رقعة المواجهات في لبنان، إلّا أنّ التاريخ العسكري لإسرائيل لا يبشر إلّا انّها عند كلّ مأزق تلجأ إلى آلتها التدميرية المجنونة.
آثار القصف الذي استهدف صفد في خلال ساعات قبل ظهر اليوم الأربعاء. (أ.ف.ب)