النهار

أقمار النبطيّة السبعة شهداء... منذ العام 1974 والمجزرة الإسرائيليّة مستمرّة!
المصدر: "النهار"
أقمار النبطيّة السبعة شهداء... منذ العام 1974 والمجزرة الإسرائيليّة مستمرّة!
المبنى السكني المستهدف في النبطية (سمير صبّاغ).
A+   A-
النبطية- سمير صبّاغ

لم تعلم عائلة برجاوي أنّ اجتماعها على مائدة الإفطار بعد صيام نهار طويل سيكون موعداً مع الشهادة، بعدما استهدفت مسيّرة إسرائيليّة بصاروخَين المبنى السكنيّ الذي تقطن الطابق الأرضي منه.

لا شكّ أنّ الإجرام الإسرائيليّ لا يُميّز بين كبير وصغير ولا بين شاب أو صبية، لهذا لم يشفع اعتبار المبنى سكنياً ووسط حي سكني في مدينة النبطية من استهدافه، فسالت منه دماء سبعة شهداء وستة جرحى لتروي تراب الجنوب، الذي اعتاد النزف مع كلّ عدوان إسرائيلي على أراضيه سيّما النبطية التي كان الاستهداف الإسرائيلي الأول لها عام 1974 وصولاً إلى العام 2007. فماذا علمت "النهار" عن هؤلاء "الأقمار السبعة"؟
 

الشهيد حسين أحمد برجاوي (57 عاماً) وزوجته الشهيدة أمل عودة (55 عاماً) اجتمعا بالأمس إلى مائدة الإفطار في حضور أولادهما وأحفادهما وشقيقته وابنتها. وبحسب المختار حسين برجاوي: "كانوا صياماً واجتمعوا بسلام كعادتهم كلّ عام، فحسين رجل محبّ لا أذكر أني رأيته يوماً إلّا مبتسماً، وكان خدوماً جداً ومحباً للجميع. فهو رب عائلة مؤمن جداً وعائلته مؤلفة من مصطفى وعلي وأماني وزينب وهم جميعاً لا نعرف عنهم إلّا اهتمامهم بحياتهم وأعمالهم. فعلي (33 عاماً) يعيش في ألمانيا ويرسل قطع السيارات المستعملة إلى والده وشقيقه مصطفى (35 عاماً) اللذين يقومان ببيعها والاسترزاق من هذه التجارة".
 

ولفت المختار برجاوي إلى أنّ "القدر قد نجّى مصطفى الذي خرج مع عائلته من المنزل قبل 5 دقائق من استهدافه، فيما قضت شقيقته أماني (30 عاماً) وشقيقته زينب (32 عاماً) مع نجلها محمود عامر (6 سنوات) وعمته فاطمة مع بنتها غدير ترحيني (18 سنة) تحت الأنقاض، فيما نجا بأعجوبة ابن زينب، ربة المنزل، حسين عامر (5 سنوات) بعد أربع ساعات تحت الردم، إذ احتضنه شقيقه فأنقذه وقضى شهيداً، وكذلك نجا والده علي عامر الذي يعمل مجنّداً في الجيش اللبناني".

وعن الشهيدة أماني برجاوي التي تعمل في الجامعة اللبنانية الدولية، قال لـ"النهار" المدير الأكاديمي في فرع النبطية الدكتور حسان خشفة، إنّها "نالت الإجازة من جامعتنا، إلّا أني عرفتها عن كثب بعدما التحقت ببرنامج العمل لطلاب الدراسات العليا، وكانت مثالاً ليس فقط في التميّز الأكاديمي، ولكن أيضًا في المناقبيّة والاندفاع العملي. ولهذه الأسباب، تمّ تعيينها ضمن الطاقم الإداري للجامعة، وقد عملت بداية كمساعدة إدارية لي، وتدرّجت في عملها حتى أصبحت مسؤولة عن مهام دقيقة عدّة، وكانت رمزاً للتفاني والإصرار".

وأضاف: "لقد تشرّفت بالإشراف على رسالتها لنيل شهادة الماجستير، ولم أتفاجأ عندما أنهت الرسالة والمناقشة وحازت على أعلى معدّل ممكن، وتمّ نشر رسالتها في مجلّة علمية".
 

وأكد خشفة باكياً: "هي من القلائل الذين التقيتهم وكنت أعطي لها تعليماتي مرة واحدة لتأتي النتائج أفضل من التوقعات. ولطالما طلَبَت نصيحتي في بعض قضاياها الشخصية وكانت تبدأ الطلب بقولها "مش أنا متل فطومة (أي ابنتي فاطمة)؟!" لم تكن فقط تعلم مدى حبّي لفاطمتي، إلّا أنها كانت تعلم بأنّ مقارنتها في محلّها".

‏وأضاف": "لقد دفعت أماني ضريبة الوطنية عن كثير من أبناء لبنان، مرتين: الأولى عندما ورثت التهجير من قريتها هونين (إحدى القرى السبع)، والثانية عندما روت بدمائها الطاهرة تراب الجنوب والنبطية".

أمّا الشهيدة الكشفيّة غدير ترحيني، فتصفها زينب رمضان، "مفوضة الزهرات في كشافة الرسالة الإسلامية"، بـ"الخسارة التي لا تعوّض"، وتقول: "كانت قائدة كشفية تدرّجت منذ صغرها في كشّافنا، وكانت مسعفة أيضاً فهي لا تعرف حدوداً للخدمة الاجتماعية".
 

ولفتت إلى أنّها "كانت نموذجاً مؤثراً لكلّ الكشافين كونها مثابرة وصاحبة أخلاق عالية وهادئة في عملها، رغم صغر سنّها كان الكبير فينا يستشيرها لرأيها الصائب في العديد من القضايا".

وختمت بحرقة: "كُنّا ننتظر أن نحتفل بنيلها شهادة الثانوية العامة بتفوّق هذا العام، لكنّنا سنزفّها شهيدة الصمود والمقاومة بعدما روت بدمائها أرض الجنوب ولبنان".

ومن جهته، لا يجد منسّق اللغة العربية في المدرسة الإنجيلية في النبطية، الدكتور جميل معلم، كلاماً ليقوله عن محمود عامر (6 سنوات)، فـ"هو فقيد مدرستنا ومِثال للطفل المهذّب المجتهد المُحِبّ والمحبوب، هو من تلامذتنا في الروضة الثالثة".
 

وكشف أنّه "كان يتميّز بإيجابيّة عالية وقدرة على التكيُّف والتّفاعل مع محيطه، مشارك بفاعليّة في جميع الأنشطة التعلّميّة والتّربويّة والترفيهيّة، في عينيه أحلام كثيرة انطفأت بفعل وحشيّة العدوّ الصّهيونيّ. فقدانك خسارة لنا جميعًا، وتأكيدٌ على أنّ براءة الطفولة دائمًا ما تدفع الأثمان الباهظة لحروبٍ لا تُدرك أبجديّتها".
 

صحيح أنّ صباح النبطية كان حزيناً لرحيل "الأقمار السبعة" تحت نار الحقد الإسرائيليّ، لكنّ لسان الأهالي يقول: "هذا قدر "النبطانيّون" مع هذا العدوّ، فهم لم ينسوا بعد الاستهداف الأول بالمدفعية للأحياء السكنية عام 1974، حيث قضى يومها ابن النبطية غازي اسماعيل وعدد من الشهداء".
 
صورة أرشيفية: استهداف الأحياء السكنية للمرة الأولى في النبطية عام 1974، حيث سقط الشهيد غازي اسماعيل وعدد من الشهداء.
 
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium