تتّجه الأنظار بشكل كبير ومركّز إلى الحركة العسكرية الإسرائيلية، إذ إن التهديدات التي تعلن من الداخل الإسرائيلي، أكانت صادرة عن جهات سياسية أم عسكرية، تُشير إلى أن الجانب الإسرائيلي في سباق واضح بين تسوية أو هدنة أو إطار للتهدئة وبين حرب أكثر شمولاً وأشد فتكاً؛ وذلك بشكل متوازٍ في ما يتعلّق بجبهة جنوب لبنان ومدينة رفح، التي تحوّلت إلى مخيّم كبير غير آمن للنازحين الفلسطينيين من غزة.
وفي السباق ما بين الهدنة والجنوب الدمويّ الإسرائيلي، تبدو المرحلة الحالية التي تعيشها غزة من أخطر المراحل على الإطلاق، إذ يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحقيق جملة أهداف لم يستطع تحقيقها في 131 يوماً من الحرب في غزة.
ووفقاً للأمين العام لـ"حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية"، مصطفى البرغوثي، "فشل نتنياهو في بلوغ 4 أهداف، تتمثّل بالتطهير العرقي، واقتلاع المقاومة المستمرة حتى اليوم بصورة لم يتوقعها أيّ أحد، والسيطرة على المناطق التي دخلتها الدبابات الإسرائيلية، بالاضافة إلى تحرير الأسرى الذين لم تتمكّن إسرائيل من استرجاع غير 3 منهم".
ورأى البرغوثي أن "أخطر ما يمكن أن يحدث اليوم بسبب تكدّس الناس في منطقة رفح، إذ إن العدد وصل إلى مليون و44 ألفاً في مساحة لا تتجاوز الـ55 كم، هو أن يحقق نتنياهو التطهير العرقي الذي حلم به من خلال الضغط على مصر ومحاولات إجبار الناس على الرحيل؛ وحتى الآن يمكن القول إن الموقف المصري صلب وصامد كما أن الناس لا تريد أن ترحل.
وللمناسبة، يُمكن الجزم بأن مئات الآلاف من الفلسطنيين اختاروا أن يبقوا في غزة وفي شمال غزة، وجمعيهم اضطروا للتنقّل أكثر من مرّة داخل غزة، وقدّموا المئات من الشهداء من أجل البقاء داخل وطنهم، كما أن جزءاً من الذين هجروا إلى رفح بدأوا بالعودة إلى المنطقة الوسطى؛ وبالتالي، تبقى أهم المهمّات هي إبقاء الشعب الفلسطيني في غزة، بالرغم من الدمار وكلّ ما حدث، فبقاؤهم يؤكّد على بقاء المقاومة، ما يمنع نتنياهو من المحافظة على احتلاله لغزة".
مجاعة حقيقية في غزة
وفي سياق التطوّرات التي من الممكن أن نشهدها، يبدو من الضروري التوقف عند الوضع الإنساني الكارثي الذي تعاني منه غزة؛ فالمساعدات الحقيقية لا تصل إلى الناس في غزة، إذ إنه في الأمس دخل إلى القطاع 20 شاحنة مساعدات، في حين أنها تحتاج 1000 شاحنة يومياً، علماً بأن شمال غزة لا يدخله أي نوع من أنواع المساعدات.
وحتى تاريخ اليوم، هناك 600 ألف فلسطيني يعانون من المجاعة بكلّ ما للكلمة من معنى، فمن كلّ 10 عائلات هناك 9 لا يمكنها تأمين قوتها اليومي. وفي غزة اليوم، 50 ألف امرأة حامل و64 ألف امرأة مرضعة ليس لديهن الغذاء الكافي، كما يعاني أطفال فيها من عدم تزويدهم باللقاحات.
وتنتشر الأمراض في صفوف 600 ألف فلسطيني، من بينهم نحو 240 ألفاً من المصابين بأمراض الجهاز التنفسيّ، وأكثر من 100 ألف مصاب باليرقان والتهاب الكبد الوبائيّ، ومئات الآلاف من المصابين بالأمراض الجلدية.
وقد يكون من أخطر المظاهر التي يُمكن التوقف عندها في حرب غزة هو الهجوم على مراكز الإيواء والمستشفيات، فـ30 مستشفى من أصل 36 تعرّضت للتدمير الكامل، و32 من الأطباء والعاملين في القطاع الصحي استشهدوا، و أكثر من 300 منهم جرحوا، ونحو 90 منهم معتقلون، ويُعذّبون تعذيباً غير منظور.
(الدمار في النبطيّة "النهار")
إسرائيل قد تتلقى ضربات لم تحلم بها في حياتها
وعلى جبهة جنوب لبنان، التي تشهد تطورات دراماتيكية، بدا لافتاً تصريح وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، الخميس، الذي قال: "طائراتنا في سماء بيروت تحمل قنابل ثقيلة وقادرة على ضرب أهداف بعيدة".
على هذا الصعيد، أشار البرغوثي إلى أنه "في حالة لبنان، لا بدّ أولاً من أن نفهم نفسيّة نتنياهو، فهو يعلم أنه عند توقف الحرب ستبدأ لجان التحقيق فوراً وسيتّهم بأمرين، وهما التقصير في 7 أكتوبر، بالإضافة إلى 4 اتهامات بقضايا الفساد، ويؤجّلها بسبب انشغاله بالحرب.
لذلك، يمكن القول إن مصلحة نتنياهو تكمن في استمرار الحرب، وبالتالي من غير المستبعد أن يلجأ إلى حرب شاملة في شمال إسرائيل أي في الجنوب اللبناني".
وتابع: "هناك عدّة عوامل تشير إلى إمكانية شنّ حرب شاملة في لبنان، أبرزها رغبة نتنياهو في استمرار الحرب إلى ما لا نهاية لإيجاد وسيلة للتعامل مع ما ينتظره، بالإضافة إلى قيام إسرائيل قبل أيام بسحب آخر لواء احتياط لها من غزة.
ويقابل هذين العاملين مجموعة عوامل تشير إلى عدم قدرة إسرائيل على التوسع، أهمّها حالة الانهيار التي يعيشها الاقتصاد الإسرائيلي؛ فالخسائر تقدّر بـ64 مليار دولار بعد 131 يوماً من الحرب، وهي أطول حرب خاضتها إسرائيل في تاريخها، وأكثرها دفعاً للأثمان؛ فخسائرها البشرية فاقت ما خسرته في حرب الـ67.
بالإضافة إلى الضغط الذي يقوده أهالي الأسرى، الذين يُدركون أن استمرار الحرب يعني قتل المزيد من أولادهم، كما أن هناك عامل ضغط هو العمل الأخلاقي الذي تثبته محكمة العدل الدولية".
ورأى البرغوثي أن "أميركا تشعر بضرورة الوصول إلى حلّ، إذ لا قدرة لها على المزيد من الاستمرار، لا سيّما أنّها أمام انتخابات رئاسيّة قريبة".
وقال: "عوامل متداخلة بعضها يدفع باتّجاه التصعيد في لبنان، وبعضها الآخر يدفع إلى لجم نتنياهو، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لبنان يجب أن يكون مستعداً لأيّ مغامرة قد يقوم بها الإسرائيلي، على الرغم من علمه بأن الثمن قد يكون باهظاً جداً، إذ إنهم سيتلقّون ضربات لم يحلموا بها في حياتهم".
(المبنى الذي استهدفته إسرائيل في النبطيّة بعدسة الزميل حسام شبارو)
هل ترتكب إسرائيل مجازر جديدة في غزة؟
وفيما الدعوات من قبل الدول تؤكّد على ضرورة عدم إقدام إسرائيل على أيّ تهور عسكري في رفح، يؤكّد البرغوثي أنّه "لا يمكن القول إن إسرائيل لن تجرؤ على القيام بعملية عسكرية في رفح، فالعالم لم يعاملها كما يجب أن تعامل حتى الآن، واحتمال شنّ إسرائيل عمليّات تؤدّي إلى مجازر جديدة ما زال قائماً. وفي هذا الإطار، يقع الذنب الأكبر على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا والدول الغربية الداعمة لإسرائيل؛ ففي عنقهم جريمة الحرب والإبادة التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني.
لذلك نقول إنه يجب الوصول إلى وقف إطلاق نار بسرعة حتى نمنع حدوث المجزرة في رفح، علماً بأنه لا شيء يمنع الجيش الإسرائيلي من ارتكاب المزيد من المجازر بعد كلّ ما قام به، فحتى الساعة هناك ما لا يقلّ عن 35 ألف شهيد فلسطينيّ وأكثر من 68 ألف جريح".