بدا من المبكر، وبالأحرى من التسرع، الحكم مسبقاً على ما اعتبر مبادرة داخلية تهدف إلى انتشال أزمة انتخاب رئيس الجمهورية من شللها عبر التحرك التي باشرته وتستكمله "كتلة الاعتدال الوطني" والذي ستنجزه بلقاء كلّ الكتل النيابية والنواب المستقلّين في وقت قريب. ومع ذلك، فإنّ هذا التحرك، أو المبادرة، حظيت باهتمام واسع لجهة أنه الأول الداخلي منذ مدة طويلة وتلاقي في الوقت نفسه مناخ وأجواء تحرك المجموعة الخماسية الدولية - العربية المعنية بالأزمة الرئاسية. وتترقب مختلف الأوساط النيابية والسياسية النتائج النهائية التي ستخلص إليها "كتلة الاعتدال الوطني" بعد أن تكمل جولتها على الكتل والنواب الباقين في قابل الأيام وما سيرسمه السيناريو التالي لآلية المبادرة التي تقوم في جوهرها على توافق نيابي شامل على مبدأ "التشاور" ثم التوافق على جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية، علماً أن غموضاً لا يزال يكتنف الآلية المطروحة ويحتاج إلى توضيحات نظراً إلى حال انعدام الثقة بين القوى والكتل من جهة وفي ظل التساؤلات بل والشكوك ربما التي يقابل بها بعض الأفرقاء هذه المبادرة الأمر الذي يوجب الكثير من الجهد في المرحلة التالية لفتح الطريق أمام إقلاعها فعلاً نحو آلية قابلة للتنفيذ هذا في حال وافقت عليها مجمل الكتل والقوى ولم تعترضها مواقف رافضة أو متحفظة من شأنها أن تحكم عليها مسبقاً بالإخفاق.
وتبيّن أنّ التحرك التي تقوم به "كتلة الاعتدال الوطني" يستند إلى مبادرة من بندين، وهما عقد جلسة تشاور في المجلس النيابي يتداعى إليها ممثلون عن الكتل والنواب المستقلين من دون أن يترأسّها أحد، وتكون على هيئة تشاور نيابي، يخرج بعدها النواب بإسم واحد أو اكثر وبعدها تتم الدعوة لعقد جلسة مفتوحة لانتخاب رئيس والتعهد بعدم فرط نصابها. هذا التحرّك حرّك الملف الرئاسي من جديد، بعد موافقة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع عليها، ووعد من الكتائب وبعض نواب المعارضة بالتعاطي الايجابي معه بعد دراسة بعض التفاصيل والضمانات.
وفي المعلومات أيضاً، يتعهد نواب "الاعتدال" مع حلفائهم (نحو 10 نواب) بعدم التصويت الرمادي في أيّ جلسة بل باتخاذ موقف وصريح.
وفي هذا السياق برزت معطيات تشير إلى أن التحرك الذي تقوم به "كتلة الاعتدال" يحظى برضى سعودي وهو ما يروج له أكثر من عضو في الكتلة، بالإضافة إلى موافقة من الخماسية على طرح كهذا.
وجاءت زيارة الكتلة لمعراب بنتائج إيجابية فورية إذ اجتمع جعجع بوفد من الكتلة ضم النواب: احمد الخير، عبد العزيز الصمد، سجيع عطية، محمد سليمان في حضور نائبي "تكتل الجمهورية القوية" غسان حاصباني وفادي كرم ورئيس جهاز الإعلام والتواصل في الحزب شارل جبور.
وبعد اللقاء، قال جعجع إن "الكتلة عرضت علينا مبادرة جدية للوصول إلى انتخاب رئيس ووافقت عليها. المبادرة هي لقاء نواب من كل الكتل في المجلس للمطالبة بجلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، ونتشاور على الهامش بالموضوع الرئاسيّ". وأضاف جعجع أنّ "المبادرة واضحة ونحن قبلنا بها ووفق ما تبلّغنا فرئيس مجلس النواب نبيه بري متجاوب معها أيضاً"، وتابع: "إذا صفت النيات سيتم انتخاب رئيس ونيتنا صافية من اللحظة الأولى ولكن الأكيد أن محور الممانعة متمسك بسليمان فرنجية. يقولون إنّ فريق الممانعة من دُعاة الحوار، فكيف تحاوروا مع اللبنانيين ليذهبوا إلى القتال في الجنوب، وتعريض لبنان للخطر؟".
كما التقى وفد الكتلة لاحقاً عضوي كتلة الكتائب النائبين نديم الجميّل والياس حنكش في بيت الكتائب المركزي في الصيفي وجرى البحث في المبادرة.
وأفادت مصادر مطلعة على أجواء لقاءات "كتلة الاعتدال" بأن أهمية الطرح أنه داخلي أولاً يحاول كسر الجمود من جانب كتلة خارج التموضع السياسي الحاد، التي تقترح التداعي من جانب الكتل النيابية، إثر انتهاء جولة الكتلة بعد اجتماعها مع "كتلة الوفاء للمقاومة"، أي أن لا دعوة من جهة معينة للنزول إلى البرلمان مطالبين بجلسة رئاسية مفتوحة بدورات متتالية إلى حين انتخاب رئيس. جلسة واحدة كل من يشارك فيها يلتزم المشاركة في الجلسة الرئاسية المفتوحة، ومن يقاطع يكشف مسؤوليته في تعطيل الانتخابات.
وأكد عضو الكتلة النائب عطية أن "الهدف هو التشاور واعادة فتح جلسات انتخاب رئاسية"، مشيرا إلى "أن طموحنا الالتزام بالبقاء داخل البرلمان إلى حين انتخاب الشخضية الافضل لرئاسة الجمهورية".واشار إلى أن "هدف مبادرة كتلة الاعتدال الوطني الأساسي الإجماع بين الكتل النيابية عبر عقد نقاش والوصول إلى نقاط مشتركة للاتفاق على اسم أو أكثر، وكما تأمين الـ86 صوتاً"، مشدّداً "على أنّ هذه المبادرة ترتكز الى ملاقاة اللجنة الخماسية وهي بالتنسيق والتعاون معها لتذليل العقبات أمام انتخاب رئيس"، نافياً أن يكون لمبادرتهم أي غطاء خارجي.
في الجنوب
أما في المشهد الجنوبي، فإن التصعيد الميداني استمر سيد الموقف. وعلى وقع الأنباء المتفائلة بإمكان توصل محادثات باريس إلى توافق على هدنة في غزة توالت التهديدات الإسرائيلية للبنان تواكبها غارات كثيفة على مناطق جنوبية. وفي جولة له على الجبهة الشمالية، على الحدود مع لبنان قال الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس إن "الحرب الدائرة في الجبهة الشمالية لن تنتهي حتى عودة السكان الإسرائيليين قرب الحدود اللبنانية إلى بيوتهم". ولفت إلى "أننا نعمل عسكرياً وسياسياً، لقد تم بالفعل طرد حزب الله من الحدود، ونحن نستعد لليوم الذي سنصدر فيه الأمر عندما نحتاج إلى توسيع أنشطتنا".
وزعم الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنّ "طائرة مسيَّرة تابعة للجيش الإسرائيلي رصدت خلال ساعات النهار (أمس) مجموعة من العناصر تدخل مبنى عسكرياً لحزب الله في منطقة قرية بليدا في جنوب لبنان. وقصفت طائرة مقاتلة قبل قليل المبنى الذي تم رصد العناصر داخله". وأضاف: "قصفت الطائرات الحربية، خلال الساعات الماضية، مباني عسكرية أخرى تستخدمها حزب الله الإرهابية في منطقة قرى رب تلاتين وعيتا الشعب وبليدا. كما تم قصف عدة مواقع في جنوب لبنان بنيران المدفعية لإزالة تهديد محتمل قد ينطلق منها".
وشن الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات على جبل بلاط ومروحين وعلى الاطراف الشمالية لبلدة الضهيرة في القطاع الغربي حيث ارتفعت سحب الدخان وتوجهت إلى المكان المستهدف سيارات الإسعاف. كما شنّ غارة على برعشيت حيث سجلت إصابات وزعم الجيش الإسرائيلي أنه استهدف مقر عمليات لقوة "الرضوان" في "حزب الله" في برعشيت.
في المقابل أعلن "حزب الله" أنه استهدف تجمّعاً للجنود الإسرائيليين في تلة الكوبرا بصاروخَي "بركان" كما أنه "رداً على الاعتداءات على القرى والمنازل المدنية وخصوصاً بلدة بليدا"، استهدف مبنى يتموضع فيه جنود الجيش الإسرائيلي في مستعمرة المالكية وأصابه إصابه مباشرة. كما أعلن استهداف موقع رويسات العلم الإسرائيلي على الحدود.