حبيس المطالبة بانتظام العمل في المؤسسات منذ 400 ليلة وثلاث ليالٍ أمضاها النائب ملحم خلف اعتصاماً في مجلس النواب على ضوء كهرباء الدولة خلال الدوام الرسمي من الثامنة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر ليتدبّر أمره في العتمة على ضوء البطارية. أكثر ما شعر بالحاجة إليه في اعتصامه الطويل افتقاده نور النهار والسير تحت أشعة الشمس والحركة في مقابل الحاجة الى الصمت الحر للتماهي مع الناس المنسيّين في البرد من دون كهرباء ولا يستطيعون الوصول الى أدنى مقوّمات الحقوق الأساسية. استخلص ذلك من محصّلة وجوده في البرلمان معتصماً تحت قبّته بينما كان يحضر لتحرك في لجنة حقوق الإنسان عن أوضاع السجناء، "هذا المكان جعلني أقرب من تحسس وجع الناس ومعاناتهم وعيشهم متروكين".
طال انتظار خلف في قدوم النواب الى البرلمان من أجل "قضية وطن وإنسانه وأجيال حلمها أن تكبر على رجاء في وطن رغم بساطة الموقف". ويقول لـ"النهار" إن أكثر ما يوجعه نزف هجرة شبابه. "لا أحد يختار هذه الهجرة إلا لأن البلد الذي يقصده يعيش سيادة القانون والانتظام واحترام الواجبات وحقوق بديهية تحفظ كرامة الإنسان. نراهم يسعون الى بلدان ضحّى أهلها لوجود الدولة. لذا أعتقد أن لبنان يستأهل التضحية لنرد له دولة القانون والدستور وانتظام المؤسسات". قناعة القانوني ثابتة بأن "عمل مجلس النواب هيئة ناخبة فحسب. وما تفويض الشعب لهم إلا للعمل باسمه ومراقبة قانونيته من المجلس الدستوري". ويسجّل على الأخير "وإن اتخذ قرارات لها طابع الملاءمة لكنه يخرج عن التفويض المعطى له ويصبح مشرعاً دستورياً (في قراره المتعلق بالطعن بالتمديد للمجالس البلدية) فيما مصلحة الدولة العليا هي الاستثناء للحكومة". زبدة قول خلف أن هناك 128 نائباً يتهمهم بخلق هذا الظرف الاستثنائي لأنهم لا يقومون بواجباتهم، وبهذا التلكؤ يقومون بقباحة دستورية لتبرير الظروف الاستثنائية التي يجب أن تكون خارجة عن إرادتهم، بينما لا يمكنهم التذرع بالظرف الاستثنائي. أما المحاسبة فغائبة "وعملياً لا تكون إلا في الانتخابات العامة"، واصفاً ما يجري بأنه "تخدير الشعب وتخويفه بعضه من بعض باسم الطائفية والمذهبية والزبائنية والمصالح الضيقة للتمسك بمصالح خاصة ومكاسب على حسابه".
يؤمن النقيب السابق للمحامين بأن "مبدأ استمرارية الدولة هو المبدأ الجوهري الأساسي للقانون الدستوري حيث استمرارية السلطة أمر أساسي. وهذا المبدأ يتنافى بطبيعته مع تعطيل المؤسسات". ويميز بين مبدأ استمرارية السلطة الذي هو مبدأ دستوري وبين مبدأ استمرارية المرفق العام الذي هو إداري. فالأول يلزم بعدم قبول أي فراغ رئاسي لأنه يعطل المؤسسات وتداول السلطة ومبدأ فصل السلطات وتعاونها. فكيف لي أن أتعامل مع سلطة غير موجودة في غياب رئيس جمهورية وحكومة مستقيلة ومجلس نواب شبه معطل. وكيف لي أن أحاسب حكومة مستقيلة لا تطلع مجلس النواب على عملها ولا على الحركة المكوكية للمبعوثين الأمميين والدوليين. أنا كنائب لا أدري بما يحصل من تفاوض. ثمة تفرّد بالقرارات"، معتبراً أن ما يحصل " انقلاب على الدولة. فالسلطة بيد جهة أو جهتين تتفرّد بكل القرارات وتضع يدها على مفاصل الحكم وتعلق أحكام الدستور "وتكربج" القضاء ما سيؤدّي الى سقوط الجمهورية ودولة القانون والخطر الأكبر هنا على العيش معاً في غياب التوازن المكرّس في مقدمة الدستور التي تورد أن كل لبناني يعيش على الاراضي اللبنانية يتمتع بسيادة القانون الذي لا يمكن أن يتعارض مع العيش معاً فيما نحن نعيش اليوم خطر تحلل الدولة والمؤسسات وهدمها وترنّح العيش معاً. ويحمّل هذا الفشل "للقوى السياسية التقليدية لغاية في نفس يعقوب"، مذكراً من يعنيهم الأمر بأن "المادة 49 في الدستور تنص على أن "رئيس الجمهورية هو رمز وحدة البلاد"، وباستمرار الفراغ بما يمثل وحدة البلاد نكون نصوّب على وحدة لبنان. هذا الخطر نعيشه. ويقول "عندما يمضي 16 شهراً على هذا الفراغ يكون ذلك متعمّداً وممنهجاً من القوى السياسية التقليدية، أخشى ما أخشاه على مصير لبنان والعيش معاً".
ثمة من يحمّل رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولية عدم الدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس جمهورية. ويردّ خلف على ذلك بأن الجلسة قانوناً لا تحتاج الى دعوة من رئيس المجلس، مشيراً الى أن المادة 74 من الدستور تنصّ على أنه "عند خلوّ سدّة الرئاسة يجتمع المجلس فوراً وبحكم القانون ". فجلسة انتخاب الرئيس حكمية فور حضور أغلبية 86 نائباً المنصوص عليها في المادة 49 منه.
وفي نظره إن إعادة القانونين، المتعلقين بصندوق أساتذة المدارس الخاصة والإيجارات غير السكنية، من الحكومة الى مجلس النواب "تبيّن أننا أمام تشريع غير دستوري في زمن فراغ رئاسي لم يتصوّره المشرّع لأكثر من أيام لأن النواب ملزمون حكماً بسد الشغور الرئاسي. صحيح أن صلاحيات رئيس الجمهورية الادارية تنتقل الى الحكومة ولكن ما يقسم عليه رئيس الجمهورية لا يمكنها أو أي شخص لأن الوحيد الذي يقسم اليمين هو رئيس الجمهورية بعد انتخابه على موجبات احترام الدستور والقوانين وحماية سلامة الاراضي اللبنانية. هي صلاحيات ترتبط بهذا القسم، ولا إمكانية لاستسهال التشريع دائماً لأنه يناقض مفاهيم دولة القانون.
وعلينا أن نواجه هذا الانقلاب بالعودة الى الدستور والاصول القانونية وحفظ المؤسسات واسترداد الدولة القادرة والعادلة والحامية لكل أبنائها، داعياً الى تغيير النهج التدميري الإقصائي الإلغائي جذرياً، ولا يتم هذا التغيير إلا إذا وضعنا أولوية سيادة القانون ومرجعية الدستور واحترام المؤسسات. وكل ما نراه هو تدميري وتعطيلي ولا يمكن الاستمرار فيه. وأكد أن عدد النواب التسعة الذين دعوا من مجلس النواب في 19 شباط الجاري زملاءهم الى تحمّل مسؤولياتهم والامتثال لأحكام الدستور والحضور الى قاعة المجلس بشكل مكثف ومتواصل لانتخاب رئيس بدورات متتالية، سيتزايد قريباً.
[email protected]