لا أحد يمكنه التكهن فعلياً إلى أين ستتجه المعارك الدائرة جنوباً بين "حزب الله" وإسرائيل، لا بل يمكن القول أن ما من أحد يستطيع التكهن بما ستؤول إليه هذه المعارك الدائرة في أكثر من منطقة لبنانية، فبعد استهداف مصنعين في الغازية القريبة جغرافياً من صيدا، عمدت إسرائيل إلى توسيع بيكار استهدافاتها فطالت صواريخها البقاع عبر استهدافها مستودعات تابعة لـ"حزب الله" في محيط بعلبك.
بدوره أقدم "حزب الله" على الذهاب إلى العمق الإسرائيلي في الضربات التي ينفّذها كما أنّه لجأ إلى استخدام أسلحة نوعية جديدة، إذ اعلن أنّ "وحدة الدفاع الجوي في المقاومة الإسلامية أسقطت طائرة مسيّرة إسرائيلية من نوع "هرمز 450" بصاروخ أرض جو فوق منطقة إقليم التفاح".
قهوجي: إسرائيل تردّ سريعاً على التهديدات الجوّية
حول هذه المستجدات الميدانية يتحدث الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي لـ"النهار" مؤكداً أنّ "سلاح الدفاع الجوي الذي استخدمه الحزب في الأمس هو سلاح مخصص لأهداف عالية نسبياً مقارنة بالأهداف التي تعامل معها سابقاً كتعامله مع بعض الطائرات المسيّرة الصغيرة التي يمكن أن تصل إلى ارتفاع 1000 أو 1500 متر، في حين أنّ مسيّرة "هرمز 450" يمكن أن تصل إلى ارتفاع 5 آلاف و500 متر، وهذا ما يؤكّد أنّ الحزب استخدم صاروخاً يمكن أن يصل إلى مدى بعيد، علماً أنّه لا يمكن التأكيد أنّ الصاروخ المستخدم هو من نوع "البانسير" الذي حكي أنّ روسيا أرسلته إلى الحزب قبل بضعة أشهر، أو من الأنواع التي تصنعها إيران محليّاً، والتي قامت بإرسال بعضها إلى سوريا، ووصل بعضها أيضاً إلى لبنان عن طريق سوريا".
وأضاف أن "تهديد السيطرة الجوية الإسرائيلية على الأجواء في لبنان يُعتبر خطّاً أحمرَ عند الإسرائيليين، وغالباً ما يأتي الردّ سريعاً عليه، ولا يأخذ في الاعتبار عمق الهدف، أكان في بعلبك أم في الشمال أو في بيروت. فأيّ تهديد لسيطرتها على الجوّ يدفع إسرائيل للردّ بشكل سريع وتصعيديّ، ففي سوريا على سبيل المثال، عندما تستهدف الطائرات الإسرائيلية يتمّ الردّ بشكل مباشر وهذا ما حصل مثلاً في حلب ومحيط دمشق وأماكن أخرى".
وفي شكل واضح يبدو أنّ الجبهة الجنوبية يرتبط مصيرها بالمفاوضات المتعلقة بـ"هدنة رمضان" في قطاع غزة والدائرة بين أكثر من طرف، فبعد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن أنّ "إسرائيل وافقت على وقف هجومها في غزّة خلال شهر رمضان، قال متحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية أنّه لا يمكن التعليق على كلام بايدن"، معتبراً أنّه "لا يوجد انفراج يمكن الإعلان عنه في خصوص اتفاق وقف إطلاق النار أو الرهائن".
خواجه: الهدنة في غزّة تحتاج إلى ضغط أميركيّ
وتعليقاً على هذا السباق بين الهدنة والمزيد من الدماء، اعتبر عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب محمد خواجه في اتصال مع "النهار" أنّ "هدنة رمضان المنتظرة في غزة تحتاج المزيد من الضغط من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وفي كلّ الأحوال النظرة إلى هذه الهدنة ليست على مسافة واحدة من كلّ الأطراف المعنية، فالهدنة هي مرحلة تسبق مرحلة استئناف الحرب وهذا ما لا تريده "حماس" في غزة، إذ انّ الهدف الأسمى هو وقف إطلاق النار بشكل كامل، والأسرى هم ورقة ضغط ذهبية في يد "حماس"، ليس للوصول إلى هدنة وحسب إنّما لوقف مطلق لإطلاق النار".
وأضاف: "بغض النظر عن التصريحات الأميركية وتصريحات بايدن هناك رؤية أميركية وإسرائيلية مشتركة في ما يتعلّق بالهدنة، ونتنياهو وفريقه المجنون لا يريدان الوصول إلى أيّ هدنة حتّى الساعة على الرغم من الثرثرات الكثيرة".
وعن واقع الجبهة اللبنانية في حال دخول هدنة غزّة حيّز التنفيذ، قال خواجة "بغض النظر أيضاً عن التصريحات التي تشير إلى الفصل بين الجبهتين في ما يتعلّق بالهدنة، لا بدّ من البناء على هدنة الأسبوع التي سبق وشهدتها غزّة وانسحبت إلى الجنوب اللبنانيّ".
وفي كلّ الأحوال، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحرب في جنوب لبنان، دخلت في مرحلة جديدة، يمكن اعتبارها وسطية بين بداية المناوشات وبين مرحلة التفلّت الكلّي، علماً أنّ الترجيحات لا تشير إلى دخول لبنان في حرب شاملة مع إسرائيل على الرغم من أنّ فرص اندلاع حرب واسعة ليست صفراً.
ورأى خواجه أنّه "في المرحلة الحالية تحاول إسرائيل أن تثبت أنّها قادرة على استهداف ما تريد في الوقت الذي تريده والمكان الذي تختاره، مع العلم أنّها تدرك جيداً أنّ أيّ استهداف في لبنان سيقابله استهداف مماثل في صفوفها من قبل "حزب الله"، وفي هذه المرحلة نفسها بدأ "الحزب" باستخدام أسلحة جديدة ومتطوّرة، وهو له في هذا المجال أنواعٌ متنوعة وكثيرة قد لا يلجأ إلى استخدامها إلّا إن دعت الحاجة".
ووفقاً لبعض المعلومات المتوافرة قد تمتدّ الهدنة المرتقبة في غزّة إلى ستّة أسابيع مرتبطة بالإفراج عن الرهائن الذين تحتجزهم "حماس" والسجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل، بالإضافة إلى دخول مساعدات بكميات كبيرة إلى غزّة.
وفي موازاة الحديث عن الهدنة في غزّة، تعلو أصوات لبنانية تطالب بفصل تام ما بين غزّة وجنوب لبنان، وتدعو إلى تجنيب لبنان الغوص في هذا الصراع حفاظاً على ما تبقّى من الدولة ومن المواطنين.
الحاج: إسرائيل لن تتراجع عن الاستهدافات التي تنفّذها
وعلى هذا الصعيد، يشير عضو "كتلة الجمهورية القوية" النائب رازي الحاج في حديث لـ"النهار" إلى أنّه من الواضح أنّ الاستهدافات الإسرائيلية غير محصورة بقواعد اشتباك أو بمنطقة محدّدة، وكلّ بنية "حزب الله" العسكرية معرّضة للاستهداف أينما وُجدت، والخوف من أن تكون هذه البنية متواجدة في أماكن غير معلن عنها وغير معروفة، وهناك بعض المعلومات والمعطيات في هذا الاطار، فـ "حزب الله" استدرج كلّ المجتمع اللبناني واضعاً إياه تحت الخطر في معركة لا ناقة ولا جمل له فيها سوى التعاطف السياسيّ والشعبيّ مع ما يحدث في غزّة، وفتح جبهة عسكرية شبيهة بما حدث ما بعد "اتفاق القاهرة" ليست من الوظائف المطلوبة من لبنان.
وأضاف أنه "من الواضح أنّ الإسرائيلي لن يتراجع عن استهدافاته إذ يحقّق من خلالها أهداف الحرب الشاملة من دون شنّها، فيستهدف القيادات العسكرية والمدنية بالإضافة إلى مخازن الأسلحة ومنصّات الصواريخ، لذلك نؤكّد أنّ المطلوب هو أن تحزم الدولة اللبنانية أمرها وتذهب إلى تطبيق الـ1701 الكفيل بنشر الجيش في الجنوب وإزالة الذرائع من يد إسرائيل. فعبر تطبيق الـ1701 يمكن أن نعيد الأمور إلى نصابها الطبيعيّ، فلبنان ليس ساحة صراع وهو غير مربوط لا بإيران ولا بغيرها، واللبنانيّون لا يمكن أن يستمرّوا في عيش حالة الخوف بفعل ما يقوم به "حزب الله" عبر استخدامه أكثر من منطقة لبنانيّة".
واعتبر الحاج أنّه "من الواضح أنّ الأمور تتّجه إلى المزيد من التفلّت، لذلك لا بدّ من أن يعتمد لبنان على الحنكة الدبلوماسيّة، ولا بدّ للحكومة من أن تتحرّك لتجنيب اللبنانيين المزيد من المآسي، علماً أنّ ما حصل حتّى الساعة ترك آثاراً سلبيّة كبيرة على الواقع الاقتصاديّ اللبنانيّ، ونتجت عنه خسائر اقتصاديّة كنّا في غنى عنها".