المشهد في جنوب لبنان ليس عادياً في معظم تفاصيله ومختلف اتجاهاته، فالسباق الدائر في ساحة الحرب في غزة بين مفاوضات "هدنة رمضان" التي من المفترض أن تبصر النور في 10 أو 11 آذار الجاري، وآلة الحرب والدمار، ينعكس بشكل واضح على الحرب المفتوحة بين إسرائيل و"حزب الله".
ففي حلقة جديدة من حلقات الحرب في جنوب لبنان، نفّذ الجيش الإسرائيليّ، ليل الأحد – الإثنين، محاولتي تسلّل في الأراضي اللبنانية، وتحديداً في منطقتيّ وادي قطمون مقابل رميش وخربة زرعيت مقابل بلدة رامية، وذلك بعد أيام قليلة من التصريحات الأميركية التي نقلتها الـ"سي أن أن"، والتي شكّلت نوعاً من التحذير من إمكانية إقدام إسرائيل على التوغّل برّاً في جنوب لبنان.
جابر: تكتيك إسرائيلي جديد
في هذا السياق، أكّد العميد المتقاعد هشام جابر لـ "النهار" أنّ "العمليّتين المشار إليهما، المقصود منهما مخالف للهدف الذي تحققه المسيّرات الإسرائيلية والقصف الإسرائيلي؛ فإسرائيل عبر سلاحها الجوي والمدفعي تتمكّن من التدمير والقتل بشكل واضح، أمّا التسلل فكان من المفروض أن يؤدّي أغراضاً أخرى وجديدة.
وبالتالي، يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة من التكتيك الإسرائيلي في الحرب الدائرة في جنوب لبنان، إذ إن الإسرائيلي المأزوم في غزة، وفي جبهة جنوب لبنان، التي لم يتمكّن من أن يحقق فيها أيّ خرق نوعيّ، قد يكون لجأ إلى عمليتيّ التسلل للإقدام على خطف عناصر من "حزب الله"، لإدخالهما في عملية الحرب الدائرة كنقطة قوّة، لا سيّما أن ملف الأسرى من أبرز وأهمّ الملفات التي تشكّل نقطة ضغط".
وتابع: "في المعلومات، الفصيلة التي نفّذت عمليتي التسلّل هي فصيلة صغيرة، لا يزيد عناصرها عن 25 عسكرياً، ولا بدّ من لفت النظر إلى أن عمليات التسلّل صعبة مبدئياً في 80 % من الأراضي الجنوبية، إذ إنها تأتي على شكل مرتفعات. لكن المنطقة في رميش ورامية، يمكن القول، لأنها متساوية إلى حدّ ما مع الأراضي في فلسطين المحتلة، سهّلت القيام بعملية تسلّل".
ورأى جابر أنّ "التسلل الذي حصل يؤكّد أن إسرائيل ستلجأ إلى أساليب جديدة في عملياتها العسكرية في الجنوب اللبناني، ومن غير المستبعد أن نشهد عمليات خطف لقيادات من الصف الثاني أو الثالث لـ"حزب الله"، على غرار عملية الكوموندوس التي نفذتها إسرائيل في البقاع، وخطفت في خلالها أبو علي الديراني".
عسيران: مفاوضات الهدنة جدّية ومن البديهيّ أن تنسحب على الجنوب
وفي حين أفاد "حزب الله" بأنّه تمكّن من التصدّي لعمليّتي تسلّل إسرائيليتين، وأعلن في بيانين متتاليين تمكّن عناصره من التصدّي لهما بطرق مختلفة، رأت بعض المصادر المتابعة أنّ عمليات التسلّل التي قام بها عناصر من الجيش الإسرائيلي ما هي إلّا محاولة جسّ نبض لقدرات "حزب الله" في المجال الدفاعيّ، التي باتت تطرح علامات استفهام كثيرة في صفوف الحكومة الإسرائيلية.
وعلى هذا الصعيد، وضع عضو "كتلة التنمية والتحرير"، النائب علي عسيران، محاولة التسلل في خانة "التصعيد الإسرائيلي والمناوشات التي يُقدم عليها الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر في خلال الحرب الدائرة في جنوب لبنان، والتي تأخذ أشكالاً تصاعدية في بعض المراحل".
ورأى في حديث لـ"النهار" أنّه "على الرغم من التصعيد الواضح من قبل الجانب الإسرائيلي، فالعدوّ يعلم بشكل قاطع وغير قابل للشكّ أنّ كلّ تصعيد سيقدم عليه سيواجه في مقابله تصعيداً من الجانب اللبنانيّ، وأن أيّ عمل كبير قد يخاطر وينفّذه سيقابله عمل كبير؛ لذلك من الواضح أنّ العدوّ يفكّر ملياً قبل إقدامه على أيّ خطوة متهوّرة".
ورأى عسيران أنّ "الهدنة المرتقبة في قطاع غزة مع بداية شهر رمضان المبارك، من البديهيّ جداً أن تنسحب على الجبهة الجنوبية في لبنان، إذ إنّ المفاوضات الجديّة الدائرة حالياً حولها لا يمكن أن تتوقّف عند موضوع الرهائن أو وقف إطلاق النار في غزّة وحسب، فالواقع الفلسطينيّ أمام المجهر الدوليّ الذي بدأ يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول الإجرام الإسرائيليّ".
واعتبر أنّ "الولايات المتّحدة الأميركية التي لها كلّ الرغبة في المحافظة على إسرائيل باتت محرجة بشكل كبير أمام مواطنيها كما أمام الرأي العام الدوليّ، وهذه نقطة ستساهم بشكل أو بآخر في إنضاج النقاش حول الهدنة".
قهوجي: لا علاقة بين تسلّل الأمس وإمكانيّة توغّل إسرائيل برّاً
وتعليقاً على إمكانية الربط بين التصاريح الأميركية و عملية التسلل التي شهدها الجنوب في الأمس، تحدّث الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي لـ"النهار"، فأشار إلى أنّ "ما حدث في الجنوب هو عملية "كوموندوس" أو ما يُعرف بتسلّل "كوموندوس". أمّا ما حُكي عنه في الإعلام الأميركي فهو عملية برّية تأتي على شكل اجتياحٍ، يتخلّلها استخدام دبابات ومشاة وآلاف من الجنود الإسرائيليين، ولا تأتي على شكل عمليّة صغيرة تنفّذها مجموعة صغيرة بهدف تحقيق بعض الغايات".
وأكّد أنّه "لا علاقة بين عملية الأمس وما حذّرت منه أميركا لجهة إمكانية تنفيذ إسرائيل عملية توّغل في جنوب لبنان، فما تمّ التحذير منه هو عملية بريّة واسعة كالتي شهدناها في غزة، أي إنّها تتطلّب أو تهدف إلى الدخول برّاً لمسافة لا تقلّ عن 10 أو 12 كلم في داخل الأراضي، بالإضافة إلى تطهير هذه الأراضي وتدميرها".
ورأى قهوجي أنّ "الكوموندوس هي عملية تقوم بها مجموعة من 20 أو 30 شخصاً أو كحدّ أقصى 40 عنصراً يؤدّون مهمّة محدودة الأهداف، على عكس العمليات البرّية التي تأخذ صفة التوّغل".