منذ نحو سنة ظهرت إلى العلن ومن على منبر بكركي، مجموعة سياسية لبنانية جديدة، أطلقت على نفسها اسم "مستقلّون من أجل لبنان"، تضمّ عدداً من الشخصيّات السياسيّة، ونوّاباً سابقين ومسؤوليين حزبيّين سابقين وخبراء اقتصاديّين معروفين، كالنائب والوزير السابق عبد الله فرحات، والوزيرين السابقين فادي عبود، وجورج قرداحي، والنوّاب السابقين وليد خوري، سيزار معلوف، سامر سعادة، ماريو عون، ومعهم شخصيات محلّية معروفة كرئيس بلدية جونية جوان حبيش، وروي عيسى الخوري، ونارا جورج حاوي.
عرّف التجمّع عن نفسه أنّه لقاء شخصيات ونخب مسيحيّة مستقلّة تضع مصلحة لبنان فوق أيّ اعتبار، ولا علاقة لها بأيّ محاور داخليّة أو خارجيّة، وهي لا تعمل على تسويق أيّ مرشّح رئاسيّ، بل تتبنّى مجموعة من المواقف، أهمّها الحوار مع جميع المكوّنات والأطراف ومعارضة تفرّد الأحزاب بالقرار المسيحيّ، وتغييبهم لرأي النخب المستقلّة والمجتمع المدنيّ، وخلق حالة وسطيّة في الشارع المسيحيّ بعيداً عن الانقسامات العاموديّة.
الإطار الموسّع والكبير الذي جمع هذه الأسماء وأخرى من الخلفيات السياسية المتعارضة والمتقابلة لم يصمد وقتاً طويلاً، حتّى بدأ ينفرط عقده، ويصغر، وبدأت تغيب الأسماء المعروفة في المجتمع اللبنانيّ، وابتعد النواب والوزراء السابقين والحزبيّين السابقين، ليبقى إطار صغير من بعض الشخصيّات أصحاب الخلفية السياسية الواحدة، المحرّك الرئيسيّ فيه هو رافي ماديان.
أحد النواب السابقين الذي كان عضواً في اللقاء يكشف لـ"النهار" أنّه والنوّاب السابقين انسحبوا منه، بعدما اكتشفوا أنّ هناك مجموعة برئاسة رافي ماديان تريد حرف اللقاء عن مساره الوسطيّ- المسيحيّ، وجعله ملحقاً وتابعاً لمحور خارجيّ ولـ"حزب الله" تحديداً، وهذا الأمر دفع عدداً كبيراً من الشخصيّات الى الخروج، ما يُفقده جدوى وجوده، حيث كان أهمّ ما فيه الوسطيّة والبعد عن المحاور.
ويرى أنّ استمرار ماديان باستعمال اسم اللقاء غير منطقيّ، لا بل فيه تزوير لأنّ الناس والإعلام راحا يحاسبان مؤسّسيه على مواقف ماديان المتفرّدة، وهذا غير صحيح، فالأغلبيّة الساحقة ممّن تشكّل منهم هذا اللقاء تعارض مواقف ماديان السياسية. وإذ يشدّد على أنّ المسيحيّين لا زالوا في حاجة إلى خيار وسطيّ يُخرجهم من المحاور، يلفت إلى ماديان باستعماله اسم اللقاء المنفرط، ويضعهم في محور "حزب الله" وهو ما يرفضونه في المطلق.
ويختم: "اللقاء الذي أُعلن في بكركي في أيّار 2023 أصبح بحكم غير الموجود، وما يقوم به ماديان من جولات وإطلاق مواقف لا يُعبّر إلّا عن نفسه وعن بعض أصدقائه الذين لا ثقل شعبيّاً ولا سياسيّاً لهم".
في المقابل يرفض ماديان الحديث عن انفراط اللقاء أو عن تغيير توجّهه مؤكّداً أنّه لا زال عند النقطة الذي انطلق منها، أي مع لقاء نخبويّ مسيحيّ يضمّ عشرات الشخصيات النخبويّة المتميّزة بالتجارب السياسية والفاعلة في مجتمعاتها، إضافة إلى خبراء اقتصاديّين، يعملون على تجديد الدور السياسيّ المسيحيّ في النظام ومؤسّسات الدولة، كما أنّه لقاء مفتوح يخرج منه عدد من الشخصيّات لكنّه في المقابل ينضمّ إليه أيضاً عدد آخر.
ويقول لـ"النهار": "نعمل على تحسين شروط وصول الرئيس المسيحيّ إلى بعبدا عبر إيجاد خطّة عمل مسيحيّة أو برنامج عمل وطنيّ مسيحيّ تتوافق حوله مختلف الأطراف المسيحيّة، ويحمله رئيس الجمهوريّة والعهد الجديد بهدف ترجمته على مستوى الحكومة والبرلمان في المرحلة المقبلة ما بعد التسوية الرئاسيّة".
ويضيف: "تتناول هذه الخطّة، بحسب ماديان، القضايا الوطنية الاستراتيجيّة من إعادة هيكلة الاقتصاد والمصارف، وخطّة التعافي الاقتصاديّ، وتطوير اتفاق الطائف وصيغة النظام السياسيّ، وتوظيف عائدات الغاز والنفط في الاقتصاد الوطنيّ، ومعالجة أزمة النزوح السوريّ، وملفّ اللاجئين الفلسطينيّين، وتنويع العلاقات التجاريّة والاقتصاديّة مع الخارج، وتنويع مصادر تسليح الجيش، والتعاون بين الجيش والمقاومة من خلال الاستراتيجيّة الدفاعيّة".
وردّاً على أنّه لقاء تابع لـ"حزب الله"، يقول ماديان: "أنا من مؤسّسي حركة التجدّد الديمقراطيّ برئاسة نسيب لحّود ومن مؤسّسي 14 آذار، وأنا في الوقت نفسه مقاوم قبل المقاومة، لكنّي أيضاً صديق المقاومة الحاليّة، ولا يمكن لأحد أن يزايد عليّ في هذا الأمر".
ويلفت إلى أنّه يعمل على تقريب وجهات النظر بين بكركي وقيادة "الثنائيّ الشيعيّ"، ولاسيّما بعد توتّر العلاقة بينهما نتيجة المواقف الأخيرة للبطريرك من الحرب في الجنوب والانتخابات. وهم بالأمس زاروا مطران بيروت وأقاموا نقاشاً طويلاً معه حول هذا الأمر"، مشيراً إلى أهميّة إبراز موقف مسيحيّ متضامن مع القضيّة الفلسطينيّة، وقضيّة القدس، على اعتبار أنّها قضيّة المسيحيّين قبل المسلمين.
وعن دعمهم للوزير سليمان فرنجيّة للرئاسة، ومحاولتهم تشكيل ما يشبه "لوبي" مسيحيّاً مؤيّداً له، يوضح ماديان أنّهم على علاقة مع الكثير من الشخصيات المرشّحة منها فرنجيّة وقائد الجيش جوزف عون، والوزير السابق زياد بارود، وغيرهم. ولا يروّجون لأحد إنّما للحوار فقط".
ويختم: "فتحنا آفاقاً للنقاش بين رئيس "التيّار الوطنيّ الحرّ" جبران باسيل ورئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، ونتلاقى مع تكتل الاعتدال الوطني لتمتين مبادرته، وهي ضروريّة للبننة الاستحقاق، مشدّداً على أنّهم منفتحون على الحوار، ولا مشكلة من الحوار مع "القوّات اللبنانيّة" أيضاً".
وفي المحصّلة يمكن الحديث عن محاولة جديدة فاشلة لإخراج إطار مستقلّ عند المسيحيّين، أجهضتها في بدايتها المصالح السياسيّة والخلفيّات الأيديولوجيّة، لتصطفّ إلى جانب من سبقها من نوادٍ سياسيّة صغيرة محسوبة على هذا الطرف أو ذاك.