عادت عجلات "الخماسية" عبر سفرائها في لبنان الى التحرك من جديد، ولكن هذه المرة وسط ضباب الخلافات بين السفراء التي لم تعد خفيّة على أي من المتابعين أو الأفرقاء السياسيين.
فالاجتماع الذي عُقد الاسبوع الماضي في السفارة القطرية أو التحرك المشترك الذي ينوي السفراء القيام به بدا ضعيفاً في الشكل من خلال الخلافات على الشخصيات المنوي زيارتها، في ظل رفض السفيرة الاميركية ليزا جونسون زيارة النائب جبران باسيل لكونه يخضع لعقوبات، وتحفّظ السفير السعودي وليد البخاري على زيارة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وفي المضمون من خلال الإشكاليات عن المواصفات حتى الأسماء.
في ظل هذه الاجواء بدأ السفراء بتحركات منفصلة ولقاءات أحادية، وبرز التحرك القطري الذي قام به السفير في لبنان من خلال جولات على عدد من الافرقاء السياسيين بالإضافة الى تحرّك الموفد القطري الخاص "أبو فهد"، الذي أنتج زيارة خاطفة لمعاون رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي حسن خليل لقطر ستليها بحسب المعلومات زيارات لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، والنائب السابق وليد جنبلاط، فيما لم يعط رئيس تيار المردة سليمان بعد موافقته على الدعوة أيضاً.
زيارة خليل أنيطت بالكثير من السرية والتكتم، ولكن بحسب القليل الذي رشح عنها فإنها بحثت في العمق في ملفي الجنوب ورئاسة الجمهورية.
وبحسب المعطيات أيضاً لم تحقق هذه الزيارة خرقاً على صعيد رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن خليل نقل تمسك رئيس مجلس النواب بترشيح سليمان فرنجية، معيداً طرح إحياء المبادرة الفرنسية مع استبدال نواف سلام، بتمام سلام.
أما على مستوى ملف الجنوب فأكد خليل باسم الثنائي أنه منفتح على كل الحوارات لكن بعد وقف الحرب في غزة وهذا موقف لا يستطيع "حزب الله" التراجع عنه.
ومن الواضح أن الديبلوماسية القطرية لن تهدأ بعد زيارة خليل بل هي مستمرة، وهذه المرة بدفع فرنسي حصل عليه القطريون بعد زيارة الأمير تميم لقصر الإليزيه ولقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالإضافة الى تنسيق أميركي يعتبر لبنان إحدى نقاطه الممتدة من فنزويلا مروراً بإيران وليس انتهاءً عند غزة.
من دون شك تمتلك قطر مساحة واسعة للتحرك الديبلوماسي وخصوصاً عبر علاقاتها مع الغرب من جهة وإيران وروسيا من جهة ثانية، فضلاً عن امتلاكها القوة الاقتصادية والمالية المؤثرة وهي من أهم الأدوات التي استعملتها في علاقاتها، وما زال العرض الذي تقدّمت به الى رئيس تيار المردة قبل اندلاع الحرب، والذي قضى بتمويل تيّاره مقابل انسحابه من المعركة الرئاسية أكبر برهان.
إلّا أن هناك عوائق كبيرة تواجه هذا الدور على المستوى اللبناني، من بعد عودة المملكة العربية السعودية الى الساحة السياسية.
فبحسب مصادر مطلعة فإن أفراداً من "الخماسية" غير مرتاحين للدور القطري في بيروت لكونه يسوّق لأسماء محددة وهذا ما لا ترغب فيه المملكة ولا مصر لكن "عدم الرضى" السعودي عن الأداء القطري لا يرتقي الى مرحلة الخلاف، إذ لا يزال التنسيق مستمراً.
وتؤكد المصادر أنه في الوقت نفسه يأتي الحديث عن الدورين الفرنسي والقطري، من حيث القدرة على تقريب وجهات النظر أو طرح المعادلات التي من الممكن التفاهم حولها، لكنها تشدد على أنه حتى الساعة لم تظهر معالم أيّ اتفاق جدّي من الممكن بحثه.
في المقابل ترى مصادر معارضة أنه يمكن لقطر أن تؤدي دوراً مهماً خصوصاً عبر علاقاتها مع محور الممانعة، وتستطيع التأثير عبر البوابة الاقتصادية في قضايا التعويضات ما بعد الحرب والتنقيب عن النفط عبر الشركات القطرية، ويمكن أن يؤدي هذا التحرك الى تليين في مواقف "الثنائي"، لكنها في الوقت عينه تستبعد الذهاب الى مؤتمر للحوار أو أي لقاء في الدوحة على غرار الذي عقد في الدوحة عقب أحداث 11 أيار.
وتجدر الإشارة الى أن الحضور القطري في لبنان لمرحلة ما بعد اغتيال الرئس الشهيد رفيق الحريري، مروراً بالدور الذي قامت به الدوحة في وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006، ومن ثم رعاية مؤتمر الحوار اللبناني عقب أحداث 7 أيار عام 2008 بين "حزب الله" وخصومه، وخلص الاتفاق حينها إلى وقف الاقتتال والاتفاق على رئيس تسوية وهو قائد الجيش حينها ميشال سليمان. وعلى الرغم من الاختلاف مع إيران و"حزب الله" على الملف السوري بقيت قنوات تواصل الدوحة مع "حزب الله" فعالة في الساحة اللبنانية.
ومع انتهاء ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية، كان لافتاً الشكر الذي وجهه رئيس الجمهورية السابق ميشال عون لدولة قطر، حيث كان هذا أول تأكيد رسمي للدور القطري في هذا الملف وسط معلومات بشأن مساهمة الدوحة في وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق، ما تبعه من استحواذ قطر على 30 بالمئة في كونسورتيوم التنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9.