إ.خ
سلّط قرار المجلس الدستوري بردّ الطعون في قانون التمديد للمجالس البلدية، الضوء على إشكالية قانونية أثارها معنيون، وتتعلق بمدى البناء على هذه النتيجة من أجل تكريس حق المجلس النيابي في التشريع في غياب رئيس جمهورية.
اذ أنّه ومن زاوية مقابلة، كانت هناك مخاطر أساسيّة، ربما لم يلتفت إليها الطاعنون، وهي آثار رفض الطعن أو ردّه وإعطاء القانون المشكوك في شرعيته قوة كبرى، وهي قانونية التشريع في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، وهي المعركة الأم التي تخضوها في الوقت الراهن، بحيث ترفض أيّ اجتماع لمجلس النواب سوى لانتخاب رئيس الجمهورية.
فقانون التمديد في غياب الرئيس دستوريّ وبموافقة المجلس الدستوري، كما أنّ الاسباب التعليلية للقرار هي ما ينادي به خصوم المعارضة، وهو استمراريّة المرفق ذي القيمة الدستورية، إذ قدّم المجلس الدستورية استمرارية المرفق أو المؤسسة الدستورية على الدستور، وهو أيضاً ما أشار إليه رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب في إطلالاته الإعلامية، عن أهميّة استمرار المرفق العام، وعدم إدخاله في الشغور.
رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية وعميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ الدكتور بول مرقص قال لـ"النهار" أنّ أحد الأمور التي تناولها قرار المجلس الدستوري الصادر بتاريخ 30/5/2023 في ما يتعلّق بالطعن بقانون تمديد المجالس البلدية والاختيارية، هو موضوع الجدل الدستوري القائم لجهة مدى جواز انعقاد المجلس في صفته الحالية كهيئة انتخابية لرئيس الجمهورية، والتي بنت معظم الطعون حججها عليه، كما تناول مدى جواز التشريع في ظلّ الشغور الرئاسيّ، وفقاُ لما نصّت عليه المادة /75/ من الدستور اللبناني حيث جاء فيها ما يلي: "إنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أيّ عمل آخر".
وقد اعتبر المجلس الدستوري في هذا الإطار أنه "لو كانت نيّة المشرّع الدستوري حصر عمل المجلس النيابي في فترة الشغور الرئاسي، بانتخاب الرئيس بدون أيّ عمل آخر، لاستعمل عبارات آمرة في هذا الاتجاه، كما ذهب إليه في الكثير من النصوص، أو لنصّ على ذلك صراحةً كاستعمال عبارة "عند خلوّ سدّة الرئاسة يصبح مجلس النواب هيئة ناخبة، ولا يحقّ له القيام بأيّ عمل آخر قبل انتخاب رئيس الجمهورية".
كما واعتبر أنّ الغاية من المادة /75/ من الدستور هي إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس الجمهورية وحثّ المجلس على الإسراع في هذا الانتخاب ومنعه من القيام بأيّ عملٍ آخر أو مناقشة في الجلسة المخصّصة للانتخاب، أمّا في ما يتعلّق بالشؤون العامة الأخرى الداخلة في اختصاص مجلس النواب، فيمكن عرضها في جلسات أخرى لطرحها ومناقشتها وأخذ القرارات بشأنها.
بالإضافة إلى اعتباره لا يمكن القول أنّه خلال فترة الشغور الرئاسي يمتنع على المجلس النيابي القيام بالأعمال التي تدخل ضمن اختصاصه، لأنّ الذهاب في هذا المنحى يؤدّي إلى حصر كلّ شؤون البلاد في يدّ الحكومة ويطلق يدها في تسييرها دون أيّ رقابة مع ما قد يحتمله ذلك من إساءة استعمال السلطة، وهذا ما اعتبره المجلس الدستوري يخلّ بشكل كامل بالتوازن بين السلطات، كما ويوقف عجلة التشريع ويُلحق الضرر بمصلحة البلاد العليا، خاصةّ عندما تطول فترة الشغور الرئاسيّ.
ويكون بذلك قد حسم المجلس الدستوري في قراره الصادر بتاريخ 30/5/2023 الجدل القائم حول التشريع في ظلّ الشغور الرئاسيّ، وشرّع التشريع في هذه الحالة.
يوافق الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين على رأي زميله، بشأن قرار الدستوريّ، ولكن يفترق بقضية التشريع بشكل عام، الذي يربطه يمّين بحالات استثنائية ومحدّدة جداً، مشيراً الى أنّ هذا القرار يفتح الباب أمام التشريع لكن بحالات الضرورة القصوى والظروف الاستثنائية.
وقال لـ"النهار": "القاعدة هي بعدم جواز التشريع، لكنّ بعض الظروف الاستثنائية تفرض نفسها وتجب مواكبتها".
وأكّد يمين أنّ التشريع في غياب الرئيس، يفقد حلقة أساسية في آليّة التشريع، ويشكّل انتهاكاً لمبدأ فصل السلطات والتعاون بينها، فالدستور أعطى حقّ فيتو مؤقتاً لرئيس الجمهورية عبر إعادة القانون الى مجلس النواب، بحيث إنّ إعادة طرحه على التصويت بحاجة الى ثلثي المجلس لإقراره، إضافة الى الطعن به امام المجلس الدستوريّ، وهذه صلاحيات لصيقة برئيس الجمهورية لا يمكن استبدالها".
واعتبر يمين أنّ الاستثناءات تتمثل في تأمين استمرارية المؤسسات والمرافق بما لا يضرّ بمصلحة المواطن، مشيراً الى أنّ هيئة التشريع والاستشارات قد أصدرت بعض الآراء القانونية بالنسبة إلى ما هو استثنائيّ، وما يجب عدم تجاوزه ووضعه في خانة الاستثناء".
بدوره، رأى الخبير الدستوري سعيد مالك أنّه من الثابت انّ قرار المجلس الدستوري، قد شرّع بطريقة غير مباشرة التشريع في غياب رئيس الجمهورية، ويتبيّن جلياً انّ المجلس الدستوري قد ذهب الى اعتبار انّ مجلس النواب ليس فقط هيئة ناخبة في غياب الرئيس، إنّما أيضاً هيئة مشرّعة، فاعتبر أنّ عدم وجود عبارات آمرة في المادة 75 من الدستور يفتح الباب واسعاً أمام إمكانية الاجتهاد بإبقاء صلاحية مجلس النواب على حالها بالتشريع والرقابة الى جانب مهمّته كسلطة انتخابية.
وقال لـ"النهار": "اليوم كان يفترض على المجلس الدستوري أن يذهب الى تفسير أشمل لنصوص الدستور، وألّا يكتفي فقط بتفسير المادة 75، بل يذهب الى عطف المادة 75 على المادة 49 والمادة 74 من الدستور كون هذا العطف سيؤدّي حكماً الى تعديل مسار المجلس الدستوري لجهة اعتبار الهيئة المشرّعة، هيئة تشريعية، إضافة الى كونها هيئة انتخابية".
وفي رأيه، أنّ "المجلس الدستوري قدّم هدية الى المنظومة لجهة تشريع الإقدام على سنّ قوانين أثناء فترة الفراغ الرئاسيّ، وهو ما كان يقتضي على المجلس الدستوريّ أن يضمّ المواد الى بعضها بعضاً ويفسّرها ضمن إطار تفسير واحد يؤدّي الى اعتبار المجلس النيابيّ هيئة ناخبة فقط وليس هيئة تشريعية على الإطلاق."