يتأهب اللبنانيون لإعادة سيناريو فراغ عام 2014 إلى الواجهة. ووسط انعدام اليقين في المشهد السياسي، تبقى ملفات عدّة معلّقة المصير، منها ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، حيث شهدنا هذا الأسبوع انطلاقة عدة قوافل من مناطق لبنانيّة مختلفة لإعادتهم إلى ديارهم، علماً أن القوافل قد بدأت عام 2017، وتوقّفت في نهاية عام 2019، لم يغادر يوم الأربعاء الأراضي اللبنانيّة سوى 500 نازح من أصل رقم يصل إلى الآلاف لا بل المليون. ولا يزال لبنان يطالب باستمرار من المنظمات الدولية المعنية بتسهيل عودة النازحين من أجل تخفيف العبء الاقتصادي، فضلاً عن التغيرات الديموغرافية التي شهدها لبنان وتفشي أمراض عدّة جراء النزوح.
فهل سنشهد عودة جديّة لهؤلاء أو أنّها ستكون عودة فلكلوريّة؟
بات من الواضح غاية السوريين من البقاء في لبنان في حين أنّ الأمم المتحدة لم تبخل بمساعدة هؤلاء مالياً. وبحسب دراسة المفوضية السامية للأمم المتحّدة لشؤون اللاجئين، وصلت المساعدات في عام 2022 إلى 534.3 مليون دولار أميركي.
وفي هذا الإطار، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار في حديث مع "النهار"، أنّ انطلاقة هذا الأسبوع كانت محطة رمزيّة لتثبيت مبدأ العودة والخطّة التي وُضعت أمام عواصم القرار والمؤسسات الدوليّة، ولتوصيل رسالة أن لبنان هو فعلاً حريص على موضوع العودة. ويشير إلى أنّ "ما يهمنا هو البدء بخطوة أوليّة لتفادي الكارثة، ولم نكن نراهن على الأعداد، لم أذكر منذ اليوم الأوّل العدد الدقيق، فالأساس هو التركيز على تثبيت قرارنا السيادي والوطني، وفي بداية الأسبوع تنطلق الدفعة الثانية."
إزاء هذا الواقع، كيف تقارب القوى السياسية موضوع عودة النازحين السوريين؟ وهل العودة فلكلوريّة أو جديّة؟
يرى النائب في كتلة "الكتائب" سليم الصايغ، في حديث لـ"النهار" أنّه "بغض النظر عن التزامات لبنان الدولية بموضوع النزوح بمجرد ان قبلت الحكومة بتوصيف الامم المتحدة ان الهاربين من الحرب في سوريا لهم صفة "نازحين" أو "لاجئين" قبلت عرفاً بقواعد الاتفاقات الدولية التي تُلزِمها في المواضيع ذات الصلة. من هنا لم يعد جائزًا قانوناً ولا مقبولاً سياسياً اعتماد المبدأ السيادي وهو اجبار النازحين على العودة القسرية. من هنا تبرز ضرورة الرجوع الى مبدأ العودة الحرة والآمنة للنازح مما يفترض اشراك كل الفرقاء المعنيين في اي خطة مع الاحتفاظ بالمبادرة للدولة المضيفة.
ويقول ردا على سؤال: "أفرقاء الخطة هم الدولة اللبنانية بكل اجهزتها، الدولة السورية، الامم المتحدة التي تمثل حقوق النازح في لبنان وسوريا. ولكي تنجح هذه الخطة لا بد للدولة اللبنانية أن تحزم أمرها لكي يكون لديها رصد حقيقي لوجود النازحين وحركتهم ووضعهم القانوني".
أضاف: "عند التدقيق في صفة النازح مع الامم المتحدة يتم ترحيل كل من لا يتمتع بهذه الصفة او كل من ينتقل عبر الحدود. عند ضبط الحدود نعتبر ان حوالي ثلث السوريين لا يعودوا يشكلون حالة نزوح اممية وعليهم العودة القسرية الى بلادهم. تشكل هذه الفئة الاولوية المطلقة. اما عن بقية السوريين فيجب المناقشة مع الحكومة السورية والامم المتحدة حول الاحتمالات الموجودة. اذا لم يكن هناك امكانية بالعودة الطوعية لهم يتم اعادة تنظيمهم في لبنان والعمل الجدي على إعادة توزيعهم على دول أخرى. اما اذا تم التأكد من امكانية الرجوع يجب اعلان خطة العودة مع الامم المتحدة التي تأخذ على عاتقها ضمان الامان مع الحكومة السورية.
وأشار إلى أن الارقام المعلنة اليوم حول العائدين تبقى خجولة جدا نسبة للعدد الاجمالي مما يوحي ان المقاربة غير كافية ابدا.
اما عن ملف الكلفة للوجود فهي "ناتجة أساساً من سوء الادارة في لبنان، كما قال. هي كلفة الفوضى. وان مقارنة بسيطة مع الاردن يعطي الدلالة حول كيف يمكن أن يتحول النزوح الى فرصة للبلد المضيف. العلّة فينا أساساً. اما الآن علينا بتجزئة المشكلة كما اشرت سابقاً".
من جهته، يعتبر نائب "التيار الوطني الحرّ" في عكار جيمي جبور في حديث مع "النهار" أنّ "ما شهدناه يوم الأربعاء ليس كافياً، لأن الأعداد التي تدخل يومياً توازي العدد الذي غادر، اليوم نحن أمام حدود مفتوحة خاصةً في عكار، ودخول السوريين يتم يومياً، في حين أنّ سوريا خلت من الأحداث الأمنية ".
ويشدّد جبور على أنّ "الخطوات الأساسيّة التي يجب اتخاذها، هي ضبط المعابر غير الشرعية على الحدود، ونناشد المسؤولين والحكومة اللبنانيّة الضغط على المنظمات الدوليّة ومفوضية اللاجئين لعدم دعمهم مادياً، حيث نشهد خطّة دمج النازحين في مناطق لبنانية مما يؤدي إلى تغيّر ديموغرافي، ومن هذه الجمعيات جمعية ألمانية تدعى “GIZ”، التي تقوم بتمويل مشاريع، شرط أن تكون إدارة المشروع واللجان مختلطة بين السوريين واللبنانيين"، معتبرا ان "جعل النازحين يتولون إدارة مشاريع هو نوع من الدمج يجب معالجته."
من جهة "القوات"، يوضح النائب جورج عقيص أنّ "العودة تحتاج إلى حلّ جذري وسريع، والنزوح أصبح أزمة تضاعف المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعية، ولا نعتبر أنّ الدولة تمارس الضغط الكافي على المجتمع الدولي في سبيل ذلك، واليوم محاولة عودتهم هي شكل فولكلوري، كما ننتظر كيفية تعاطي الأمن العام بإدارة الملف، وتعزيز الآلية التي لم تؤدي بالشكل المطروح إلى أي نتيجة."