في "نموذج"جديد إضافي على استباحة لبنان وأرضه وسيادته أمام خطر التهديدات الإسرائيلية المتعاقبة بحرب شاملة على لبنان، وبعدما انكشفت ساحة الجنوب عن "شراكة الساحات ووحدتها" بين أذرع "محور الممانعة" جاء الكشف أمس عن اجتماعات تنسيقية بين الحوثيين اليمنيين وحركة "حماس" وقيادات فلسطينية في بيروت ليضع لبنان وحكومته أكثر فأكثر في عين الانكشاف والمزيد من الأحراج والتعرية وتالياً أمام مزيد من تعريض لبنان للأخطار الأمنية والحربية.
إذ إن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عن مصادر فلسطينية وحوثية أن اجتماعاً نادراً عُقد الأسبوع الماضي بين قيادات من فصائل فلسطينية أبرزها حركة "حماس" و"الحوثيين" اليمنيين، لمناقشة "آليات تنسيق أعمال المقاومة" ضدّ اسرائيل في ظل حرب غزة. وقال أحد هذه المصادر الفلسطينية طالباً عدم نشر اسمه إنّ "اجتماعاً مهمّاً عُقد الأسبوع الماضي شارك فيه قادة كبار من حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع حركة أنصار الله اليمنية". وأضاف أنّه خلال هذا الاجتماع "تمّت مناقشة آليات التنسيق بين هذه الفصائل بشأن أعمال المقاومة في المرحلة المقبلة". وأكد مسؤول حوثي بدون الكشف عن اسمه لـ"فرانس برس" السبت أن الاجتماع "عُقد في بيروت"، وناقش "توسيع دائرة المواجهات ومحاصرة الكيان الإسرائيلي وهو ما أعلنه (زعيم حركة أنصار الله) عبد الملك الحوثي" الخميس. وأضاف المسؤول الحوثي السبت "نحن ننسق مع المقاومة منذ بداية عملية طوفان الاقصى". وبحسب مصدر فلسطيني ثانٍ طلب بدوره عدم نشر اسمه فإنّ الاجتماع ناقش أيضاً "تكاملية دور أنصار الله مع الفصائل الفلسطينية، خصوصاً مع احتمال اجتياح إسرائيل لرفح" في أقصى جنوب القطاع.
في غضون ذلك، أثير سؤال جدي عما إذا يمكن الحديث عن طرح إسرائيلي جديد بالعودة الى المفاوضات الثلاثية اللبنانية – الإسرائيلية – الأممية في الناقورة التي توقفت منذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل و"حزب الله" في الثامن من تشرين الأول الماضي؟
السؤال أثير أمس عقب موقف لافت لوزارة الخارجية الإسرائيلية مفاده التشديد على عدم رغبة إسرائيل في الحرب مع لبنان وإعلان استعدادها للعودة الى المفاوضات الثلاثية في الناقورة من دون تفاصيل إيضاحية. ولم يكن هذا الموقف ليكتسب دلالات ويثير تساؤلات لولا أنه جاء غداة تسليم لبنان رده الخطي الرسمي على الخطة الفرنسية لوقف المواجهات الجارية في الجنوب اللبناني والعودة الى التزامات القرار 1701. ومع أن احتمال أن يبقى هذا الموقف في إطار المناورات الديبلوماسية التي ربما تهدف إسرائيل من خلالها الى إحراج الحكومة اللبنانية وإظهارها في مظهر التبعية لاستراتيجية "حزب الله" اذا رفض الاقتراح كما هو مرجح، يلفت مراقبون الى أن تعدد الاتجاهات وتضاربها في داخل إسرائيل حيال أي عملية واسعة في لبنان يبقي الباب مفتوحاً على لعبة طرح اقتراحات تجريبية ضمن مرحلة لم تشهد بعد حسما واضحاً ونهائياً لأي اتجاه ستعتمده إسرائيل في شأن لبنان يوم تتوقف حرب غزة.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، حسن كعبية، أعلن أمس أن "إسرائيل لا ترغب في خوض حرب مع لبنان". وقال "منذ أن بدأ حزب الله في شن اعتداءاته، أعلنّا وصرحنا أكثر من مرة، أننا لا نريد أن نوسع دائرة الحرب من غزة إلى لبنان. مطلبنا الوحيد هو تطبيق قرار الأمم المتحدة 1701، ومستعدون لاستئناف الاجتماعات الثلاثية في الناقورة وليس لدينا مشكلة مع أي حل يتعلق بالسلام". وحول موقف إسرائيل من المقترح الفرنسي لتسوية الخلافات الحدودية مع لبنان، أوضح كعبية أن "الحدود البرية متفق عليها دولياً بين إسرائيل ولبنان، لا يوجد هناك أي مداهمات من قبل إسرائيل أو من قبل لبنان على الحدود، لكن للأسف الشديد هناك حزب الله داخل لبنان، الذي يمتلك أسلحة كثيرة وأيضاً مقاتلين كثراً وهو الذي يعطي تعليمات للدولة اللبنانية". وأشار إلى أن "حزب الله بدوره تدعمه إيران وهذه مشكلة عويصة للشعب اللبناني، نحن لا نريد توسيع الحرب، الشعب اللبناني والدولة اللبنانية في مأزق من ناحية اقتصادية، ومع الحرب، سيكون الوضع أصعب وأصعب".
التحرك الخماسي
أما في المشهد السياسي الداخلي، فإن الأنظار ستتركز اعتباراً من غد الاثنين على التحرك الجديد الذي سيستأنفه سفراء مجموعة الدول الخماسية الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر الهادف الى حض الافرقاء اللبنانيين على استعجال إنهاء أزمة الفراغ الرئاسي والسعي ما أمكن الى توافق واسع حول خيار انتخاب المرشح الثالث الذي لا يعد محسوباً على جهة دون أخرى. ومعلوم ان السفراء الخمسة سيشرعون من الاثنين بتحرك واسع النطاق يشمل جميع الاتجاهات والكتل وتبدأ لقاءاتهم برئيس مجلس النواب والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ثم تستكمل الثلثاء بلقاءات مع الرئيس السابق ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط وينتظر تحديد مواعيد اللقاءات الأخرى تباعاً.
الراعي والمؤتمر الماروني
وفي التحركات والمواقف البارزة من التطورات رعى البطريرك الراعي أمس حفل إطلاق المؤتمر الوطني الماروني في جبيل، ونقل عنه قوله في مستهل المؤتمر" "لبنان والموارنة توأم ولا ألفظ كلمة ماروني الّا مرّة واحدة عندما أتكلّم عن رئيس الجمهورية".
وفي الكلمة التي ألقاها في افتتاح المؤتمر قال الراعي: "للأسف الشديد نلحظ أنّ الميزات التي جعلت من لبنان "قيمة حضاريّة ثمينة"، وجسراً ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا بين الشرق والغرب، ومكانًا للحوار وتلاقي الأديان، آخذة في التشويه منذ حوالي ثلاثين سنة. فهناك إنتهاك سافر للدستور ظاهر بشكل خاصّ في عدم إنتخاب رئيس للجمهوريّة، من دون أيّ مبرّر، ولكن لأهداف مكشوفة وهي إقصاء الرئيس المسيحي المارونيّ الوحيد في هذا الشرق. فنسأل أي شرعيّة لممارسة مجلس النواب الفاقد صلاحيّة التشريع، ولممارسة مجلس الوزراء الفاقد صلاحيّة التعيين وسواه مما هو حصرًا منوط برئيس الجمهوريّة. وهناك إنتهاك خطير آخر للدستور في المادّة 65 التي تعتبر "إعلان الحرب والسلم من المواضيع التي تحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضاء الحكومة". وها نحن في صميم حرب مع إسرائيل لا يريدها أحد من اللبنانيّين فيما يقرّرها فريق يورّط فيها لبنان والجنوب واللبنانيّين وهم كلّهم ما زالوا يعانون من الحرب اللبنانيّة المشؤومة ونتائجها. وبعد إبرام إتفاق الطائف (1989) الذي لا يُنفّذ بروحه وبكامل نصوصه، ظهر مليًّا غياب سلطة سياسيّة حاسمة في لبنان، فدبّت الفوضى وبات الحكم على الأرض للنافذين بمنصبهم أو بسلاحهم أو بمالهم أو باستقوائهم. وقد أقرّ رئيس الجمهوريّة السابق العماد ميشال عون في أواخر عهده: "لسنا في جمهوريّة، بل في جمهوريّات"، وما القول عن حالة الفقر المتزايد، ونزيف الهجرة، وخسارة أهمّ قوانا الحيّة، وعن النتائج الوخيمة لوجود مليوني نازح سوري على المستوى الإقتصاديّ والأمنيّ والإنمائيّ والإجتماعيّ والتربويّ".
وختم "هذا المؤتمر الوطنيّ المارونيّ جاء في وقته ومحلّه، ليكون وسيلة لإعادة معرفة ذاتنا اللبنانيّة ومسؤوليّتنا. فلبنان وقيمته الحضاريّة مسؤوليّة في أعناقنا. لبنان مريض ويجب تشخيص مرضه من أجل التزام شفائه. مرضه الأساسيّ أنّه فقد جوهر طبيعته وهو حياده الإيجابيّ الفاعل كوسيط سلام، ورائد حوارٍ وتلاقٍ، ومدافع عن حقوق الشعوب، وفي مقدّمتهم الشعب الفلسطينيّ. لا يستطيع لبنان أن يقوم بهذا الدور والرسالة إذا دخل في حروب ونزاعات إقليميّة أو دوليّة".
وأمس جدد رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب تيمور جنبلاط في الذكرى السابعة والأربعين على استشهاد كمال جنبلاط "التمسك بتراث المعلم والبرنامج المرحلي الذي طرحه، ليكون جسر العبور لبناء وطن تسوده قيم العدالة والمساواة والديمقراطية، نقيض لبنان اليوم الذي يصارع البقاء والتماس الخلاص الذي يتوق اليه اللبنانيون، وسط هذا الأفق المقفل والمفتقد الى جمال التسوية، لاستعادة الثقة والاعتبار للمؤسسات وإنهاء الشغور الرئاسي، الذي يبقى على رأس الأزمات المستعصية، للوصول الى حلمه بلبنان السيادة والقرار الوطني المستقل وما دأب لتحقيقه".